ساجد جاويد.. ابن المهاجر الباكستاني يعود مجدداً للحكومة البريطانية

time reading iconدقائق القراءة - 8
وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد يغادر مقر رئاسة الحكومة البريطانية في لندن  - Getty Images
وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد يغادر مقر رئاسة الحكومة البريطانية في لندن - Getty Images
دبي -رامي زين الدين

لم تمضِ ساعتين على استقالة وزير الصحة البريطاني مات هانكوك على خلفية أزمة الصور المسربة، حتى أعلنت حكومة بوريس جونسون تعيين ذي الأصول الباكستانية ساجد جاويد بدلاً منه. 

جاويد الذي شغل عدة مناصب في حكومات المحافظين المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة من بيها وزارتي الداخلية والمالية، رحب بيان باسم ملكة بريطانيا بقرار تعيينه.

في فبراير من العام الماضي، استقال جاويد من منصبه كوزير للخزانة احتجاجاً على مطالبته من قبل رئيس الوزراء بوريس جونسون بإقالة فريق مستشاريه، وذلك على خلفية تصاعد التوترات بينها، بشأن ملفات عديدة، أبرزها قضايا قيود الإنفاق.

وستكون وزارة الصحة هي الدائرة الحكومية السادسة التي يرأسها جاويد، بعد المناصب السابقة مثل المستشار، ووزير الداخلية، ووزير الإسكان، ووزير الأعمال، ووزير الثقافة، وهو أول شخص من أقلية عرقية يشغل أحد المناصب الأربعة الأولى في الحكومة البريطانية (رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الخزانة ووزير الداخلية).

بالإضافة إلى الإشراف على الاستجابة لجائحة كورونا، سيتم تكليفه أيضاً بوضع إصلاحات لتمويل وتوفير الرعاية الاجتماعية.

وقال جاويد في تغريدة على تويتر، في أعقاب الإعلان عن اختياره كوزير الصحة، "لي الشرف أن يُطلب مني العمل كوزير للصحة والرعاية الاجتماعية في هذا الوقت الحرج. أتطلع إلى المساهمة في مكافحتة الوباء، وخدمة بلدي من داخل مجلس الوزراء مرة أخرى".

من القاع إلى القمة

وُلد ساجد جاويد في عام 1969 ببلدة روتشديل التابعة لمقاطعة مانشستر الكبرى (شمال غرب إنجلترا)، لعائلة مهاجرة تضم خمسة أبناء، حيث انتقلت والدته ووالده الذي كان يعمل سائق حافلة إلى بريطانيا قادمين من باكستان في مطلع ستينيات القرن الماضي. وقال جاويد لصحيفة "إيفنينغ ستاندارد" عام 2012، "كان والدي من قرية صغيرة في باكستان وجاء إلى هنا عندما كان عمره 17 عاماً للبحث عن عمل."

في المراحل الأولى بعد هجرته إلى بريطانيا عمل والد جاويد في مطحنة قطن، لكنه كما يقول الابن "كان طموحاً جداً"، ولذلك وجد أن سائقي الحافلات يتقاضون أجوراً أفضل، وهكذا شق طريقه في هذا المجال حتى أن البعض انو يلقبونه "سيد الليل والنهار" لأنه كان اعتاد على العمل في كل ساعة، متسلحاً بتوفيق الله".

المصادفة في حكاية وزير الصحة البريطاني الجديد أن هناك مسؤولاً آخر من أصل باكستاني عمل والده أيضاً سائق حافلة، وهو عمدة لندن صادق خان.

على الصعيد الشخصي، ساجد جاوي متزوج منذ عام 1997 من سيدة تُدعى لورا كينغ، ولديه منها 4 أبناء.

قضى جاويد سنوات دراسته في مدينة بريستول بعد انتقال العائلة إليها وافتتاح متجر ملابس والإقامة في شقة من سريرين فوقه، وفي مقابلة مع صحيفة "ديلي ميل" وصف المدرسة بأنها كانت صعبة "كنت شقياً ولم أكن مهتماً كثيراً بواجباتي المنزلية".

رغم ذلك، هناك أشياء أخرى تركت تأثيراً كبيراً لدى الفتى اليافع، لعلّ برزها اهتمامه منذ سن مبكرة بالأسواق المالية وإعجابه بعمليات الخصخصة التي نفذتها خلال الثمانينات رئيسة الوزراء الملقبة بـ"المرأة الحديدة" مارغريت ثاتشر. في سن الرابعة عشرة ذهب جاويد لمقابلة مدير البنك الذي كان والده يتعامل معه بهدف اقتراض 500 جنيه إسترليني للاستثمار في الأسهم، قبل أن يصبح قارئاً  منتظماً للصحف الاقتصادية.

بعد اجتيازه امتحان الرياضيات اقترحت عليه مُدرسته أن يصبح عامل إصلاح تلفاز، وأخبره البعض أن أبناء الطبقات الفقيرة لا يكملون عادة تعليمهم، لكنه رفض الاقتراح واختار مواصلة مساره الأكاديمي، ليجد نفسه نهاية المطاف في كلية الاقتصاد والسياسة بجامعة إكستر، ما قد يبدو مؤشراً مبكراً لاهتمامات جاويد نحو وظيفته المستقبلية.

بمجرد تخرج جاويد من الجامعة وضع الشاب المندفع نصب عينيه العمل في مجلس المدينة، لكن المحيطين به قللوا من توقعاته، كما يروي بنفسه "أخبروني أنه ما لم أرتدِ رابطة عنق أو يكون لدي علاقات مع متنفذين، فلن أحصل على تلك الفرصة، لكنهم كانوا مخطئين".

الإرادة والتصميم كانا شعاري جاويد في ارتقائه السلم المهني، حيث أصبح في سن الخامسة والعشرين نائب رئيس بنك "تشيس مانهاتن"، وانتقل لاحقاً إلى سنغافورة وعمل لفترة مع بنك "دويتشه"، قبل أن يغادر صيف 2009 للتركيز على الحياة السياسية في المملكة المتحدة.

نحو السلطة السياسية

في ثمانينات القرن العشرين شق جاويد طريقه السياسي عبر حزب المحافظين، وكان عضواً نشطاً في العديد من الأحداث والأنشطة، لاسيما خلال حقبة تاتشر، فرغم إعجابه بها واعترافه ذات مرة أنه كان يعلق ملصقاً لها في مكتبه، لكنه عارض بعض قراراتها الاقتصادية.

وفي العام 2010، اقتحم جاويد المعترك السياسي بشكل رسمي، ليصبح نائباً في البرلمان عن برومسغروف، ونجح أيضاً في اعتلاء منصب نائب محافظ المدينة الواقعة على بعد 13 ميلاً جنوب غرب برمنغهام. 

واستمر جاويد البالغ من العمر 51 عاماً، في الارتقاء في عالم السلطة مستفيداً من خبراته في المجال المالي حتى حظي بدور بارز في وزارة الخزانة، ثم أصبح أول وزير في الحكومة البريطانية من أصل آسيوي عندما تم تعيينه وزيراً للثقافة والإعلام والرياضة عام 2014، ثم تسلم وزارة الأعمال لمدة عام، ولاحقاً تولى منصب سكرتير الحكومة المحلية.

وفي 30 أبريل 2018 على إثر الاستقالة المفاجأة لوزيرة الداخلية آمبر رود، أصبح جاويد أول بريطاني من أصل مهاجر يتولى هذا المنصب الرفيع والحساس في بلاد لطالما اعتزت بتاريخها الإمبراطوري الذي جعلها تحصد لقب "البلاد التي لا تغيب عنها الشمس" فضلاً عن أنها لم تذق طعم أن يستعمرها أحد.

اليوم، يعود جاويد إلى حكومة بوريس جونسون رغم استقالته من منصبه كمستشار للحكومة ذاتها قبل عامين، إثر خلافات وتوترات بين الرجلين، غير أن ما هو واضح تماماً، أن استقالة هانكوك المفاجأة هي من أعادت جاويد مجدداً إلى حكومة جونسون، على رأس وزارة الصحة، لا العلاقة الوطيدة بين رئيس الوزراء ومستشاره السابق.

اقرأ أيضاً: