أفادت دراسة أجرتها المفوضية الأوروبية، بأن قطاع الثقافة خسر نحو ثلث إيراداته في العام الماضي بسبب كورونا، التي لم يسلم من تداعياتها سوى ألعاب الفيديو التي سجّلت ارتفاع مبيعاتها بنحو 9%، فيما تعرّضت عائدات الأنشطة الإبداعية الأخرى لخسائر غير مسبوقة.
وتشير الدراسة التي وضعتها شركة الاستشارات العالمية "إرنست يونغ"، إلى أن القطاع الأكثر تضرراً كان الفنون المسرحية، الرقص والأوبرا والمسرح، إذ تراجعت إيراداته بنحو 76%، تليه قطاعات الفنون البصرية والهندسة المعمارية والكتب والإعلانات والأنشطة السمعية البصرية، التي تراجعت بنسب متفاوتة بين 20 و40% مقارنة بعام 2019.
خسائر غير مسبوقة
وتقدّر الدراسة خسائر القطاع الثقافي الأوروبي في العام الماضي بما يزيد على 199 مليار يورو، أي أسوأ من قطاع السياحة، وبنسبة مماثلة لخسائر قطاع النقل الجوي.
ويقول مارك ليرميت، الأمين العام لـ"رابطة الهيئات الأوروبية للمؤلفين والملحنين": "العام الماضي كان مأساوياً بالنسبة لكل الأنشطة الإبداعية والثقافية في الاتحاد الأوروبي والعالم. فالقطاع الثقافي كان أول من أوقف أنشطته المباشرة والتوزيعية، ومن الأرجح أن يكون آخر قطاع يستأنفها بعد رفع قيود العزل والإقفال".
وتفيد الدراسة بأنه لم يسبق أن تعرّض الاقتصاد الإبداعي الأوروبي لكارثة بهذا الحجم، وبأن تداعياتها قد تستمرّ حتى نهاية العقد المقبل.
وقبل ظهور جائحة كورونا، كان قطاع الثقافة من أنشط القطاعات في الاتحاد الأوروبي، بحسب الدراسة ذاتها، إذ مثّل نحو 4.4% من إجمالي الناتج القومي لبلدان الاتحاد، بإيرادات سنوية تزيد على 643 مليار يورو وقيمة مضافة تبلغ 253 مليار يورو.
وقطاع الثقافة كان الأكثر نموّاً بين القطاعات الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي بعد أزمة عام 2008، بمعدّل سنوي تجاوز 3% مقابل 2% للقطاعات الأخرى. وهو يوفّر أكثر من 7.6 مليون فرصة عمل، أي 8 أضعاف ما يوفّره قطاع الاتصالات.
وتخلص الدراسة إلى أن الأنشطة الثقافية والإبداعية يجب أن تكون أساسية في برامج الانتعاش الأوروبي من تداعيات الجائحة، وذلك نظراً لدورها المحوري في اقتصادات جميع بلدان الاتحاد.
ثلاثية "التمويل والتأهيل والتنشيط"
وتوصي الدراسة في استنتاجاتها باعتماد مقاربة للنهوض بهذا القطاع تقوم على ثلاثية "التمويل والتأهيل والتنشيط"، أي ضخّ كميات كبيرة من التمويل العام في الأنشطة الثقافية والإبداعية والمساعدة على اجتذاب التمويل الخاص، وتوفير الأطر القانونية المتينة لتحفيز النشاط الإبداعي وصون نموه في الأمد الطويل، وتنشيط هذا القطاع ليلعب دوراً فاعلاً في التطور الاجتماعي.
وفي تعليقه على الدراسة، يقول الموسيقار الفرنسي المعروف جان ميشال جار: "من المؤسف أن نلاحظ كيف أن الثقافة كانت من أولى ضحايا هذه الأزمة في الوقت الذي نحن في أشدّ الحاجة إليها للصمود في وجه تداعياتها النفسية والاجتماعية".
ويضيف: "تعكس الدراسة الواقع بمرارة وتسلّط الضوء على أهمية الفنون والأنشطة الإبداعية خلال الأزمات، وتبيّن بالأرقام فداحة الخسائر وتطرح الحلول لمعالجتها".
نقابة المؤلفين الإيطاليين من جهتها اعتبرت خسارة 30% من فرص العمل في قطاع الثقافة "خسارة لا يمكن لأوروبا أن تتحمّلها"، ودعت قادة الاتحاد الأوروبي إلى التحرّك بسرعة لمساعدة هذا القطاع، منبّهة إلى الضغوط التي تمارسها المنصّات الرقمية العالمية الكبرى على المؤلفين والمبدعين لخفض أسعار إنتاجهم في الوقت الذي تحقق فيه هذه المنصّات أرباحاً غير مسبوقة منذ بداية الأزمة.
وبعد تقديم الدراسة أمام وسائل الإعلام، اجتمع نائب رئيس المفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس بميشال جار والمخرجة السينمائية الإسبانية إيزابيل كويتشيت، اللذين طالبا بعقد قمة طارئة لمناقشة تداعيات جائحة "كوفيد 19" على قطاع الثقافة، ووضع خطة طارئة لإنقاذه ومساعدته في النهوض.
هذا المحتوى من صحيفة الشرق الأوسط.