استقالة قادة الجيش البرازيلي.. بين ذكرى الانقلاب وسيناريو "6 يناير"

time reading iconدقائق القراءة - 10
الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو خلال احتفال بعيد الجيش في برازيليا - 17 أبريل 2019 - REUTERS
الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو خلال احتفال بعيد الجيش في برازيليا - 17 أبريل 2019 - REUTERS
دبي-إيلي هيدموس

تزامنت استقالة قادة الفروع الثلاثة في الجيش البرازيلي، مع الذكرى الـ 57 للانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد، ولا يزال يثقل ذاكرتها.

ووصفت صحيفة "فوليا دي ساو باولو" الأزمة بين السلطة التنفيذية والجيش، بأنها الأهم منذ عام 1977، عندما أُقيل وزير الدفاع سيلفيو فروتا. وتحدثت الصحيفة عن "سابقة" في تاريخ البرازيل، معتبرة أن القادة الثلاثة "أعادوا التأكيد" أن الجيش البرازيلي لن يشارك في أي "مغامرة" استبدادية.

القادة الثلاثة، وهم الجنرال إدسون ليال بوجول، قائد القوات البرية، والأدميرال إلكيس باربوسا، قائد البحرية، والجنرال أنطونيو كارلوس بيرموديز، قائد سلاح الجوّ، قدّموا استقالتهم في 30 مارس إلى الجنرال المتقاعد والتر براغا نيتو، وزير الدفاع الجديد، الذي خلف قبل يوم الجنرال المتقاعد الآخر، فرناندو أزيفيدو إي سيلفا، الذي أقاله الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو.

ولفتت "فوليا دي ساو باولو" إلى أن استياءً بشأن إقالة غير متوقعة لأزيفيدو، كان "كبيراً جداً". وأضافت أن الأخير، وحلفاءه، يعتبرون أن بولسونارو "تجاوز خطاً أحمر"، من خلال اقتراحه إعلان "حالة دفاع"، تستهدف استعادة النظام العام، من أجل منع تنفيذ عمليات إغلاق في البرازيل، لمكافحة فيروس كورونا المستجد.

وبعدما قال الرئيس علناً إن "جيشي" لن يسمح بهذه الإجراءات، اعتبرت الصحيفة أن معارضته عمليات الإغلاق التي قرّرها حكام ولايات برازيلية، لكبح الجائحة، باتت "هوساً"، مذكّرة بأنه أيّد التطعيم على مضض.

"التوقف عن النحيب"

وكان بولسونارو حضّ مواطنيه، مطلع الشهر الجاري، على "مواجهة مشكلاتهم" و"التوقف عن النحيب". وأضاف: "فرضت البلديات حالة حصار على البرازيل. هذا أمر سيء. نحن نهتم بالموتى، ولكن من دون ذعر. الحياة تستمر... لا جدوى من الاختباء تحت السرير، (وإلا) سيتضوّر الجميع جوعاً".

وأثارت تصريحاته انتقادات واسعة، إذ كتبت صحيفة "أو غلوبو": "حتى موت 261 ألف برازيلي (بكورونا) عجز عن انتزاع القليل من الإنسانية لدى جايير بولسونارو". واعتبرت أنه "أظهر مجدداً ازدراءه لمعاناة الآخرين... في أسوأ وقت للوباء". أما "فوليا دي ساو باولو" فرأت أن "الحكومة لا تغازل الموت، بل تحتضنه بقوة".

ومع تسجيل البرازيل أرقاماً قياسية في أعداد الوفيات، نتيجة الفيروس، والتي بلغت نحو 325 ألفاً، أشارت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية إلى وفاة حوالى 4٪ من أعضاء مجلس الشيوخ بالفيروس، منبّهة إلى "انهيار" النظام الصحي في البلاد. وأضافت أن بولسونارو رفع دعاوى أمام المحكمة العليا ضد 3 ولايات، شددت إجراءات الإغلاق، معتبرة أن "أفعاله سيئة بالنسبة إلى البرازيل، والعالم".

استقالة القادة الثلاثة للجيش، جاء بعد تعديل واسع في الحكومة الاثنين، أطاح نحو ثلث أعضائها، بينهم وزراء الخارجية والدفاع والعدل. واعتبرت وكالة "بلومبرغ" أن بولسونارو استجاب بذلك لرغبة حلفائه الوسطيين في الكونغرس، المستائين من تعامله مع أزمة كورونا، والذين كان "يزدريهم" سابقاً، لكنه بات الآن يعتمد عليهم في إصدار تشريعات، وحمايته من محاولات لعزله.

"حكومة محاصرة"

ورأت "فوليا دي ساو باولو" أن "سقوط" وزير الخارجية إرنستو أراوجو يُظهر "حكومة محاصرة"، ومرغمة على اتباع إرادة تكتل Centrão، وهو مجموعة غير رسمية من أحزاب اليمين والوسط، انتُخب اثنان من أعضائها لرئاسة مجلسَي النواب والشيوخ، بدعم من بولسونارو، في فبراير الماضي.

وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" بمخاوف في البرازيل، من محاولة الرئيس ممارسة نفوذ أكبر على الجيش، بعد استقالته قادته الثلاثة، لا سيّما أن بولسونارو هو نقيب سابق في الجيش، أشاد غالباً بحقبة الديكتاتورية العسكرية (1964-1985)، واعتمد كثيراً على عسكريين، حاليين وسابقين، لشغل مناصب وزارية أساسية، منذ توليه منصبه في يناير 2019، وفق الوكالة.

ونقلت عن كارلوس ميلو، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة إنسبير بساو باولو، قوله: "منذ عام 1985، لم تصلنا أنباء عن مثل هذا التدخل الواضح من الرئيس، في ما يتعلّق بالقوات المسلحة". وأضاف أن الجيش امتنع حتى الآن عن التدخل في السياسة، مستدركاً: "هل ستستمر هذه المقاومة؟ هذا هو السؤال".

"الاحتفال بالانقلاب العسكري"

وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن أول بيان أصدره براغا نيتو، بعد تعيينه وزيراً للدفاع، أظهر أنه يتماشى مع آراء بولسونارو بشأن القوات المسلحة، إذ أشاد بالديكتاتورية العسكرية، قائلاً: "انتهى الأمر بتولّي القوات المسلحة مسؤولية تهدئة البلاد، ومواجهة تحديات إعادة تنظيمها وتأمين الحريات الديمقراطية التي نتمتع بها اليوم. إن حركة عام 1964 هي جزء من المسار التاريخي للبرازيل. وعلى هذا النحو، يجب فهم أحداث 31 مارس (1964، يوم تنفيذ الانقلاب) والاحتفال بها".

والتناقض واضح بين خطابَي نيتو وسلفه أزيفيدو، إذ قال الأخير في كتاب استقالته إنه "حافظ على القوات المسلحة بوصفها مؤسسة تابعة للدولة"، في إشارة إلى جهوده لإبعاد الجنرالات عن السياسة، وفق "أسوشيتد برس".

وذكرت "أو غلوبو" أن أزيفيدو كان مستاءً من الاحتجاجات التي نفذها ناشطون مؤيّدون لبولسونارو العام الماضي، مطالبين بتدخل عسكري ضد الكونغرس والمحكمة العليا. أما الرئيس، فأبدى انزعاجاً من امتناع الجنرال المتقاعد عن دعمه سياسياً، لا سيّما في ما يتعلّق برغبته بنشر الجيش في ولايات فيدرالية، لإنهاء الإغلاقات المرتبطة بكورونا، كما أوردت مجلة "كارتا كابيتال" اليسارية.

بين ترمب ولولا دا سيلفا

وإذ يواجه بولسونارو معركة محتملة مع الرئيس اليساري السابق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، في الانتخابات المرتقبة عام 2022، بعدما ألغى قاضٍ في المحكمة العليا حكَمين بالفساد، وأعاد إليه حقوقه السياسية، كان لافتاً أن براين وينتر، رئيس تحرير مجلة "أميريكاز كوارترلي" Americas Quarterly، المتخصصة في شؤون أميركا اللاتينية، اعتبر أن الرئيس البرازيلي يحاول تجنّب مصير حليفه، الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، من خلال "تنظيم" أوضاعه الآن، و"تجنّب عزله (بشكل غير شرعي) من منصبه لاحقاً"، لا سيّما بعدما حذر رئيس مجلس النواب البرازيلي، آرثر ليرا، قبل أيام، من امتلاك المجلس "علاجات... بعضها قاتل".

وأشار وينتر إلى أن أزيفيدو نأى علناً عن بولسونارو، في مايو 2020، عندما أعلن الرئيس أنه لن "يسمح بمزيد من التدخل" من المحكمة العليا في شؤون البلاد، مضيفاً أن "القوات المسلحة إلى جانبنا". ورداً على ذلك، نشر أزيفيدو رسالة، شدد فيها على ابتعاد الجيش عن السياسة، وداعياً إلى "الاستقلالية والانسجام" بين الفروع الثلاثة للحكومة.

وذكّر وينتر بأن إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس البرازيلي، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب البرازيلي، كان في واشنطن عشية اقتحام أنصار لترمب مبنى لكونغرس، في 6 يناير الماضي، والتقى إيفانكا ترمب وقياديين محافظين آخرين.

وأضاف أن إدواردو بولسونارو استاء عندما فشل المقتحمون في تحقيق هدفهم، بمنع تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة. وقال: "لو كانوا منظمين، لسيطروا على مبنى الكابيتول وطرحوا مطالب كانت ستحدّدها مسبقاً المجموعة الغازية. كان ممكناً أن يكون لديهم حدّ أدنى من القوة الحربية، لئلا يموت أحد (من جانبهم)، (و)لقتل جميع الشرطيين في الداخل، أو أعضاء الكونغرس الذين يكرهونهم".