جمّدت شركتان أميركيتان بارزتان لتحويل الأموال مدفوعاتهما إلى أفغانستان، فيما تدقّق المصارف الأميركية في تعاملاتها مع نظيراتها الأفغانية، في انتظار توضيح ما إذا كانت العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على حركة "طالبان"، تُطبّق الآن في كل أنحاء البلاد، بعد سيطرتها عليها، كما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".
ورجّحت الصحيفة أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة المالية في البلاد على المدى القريب، مضيفة أن أفغانستان قد تنضمّ إلى كوريا الشمالية وإيران، باعتبارهما دولتين منبوذتين في النظام المالي الدولي، إذا طُبّقت العقوبات بشكل أوسع على أيّ تعاملات تجارية مع دولة تسيطر عليها "طالبان".
وقد يؤدي حذر متزايد تلتزمه المصارف إلى إبطاء تدفق الأموال اللازمة لمواصلة التجارة والتعاملات الأخرى، علماً أن قراراً اتخذته شركتا "ويسترن يونيون" و"موني جرام إنترناشيونال" لخدمات التحويلات المالية الإلكترونية، بوقف أعمالهما التجارية في أفغانستان، يقيّد تدفق مدفوعات خارجية تُعدّ مصدراً أساسياً لدعم عائلات أفغانية كثيرة.
وحذر توجيه سابق أصدرته "مجموعة العمل المالي"، وهي منظمة تراقب تمويل الإرهاب في العالم، الدول الأعضاء بوجوب أن تجمّد أصول "طالبان"، إذ إنها مصنّفة بوصفها تنظيماً إرهابياً، من الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول أخرى، لافتاً إلى ضرورة "التأكد من عدم إتاحة أي أموال أو أصول أخرى لها، بشكل مباشر أو غير مباشر".
كبح "مدفوعات لإرهابيين"
ومع استيلاء الحركة على المدن الرئيسة في أفغانستان مؤخراً، بما في ذلك العاصمة كابول، وسيطرتها على مؤسسات الدولة، والأسواق والصناعات الأساسية، يُعرب مسؤولون ماليون عن قلق من تطبيق العقوبات على مجموعة أوسع بكثير من التعاملات، بما في ذلك المدفوعات للكيانات الأفغانية عبر المصارف التجارية في البلاد.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن دان ستيبانو، وهو مسؤول بارز سابق في المكتب الأميركي لمراقبة العملة الذي يتعامل الآن مع ملفات امتثال المصارف في مكتب المحاماة Davis Polk، قوله: "لا أحد يريد أن يكون في موقع يسهّل فيه المدفوعات لإرهابيين، لأسباب واضحة، ولا أحد يريد انتهاك العقوبات".
وذكر مسؤولون في قطاع المال أن هذا القطاع يضغط على وزارة الخزانة الأميركية التي تشرف على سياسة العقوبات، للحصول على توجيه في هذا الصدد، مستدركين أنه لم ينل شيئاً حتى الآن. وأجرى مسؤولون مصرفيون اتصالات بهذا الشأن، مع خط ساخن في مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة، الذي يدير العقوبات الاقتصادية ويفرضها.
وأشار مسؤولون سابقون في الوزارة إلى أن اتخاذ قرار بشأن تطبيق العقوبات على نطاق أوسع، سيعتمد جزئياً على كيفية حكم "طالبان" وسيُتخذ على أعلى المستويات في إدارة الرئيس جو بايدن. واعتبر هؤلاء أن امتناع الولايات المتحدة عن تقديم توجيه عام، يمكّنها من استخدام عدم الوضوح كتهديد بفرض عقوبات أوسع، ما يعزز ضغطها الدبلوماسي.
تحديات مكافحة الجرائم المالية
وفي الوقت ذاته، تسعى المصارف إلى التدقيق في كل التعاملات مع الكيانات الأفغانية، بأكبر مقدار ممكن من الدقة، لضمان عدم استفادة "طالبان" منها، بشكل يمكن أن ينتهك العقوبات، علماً أن المؤسسات المالية التي يتضح أنها تخرق العقوبات يمكن أن تواجه غرامات باهظة، كما أن مسؤوليها قد يواجهون اتهامات جنائية.
ومع استعداد "طالبان" للسيطرة على كيانات ليست مدرجة الآن على اللائحة السوداء، مثل المصرف المركزي وبنوك تجارية، ناقشت مصارف أميركية إضافة أسماء بنوك أفغانية إلى برامج غربلة تستخدمها، لتحديد التعاملات المرتبطة بأفراد يخضعون لعقوبات، أو المدرجين على لوائح الأشخاص الذين يشكّلون خطراً كبيراً. وقال ستيبانو: "ليس واضحاً ما إذا كانت العقوبات الحالية قابلة للتطبيق الآن، بالطريقة التي كانت عليها قبل سقوط كابول".
وكانت الحكومة الأفغانية المدعومة من واشنطن، تعهدت بمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال. وأعلنت "رابطة الاختصاصيّين المعتمدين للجرائم المالية" أن الوضع الحالي في أفغانستان "يتطوّر إلى سيناريو يطرح أخطاراً مرتفعة لمجموعات الامتثال لمكافحة تبييض الأموال والجرائم المالية في العالم".
وبرّرت "ويسترن يونيون" تجميد أعمالها بـ"الوضع الحالي في أفغانستان، وإغلاق المصارف، والقيود المرتبطة بذلك على قدرة وكلائنا على العمل"، فيما أعلنت "موني جرام" أنها لم تعد تسهّل المدفوعات، من أفغانستان وإليها، مضيفة أنها "تراقب التوجيهات من الحكومة الأميركية مع استمرار تطوّر الوضع".
الشركاء التجاريون لأفغانستان
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن الإجراءات التي تتخذها الشركات المالية الخاصة، تهدّد بمفاقمة المشكلات الاقتصادية في أفغانستان، بعدما جمّدت الولايات المتحدة أصولاً للحكومة الأفغانية بمليارات الدولارات، وأوقفت شحنات نقدية إلى البلاد، مع استيلاء "طالبان" على كابول.
وأضافت الصحيفة أن واشنطن أمّنت أيضاً إلى حدّ كبير دعماً تحتاجه لمنع الحركة من الاستحواذ على مليارات من الاحتياطات الموجودة لدى صندوق النقد الدولي، والمساعدات التي تعهد بها البنك الدولي ومانحون آخرون.
لكن محللين لفتوا إلى أن الاعتماد الهائل في أفغانستان على الحوالات المالية، وعلاقاتها مع الصين وإيران وباكستان، أبرز شركائها التجاريين والذين يعملون غالباً خارج النظام المالي الذي يسيطر عليه الغرب، يمكن أن يخفّف من تأثير تلك التدابير.
صعوبات اقتصادية شديدة
وحذر صندوق النقد الدولي في تقرير أعدّه في يونيو الماضي، من أن أفغانستان تواجه صعوبات اقتصادية شديدة، حتى قبل استيلاء "طالبان" على السلطة. وأضاف أن تصعيداً في النزاع المسلّح وفشلاً في عملية السلام التي تدعمها الولايات المتحدة، قد يؤديان إلى هروب رؤوس الأموال، وضغوط مستمرة على أسعار الصرف، وتراجع الإنتاج، وتفاقم البطالة والفقر.
وتابع التقرير أن انخفاضاً في تدفق المساعدات، قد يثير صعوبات بالنسبة إلى السلطات لدفع الأجور، كما سيُضطرها إلى تقليص الخدمات والاستثمارات العامة التي تشكّل أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورجّح أجمل أحمدي، المحافظ السابق للمصرف المركزي الأفغاني، أن تكون المصارف المحلية أبلغت عملاءها أنهم لا يستطيعون سحب ودائعهم بالدولار، لأن المصرف المركزي لم يمدّ البنوك بالدولار. وكتب على "تويتر" أنه يتوقّع أن تفرض "طالبان" ضوابط على رأس المال، لتخفيف النقص في الدولار. وتابع أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الانخفاض في قيمة العملة، وتضخم.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن أحمد شاه مبارز، الذي يعدّ أطروحة دكتوراه في الاقتصاد في جامعة أركنسو ويدرس برامج التنمية الاقتصادية في سياق بلده الأم أفغانستان، ترجيحه أن تواجه بلاده مشكلة "ارتفاع الأسعار، وتحوّل كثيرين، من الطبقة الوسطى إلى الفقر".