لا يحظى الكتّاب والمبدعون العرب عادة بإجازات فعلية أو طويلة كنظرائهم في الغرب، إذ ترافقهم أفكارهم ومشاريعهم أينما ذهبوا، فتختلط الأوراق والقراءات بين العمل والإجازة أحياناً، هذا إن وجدوا ترف الوقت والعزلة بعيداً من صخب الحروب والأزمات الاقتصادية ومشاغل العائلة وتأمين لقمة العيش التي تربط لدى معظمهم بالعمل اليومي الذي يستنفد الوقت ويحدّد أنواع القراءات.
"الشرق" تسأل كتّاباً وأدباءً من مختلف الدول العربية ماذا تقرأون خلال العطلة الصيفية؟ ولماذا اخترتم هذه الكتب دون غيرها؟
طالب الرفاعي... استعادة روائع الأدب
الروائي الكويتي طالب الرفاعي، الحاصل على جائزة شخصة العام الثقافية في معرض الشارقة الدولي العام الماضي، يقول إن "هناك كتباً أحب العودة إليها واستعادتها كلما ذهبت في إجازة".
ويختار الرفاعي 4 كتب، الأول بعنوان "اللاطمأنينة"، ويراه أحد أهم كتب فرناندو بيساو، "فهو كاتب عظيم استطاع أن يصنع من خياله كتّاباً آخرين، ومغامرة الحياة هذه التي عاشها بيساو مختلفة وغير مسبوقة وهي أقرب إلى التصوّف".
الثاني في قائمة الرفاعي، فكان رواية "التحوّل" للفرنسي ميشال بوتور (1926-2016)، الذي يقول عنه الروائي الكويتي، إنه أحد أهم كتاب الرواية الجديدة في فرنسا. يضيف: "هي رواية أعود إليها من فترة الى أخرى لكونها تقدّم إضافة حقيقية للرواية العالمية خصوصاً أنها تُصنّف على أنها من بين أهم الروايات العالمية التي أنجزت بصيغة المتكلم".
ويتابع الرفاعي: "من الأدب الياباني اختار (الجميلات النائمات) للروائي الحائز جائزة نوبل ياسوناري كواباتا (1899- 1972)، وهي رواية أراها تحقّق المعادلة الصعبة في الأدب العالمي".
أما الكتاب الرابع بالنسبة للرفاعي فكان رواية "الصخب والعنف" للمؤلف الأميركي وليام فوكنور، ويعتبرها الكاتب الكويتي فاتحة ما سُمّي لاحقاً بـ"الكاتب الكاميرا". يقول: "هي رواية انتفضت على الكتابة الكلاسيكية وصنّفت في المرتبة السادسة ضمن قائمة أهم 100 رواية إنجليزية في القرن العشرين".
أمير تاج السرّ: ليس للقراءة مواسم
الأديب والطبيب السوداني أمير تاج السرّ أحد أهم كتاب الرواية في شمال إفريقيا، وحائز على جوائز عدة كما وصلت رواياته إلى القائمة القصيرة للبوكر العالمية، وترجمت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية.
يقول تاج السر، إن "القراءة عندي ليست مرتبطة بموسم معين، أنا اقرأ دائماً، واقرأ كتباً متعددة في الوقت ذاته، وبذلك أحس بمتعة مضاعفة".
سافر الأديب السوداني إلى الخارج كثيراً هذا الصيف ورافقته كتب عدّة. يقول: ""لأني أحب قراءة السير والأساطير، قرأت (مخطوطة كاتب الشونة عن ملوك الدولة السنارية القديمة في السودان)، وهو موضوع مهم يساعدني على فهم جزء من تاريخ بلادي، وأيضاً يفيدني في كتابتي للروايات".
يضيف: "قرأت أيضاً (حكايات شعبية وأساطير من أميركا اللاتينية) ترجمة أحمد عبد اللطيف، فهو كتاب ثري، وفيه تناغم مع كل الأساطير الخاصة بالشعوب، مع نكهة لاتينية. أيضاً يوجد كتاب آخر بمحتوى قريب منه، وهو (حكايات وأساطير تركية)".
أما في مجال الرواية، قرأ صاحب "زهور تأكلها النار" جزءاً من رواية حديثة لمارجريت أتوود، التي حصلت على جائزة البوكر مناصفة مع كاتبة أخرى، لكنه لم يتحمس لها -بحسب وصفه- وتركها ليذهب إلى رواية "مسدس سلف" لجنان خاشوف، التي يعتبرها دفقة شعرية وشعورية لا بأس بها.
أما الآن فيقرأ تاج السر، رواية "مقتل الكومنداتور" لهاروكي موراكامي، وهي قصة فنان شاب هجرته زوجته، وترك بيته ليقيم في مكان بعيد، وهي قصة فيها عمق وشجن ومعلومات غزيرة عن الفن"، بحسب قوله.
منصورة عز الدين: لذّة القراءة بعيداً عن العمل
من بين الكتب التي تصطحبها الكاتبة المصرية منصورة عز الدين، الحائزة جوائز عربية عدّة من بينها جائزة ابن بطوطة، معها في عطلتها الصيفية هذا العام، كان كتاب "الضحك.. أنثروبولوجيا الإنسان الضاحك" لدافيد لوبروتون، وترجمة فريد الزاهي، إلى جانب "موجز تاريخ الظل" لفكتور إيرونيم ستوييكتا، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي وكلها من إصدار دار المعنى.
تقول عز الدين: "قرأت (تجربة الألم) لدافيد لوبروتون بترجمة فريد الزاهي أيضاً، وحمسني الكتاب لقراءة باقي أعماله المترجمة إلى العربية. أما الكتاب الثاني فلفت نظري موضوعه، كما أنه من ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، فطوال الشهور الأخيرة ارتبطت معظم قراءاتي بمهام مهنية، وهي قراءات مهمة، لكنني أحب خلال عطلة الصيف الانغماس في ما يعيدني للذة القراءة البعيدة عن العمل".
نزار عبد الستار: العودة إلى المتعة
يضع الروائي العراقي نزار عبد الستار على الطاولة القريبة من سريره 3 كتب، بدأ بقراءة "الحروب المالية الأميركية" للباحث اللبناني أحمد سويدان يحكي عن تطور النظام النقدي. يقول: "الكتاب موضوع جذاب بالنسبة لي، فطوال حياتي استغربت ممن يمارسون النشاطات النقدية والمصرفية، وأظن أن الأموال تحتاج إلى عقليات جبارة وكل الذين يعملون في البنوك سحرة وبقلوب ميتة".
أما الكتاب الثاني فهو "دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ" لإريك دورتشميد "وهو كتاب طريف ومن تصفحي له شدتني معلوماته وبنيته الفكاهية".
أما الكتاب الثالث فهو "عصور العولمة" لجيفري ساكس. وعنه يقول عبد الستار: "هذه الكتب وضعتها قرب يدي، بعد انتهائي من كتابة روايتي (الأدميرال لا يحب الشاي)، فمن عادتي الانغماس بقراءات متنوعة بعد إنجازي لعمل أدبي، أقبل على الكتب بشراهة وشوق لأنني انقطع عنها أثناء انشغالي بالكتابة، وما أن أسترد حريتي حتى أعود وكلي لهفة إلى هذه المتعة".
أحمد زين.. كتاب في السينما
أما الكاتب اليمني المقيم في الرياض أحمد زين، يتفادى "الانشغال بفكرة أن لكل فصل من فصول السنة قراءات ذات جو معين، تلائمه، لأن القراءة بشكل أو آخر لا تأخذ دوماً اتجاها واحداً، إنما هي تنفتح على طيف متنوع من الاهتمامات في اللحظة نفسها".
ويقول مدير تحرير مجلة الفيصل السعودية: "ما أقرأه حالياً هو كتاب في السينما، أجد أنه بقدر ما يفتح لي نافذة على عوالم أحد أهم المخرجين في العالم، وهو المخرج ميكيلآنجلو أنتونيوني، الذي شاهدت له 3 أفلام من غير الممكن بسهولة أن تؤول إلى النسيان".
والكتاب لمؤلفه جورجو تيناتسي، يتناول تجربة أنتونيوني، وهو من ترجمة الناقد السينمائي عرفان رشيد، وصادر عن مهرجان أفلام السعودية.
يقول صاحب رواية "فاكهة للغربان": "يتناول أنتونيوني أفكاراً ومسائل جديرة بالانتباه، مثل ما وصفه بالخطر الأكبر الذي يواجه صناع السينما، وهو استغلالها بما تملكه من سطوة، في الاختلاق والتلفيق، وكذلك يتطرق إلى مبررات وجود السينما التجريدية، كونها تستطيع أن ترى، ما لا يمكن رؤيته عادة، أي الصورة الحقيقية للواقع، المطلق والغامض".
علي الرباعي.. تأجيل المؤجل
الكاتب والصحافي السعودي علي الرباعي يقول: "أعدّ نفسي قارئاً في كل فنّ. ولديّ أعمال إبداعية اقتنيتها منذ أعوام، وفي كل مرة أعزم على وضع جدول صارم للقراءة أفشل، فقراءة ورقات، تفتح ذهني على محور صحافي أو عنوان مقالة، فأذهب للكتابة، وإعداد مواد صحافية، فالكتابة واجب مهني، والقراءة مرفأ للتزود بوقود يساعد على التجديد وتجاوز أنفسنا لكي لا نكرر ما كتبناه".
ويضيف:" العملية الإنتاجية تحتّم علينا في كل يوم إعادة ترتيب الأولويات، فالالتزام العائلي والصحافي، والمناسبات الثقافية والاجتماعية تنقلنا من ضفة إلى أخرى. لذلك نادراً ما أتمكن من قراءة كتاب من الغلاف إلى الغلاف، مع أنني مولع بالسرد والرواية والشعر والفلسفة، ولعل السفر الطويل بمفردي يتيح من الوقت ما يسعفني لاستكمال ما بدأت ولعل هذا التحقيق والمكاشفة بالأمر الواقع تحفزني لتعديل سلوكي القرائي والتكفير عما سبق".
لكن الرباعي يعد نفسه أن يبدأ بقراءة موسوعة "قصة الحضارات" للفيلسوف الأميركي ويل ديورانت وزوجته أريل، في أول إجازة سيحصل عليها.
وليد أحمد الفرشيشي: تماس مع الترجمة
يؤكد الشاعر والمترجم التونسي وليد أحمد الفرشيشي، الحائز جائزة قرطاج العالمية للشعر وجائزة الشارقة للإبداع وغيرهما، أن عمله كمترجم "يجعلني في تماس يومي مع نصوص عالمية، إما إنها برمجت للترجمة، من قبلي أو من قبل الناشرين الذين أتعامل معهم، وإما إنها تدخل ضمن قراءاتي الخاصة".
ويشير الفرشيشي إلى انتهائه من ترجمة كتاب "المرأة والتضحية: من أنتيجون إلى امرأة الهامش"، للفرنسية آن دوفورمنتال، وسيصدر قريباً وهو ما أخذ جل وقته. أما ما اختاره ككتاب في هذا الصيف، فهو كتاب "قصة حياتي "لجياكومو دي كازانوفا، و"هو كتاب يدخل ضمن اهتماماته القرائية الشخصية".
ويعتقد الفرشيشي أن "الكتاب يظل عاملاً محدداً، لا في كيفية إنفاق الوقت واستثماره فحسب، ولكن كذلك في تحديد طبيعة المخطط القرائي الذي ستبدأ به العام المقبل، لأني تقريباً أدخل في كل عام في ما يشبه دورة قراءة تحتكم إلى خيط ناظم أو إذا شئت الدقة أكثر لقلت إنها تحتكم إلى عناوين كبيرة، والعنوان الأبرز الذي سأدخل به إلى العام القادم هو إعادة اكتشاف النصوص الكلاسيكية الكبرى".
شوقي بزيع.. زواج المبدعين
لطالما كانت القراءة بالنسبة للشاعر اللبناني شوقي بزيع، الحائز جوائز عكاظ والعويس ومحمود درويش، موضع شغف واهتمام دائمين، و"تتنازع مع الكتابة على احتلال المرتبة الأولى".
ويعتقد بزيع أن "بورخيس لم يكن مخطئاً حينما وصف الجنّة على شكل مكتبة، لأنني ما زلت أعتقد أن الثمار الأشهى التي يمكن العثور عليها في هذه الحياة هي ثمار المعرفة.ولم يكن الفيلسوف والشاعر الألماني بوفاليس مخطئاً حين شبّه الإنسان الشاعر أو الكاتب بأنه يقف على البشرية كما يقف التمثال على القاعدة، فنحن صنيعة من سبقنا من الكتاب وسيكون لنا شرف كبير إذا انضممنا إلى هؤلاء الذين كنا صنيعتهم لنصبح أيضاً صنيعة من سيأتون بعدنا".
يقول: "لم يعد لديّ ترف الوقت لأقرأ كل شيء كما كان يحدث في السابق، فالكتاب بمعنى من المعاني له علاقة أيضاً بعلاقة الرجل بالمرأة؛ إذا كان شاباً يستطيع أن يتوقّف عند كل المحطات أما إن كان كهلاً، عليه أن يختار المحطات الكبرى، ولا يمكن أن تحوز على إعجابه إلا الاستثنائيات.. بهذا المعنى دخلت في هذه المرحلة رغم أن الكورونا قد ساعدتني على قراءة مئات الكتب، وجاءت بعدها مسألة رئاسة التحكيم في لجنة جائزة الرواية العربية (بوكر) لتدفعني إلى قراءة مئات أخرى من الروايات التي معظمها غير صالح للقراءة ولكن من ضمنها كان هناك روايات رائعة وجميلة".
الآن وبحكم عمله في جريدة الشرق الأوسط وبحكم اشتغاله على محاور معيّنة وبخاصة محور "زواج المبدعين"، يعيد شوقي بزيع الآن في فصل الصيف حيث انتقل إلى هدوء ضيعته في جنوب لبنان، قراءة كتب كان قرأها في السابق لتكون مرجعاً له، إذ لا يعوّل عل محرّك البحث جوجل والإنترنت كمصدر "بل أعود إلى المصادر والمراجع من أمهاتها الأولى وهي الكتب والأشخاص".
وقال: "قرأت في الفترة الأخيرة مذكرات جابرييل جارسيا ماركيز (عشت لأروي) الصادرة في جزئين، ولم أستمتع في مذكرات ماركيز كما استمتعت في رواياته وكأنه استمثر كل ما لديه من طاقة إيحائية وسحر في روياته ووزع حياته عليها، وحينما جاء ليكتب مذكراته شعرت بأنني أقرأ شيئاً مألوفاً وغير جديد".
ومن جهة أخرى، "أنا الآن بصدد قراءة دواوين الشاعرة اللبنانية نادية حمادة تويني وخصوصاً (محفوظات عاطفية بحرب في لبنان) و(النصوص الشقراء) لأن الحلقة الأخيرة في ملفي في الشرق الأوسط ستكون عن نادية حمادة وزوجها الصحافي والكاتب والسياسي غسان تويني. وهكذا أكون قد وفّقت بين الرواية والشعر اللذين لطالما كنت منقسماً بالتساوي بما بينهما".
إيمان حميدان.. تأمل سياسي
الروائية والباحثة اللبنانية إيمان حميدان الحائزة جائزة "كاتارا للرواية العربية" وترجمت رواياتها إلى أكثر من 4 لغات، كتباً عدّة للعطلة الصيفية أهمها كتاب "النحل الرمادي" للكاتب أندريه كيركوف وهو أوكراني يكتب بالروسية وترجم إلى الفرنسية ونشرته دار جاليمار.
تقول: "اخترته أولاً لأنني أتابع هذا الكاتب وهو صديق، وثانياً لأنه دائماً يبحث في كتابته عن النقاط المشتركة بين الناس الذين جعلتهم السياسة وطمع السلطات أعداءً، بينما هم في النهاية يتشاركون بكثير من الأمور الإنسانية والحياتية".
وتضيف: "لننظر إلينا نحن في لبنان وكيف المصالح الداخلية والخارجية جعلت من اللبنانيين أعداء أنفسهم وحولتهم إلى مجموعات مشرذمة منقسمة".
ترى حميدان مؤسِّسة نادي القلم اللبناني والمقيمة بين فرنسا والولايات المتحدة، أن رواية كيركوف "وقفة تأمل عميقة عبر سرد حيوات الشخصيات البسيطة، أناس يحلمون بحياة مسالمة، كذلك تأمل في تاريخ الصراع بين البلدان ودور السياسة والمصالح المباشرة لا تفعل سوى قتل أحلام الناس وتدمير حيواتهم ومستقبلهم، بالطبع الأيديولوجيات جاهزة لغسل أدمغة الناس وجعلهم يقايضون حياتهم الغالية وأحلامهم ويشترون كالنعاج خطابات معلبة وكلمات رنانة وفارغة كالطبل".