
فقدت الساحة الفنية المغربية الثلاثاء، الفنان عزيز سعد الله أحد أشهر مبدعيها، بعد صراع مع مرض السرطان.
وتوفي الممثل والمخرج المغربي عن عمر يناهز 70 عاماً، مخلفاً حالة من الحزن بين أحبائه وزملائه في المجال الفني.
ويعرف عزيز سعد الله بثراء رصيده الفني ومسيرته الحافلة بالنجاحات، وبوصفه من بين أهم صناع السينما والمسرح والتلفزيون في المغرب.
وتعد سلسلة "للا فاطمة" من أقرب أعماله إلى الجمهور المغربي، كما ساهمت إنتاجاته المسرحية مع رفيقة دربه الممثلة خديجة أسد بعد تأسيسهما لــ"مسرح الثمانين"، في إثراء المشهد المسرحي في بلاده بأعمال مثل: "سعدك يا مسعود"، "خلي بالك من مدام" و"نامبر وان" كما أخرج للسينما فيلم "زمن الإرهاب".
وتوج الراحل بجوائز عدة طيلة مسيرته، منها جائزتي أفضل ممثل في مهرجاني مونتريال وباستيا بفرنسا.
الحزن يسود الوسط الفني
وأعرب عدد كبير من المثقفين والفنانين عن حزنهم لفقدان أحد قامات الثقافة في المغرب، ونعى رئيس النقابة المغربية لمهن الفنون الدرامية مسعود بوحسين الراحل معزياُ عائلته، ونعته كذلك الهيئة العربية للمسرح من خلال موقعها الرسمي، كما دون معظم المسرحيين والفنانين عبارات التعزية على صفحاتهم الرسمية على السوشيال ميديا مرفقة بصورة للفقيد.
ووصف المخرج عبد الإله الجوهري موت صديقه الراحل عزيز سعد الله بـ"الصدمة"، وقال لـ"الشرق": "أعزي الفنانة خديجة أسد في رحيل نصفها الإنساني والفني، وفي الحقيقة أعتبر هذا الخبر صاعقة أصابتني، وإن كان عزاءنا أن أعماله شاهدة على منجزه الإبداعي الثري ومنها أفلام (ساعي البريد)، (عرس الآخرين)، (بيضاوة وبادس)، والتي أتصور أنها ستعيش بين جمهوره لتخلد ذكراه مع أعمال أخرى".
نجم المسرح المغربي
أمّا الناقد والاعلامي نزار الفراوي فأكد لــ"الشرق" إنه "بوفاة سعد الله عزيز يفقد المغرب وجها بارزاً من صناع الحركة المسرحية والتلفزيونية في عصرها الذهبي"، لافتاً إلى أن "أعماله طبعت ذاكرة المشاهد المغربي على مدى عقود وخصوصا خلال الثمانينات والتسعينات".
وأضاف الفراوي أن ىسعد الله أسس برفقة زوجته خديجة أسد "ثنائياً فريداً من نوعه، تألق في إبداع مسرحيات ناجحة" منها: "برق ما تقشع" و"كوسطة يا وطن"، في زمن انتعاش المسرح المغربي الكوميدي قبل أن يتجه الإثنان في مرحلة أخرى نحو التركيز على التلفزيون عبر خوض تجربة السيت كوم، من خلال "لالة فاطمة" الذي حقق نجاحا جماهيريا ساحقا على مدى ثلاثة مواسم".
وتابع: "سعد الله عزيز كان أكبر من مجرد ممثل، كان كاتباً ومخرجاً مسرحياً وتلفزيونياً، مع تجارب في السينما أيضاً، تمثيلاً وإخراجاً، ولئن عرف لدى الجمهور الواسع بطابعه الكوميدي، فإنه كان في الحقيقة ممثلاً شاملاً لا يقل تفوقا في الأداء الميلودرامي، بتعبيره الحركي وبتوظيف ذكي لتقاسيم وجهه".
وشدد الناقد المغربي على أن الهمّ الاجتماعي كان حاضراً بقوة في الأعمال المسرحية التي قدمها الراحل في إطار الفرقة التي أسسها باسم "فرقة الثمانين"، والتي انطوت على رؤية نقدية ساخرة للأوضاع الاجتماعية والسياسية في بلاده، وأكثر من ذلك، فاجأ الراحل المشهد السينمائي بإخراج وكتابة وبطولة فيلم سينمائي بعنوان "زمن الإرهاب" يحمل تفكيكاً للبنية الاجتماعية والثقافية التي تنتج الفكر المتزمت والمتطرف، وقدم من خلاله وجها آخر للفنان الجاد والمتجدد والمنخرط في أسئلة الراهن.
وأشار الفراوي إلى أن "تعدد مواهب الراحل ومواقعه، ربما حرمت السينما المغربية وجهاً كان ينتظر أن يقدم الكثير، خصوصاً لمقدرته على الجمع بين الروح الكوميدية المطلوبة جماهيرياً وبين العمق الفكري الواعي بالقضايا التي تطرحها الشاشة الكبرى. ومع ذلك قدم أدواراً متميزة في أفلام من قبيل "بيضاوة" لعبد القادر لقطع و"عرس الآخرين" لحسن بنجلون".
كتابة تاريخ الفن
من جهتها، حرصت الإعلامية صباح بن داود على تأكيد مكانة عزيز سعد الله في الذاكرة الفنية المغربية من خلال تدوينة لها على حسباها بموقع "فيسبوك" قائلة إن الراحل "وضع لنفسه شخصية صعب على الآخرين تقليدها، أساسها السهل الممتنع، كان يكتب لتلك الشخصية أكثر من كتابته لنفسه، ونجح في أن يظل واقفا وحاضرا ترافق أعماله ابتسامة حقيقية وصادقة".
وشددت الإعلامية المغربية على أن سعد الله عزيز "ينتمي إلى جيل تكفل بكتابة تاريخ الفن المغربي بمداد الجودة والعطاء".
الجيل الشاب من فناني المغرب بدا بدوره متأثراً لرحيل فنان يعتبره قدوة ومرجعاً فنياً وفكرياً، من هؤلاء الممثلة منال الصديقي التي نعت الفقيد بكلمات مؤثرة قائلة: "بعد سماعي الخبر، لم أصدق، وانتظرت انتشاره وسط الزملاء والمواقع الإلكترونية، ثم نعيته، لكن خانتني الكلمات والأفكار، بل حتى عقلي الباطن لم يشأ أن يصدق".