ليالي الحَجر في فيينا.. بلا حفلات موسيقية ولا جمهور

time reading iconدقائق القراءة - 6
أزواج يرقصون في إحدى الحفلات الموسيقية الراقصة بدار الأوبرا في العاصمة النمساوية فيينا.  20 فبراير 2020 - AFP
أزواج يرقصون في إحدى الحفلات الموسيقية الراقصة بدار الأوبرا في العاصمة النمساوية فيينا. 20 فبراير 2020 - AFP
فيينا-أ ف ب

لن تغيب حفلة رأس السنة الموسيقية التقليدية عن العاصمة النمساوية فيينا هذه السنة، لكنها ستقام بلا جمهور، إذ إن جائحة كورونا ضربت المدينة بشدّة وحوّلتها لما يشبه مدينة أشباح.

وكانت مؤسسات فيينا من بين تلك السبّاقة في أوروبا إلى إعادة فتح أبوابها، في يونيو الماضي. إذ أرادت النمسا الحفاظ على ثروتها الموسيقية التي اشتهرت بها، ولكن منذ نوفمبر الماضي، أعيد تطبيق تدابير الإقفال مرتين في العاصمة ذات الـ1.8 مليون نسمة، وعاد الصمت يسود مسارحها وقاعاتها. 

إلا أن حفلة موسيقية واحدة ستقام برغم كل شيء، وهي ما يجعل موسم الأعياد هذه السنة فريداً من نوعه، لكنها بلا شك الأكثر رمزية من بين الحفلات الـ15 ألفاً التي درجت فيينا على أن تشهدها سنوياً قبل الجائحة.

وقال مدير الأوركسترا الفيلهارمونية دانييل فروشوير لوكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس)، في نهاية أكتوبر الماضي، حين أثار الارتفاع الحاد في عدد الإصابات مخاوف من حدوث الأسوأ، إن "الإلغاء سيكون بمنزلة إشارة مروعة إلى العالم بأسره".

تصفيق عن بعد

وقال فروشوير، إنه "من غير الوارد التفكير في عدم إقامة هذه الحفلة، فحفلة رأس السنة تشكّل تحيةً لأسرة شتراوس الموسيقية، وتُعرَض عادة في أكثر من 90 دولة وتصل إلى 50 مليون مشاهد"، أما المحظوظون الذين يملكون امتياز حضورها داخل القاعة ذات اللون الذهبي في دار "موزيكفارين" للحفلات، فيتم اختيارهم بالقرعة في بداية السنة.

إلاّ أن الموسيقيين سيعزفون في الأول من يناير المقبل بقيادة الإيطالي ريكاردو موتي أمام قاعة فارغة، للمرة الأولى منذ بدء إقامة هذه الحفلة العام 1939.

ولملء لحظات الصمت، وخصوصاً بعد معزوفة البولكا العاصفة، ستبث محطة "أو.آر.إف" الحكومية التصفيق المباشر لسبعة آلاف من عشاق الموسيقى الذين يتابعون الحفلة عبر الإنترنت من منازلهم.

وحمل "فروشوير" منذ الربيع لواء قضايا الموسيقى والفنانين، ويسعى بكل قواه إلى العمل لمعالجتها، ولم يتردد في الاتصال حتى بالمستشار النمساوي سيباستيان كورتز في هذا الشأن.

ووصف فروشوير أوركسترا فيينا الفيلهارمونية "فيينر فيلهارمونكر" بأنها بالنسبة إلى النمسا، "ككرة القدم بالنسبة لإنجلترا".

وأكد فروشوير أن أي إصابات لم تسجّل خلال الأشهر القليلة التي عاودت فيها الأوركسترا نشاطها وحفلاتها.

وأضاف: "كنا نخضع للفحوص بانتظام وكان الجمهور منضبطاً للغاية، وملتزماً بوضع الكمامة والحفاظ على التباعد الاجتماعي".

راقصون عاجزون

في المقابل، تغيب كلياً الحفلات الراقصة التي تسهم 450 منها في بث بعض البهجة في الشتاء النمساوي، بين نوفمبر وفبراير كل عام، وهي حفلات تقيمها فئات مهنية وغير مهنية عدّة، لكلّ منها حفلتها. فمنذ القرن الثامن عشر، لم تعد الحفلات الراقصة في بلاط أسرة هابسبورغ المالكة حكراً على الطبقة الأرستقراطية.

ويتسبب هذا الوضع بالحزن لتوماس شيفر إلماير (74 عاماً)، وهو مدير إحدى أشهر مدارس الرقص في فيينا، والتي أسسها جده قبل 100 عام.

وقال إلماير الذي تولى إدارة بعض أرقى الحفلات الراقصة، وهو يشير إلى قاعة دروسه الفارغة: "نحن عاجزون كلياً"، معتبراً أنها "كارثة" و"فوضى لا تصدق".

ويتساءل إلماير: "كم عدد الذين سيتمكنون من الصمود؟ من الراقصين والآلاف الذين يكسبون لقمة العيش من حفلات فيينا الراقصة، كالعاملين في الفنادق وصالونات تصفيف الشعر والمتخصصين في صنع البزات الرسمية والفساتين، وباعة الزهور، وغيرهم".

واستقطب موسم الحفلات الراقصة العام الماضي نحو نصف مليون شخص، من بينهم 55 ألفاً حضروا خصيصاً من خارج النمسا، وبلغ متوسط إنفاقهم 290 يورو للفرد، ما يعني ضياع نحو 150 مليون يورو هذه السنة، على حد قول مدير مكتب السياحة في فيينا نوربرت كيتنر.

 لكنّ قيمة حفلات فيينا الراقصة لا تقتصر على هذه المكاسب المالية، بل هي تجسّد نمط الاحتفال" في المدينة، إذ تمزج الحنين إلى العصر الذهبي للعاصمة النمساوية مع جو احتفالي.

وفي ظل تراجع عدد الإقامات الفندقية بنحو 70% بين يناير ونوفمبر 2020 ، رأى كيتنر في حفلة رأس السنة الموسيقية "رسالة إيجابية" تطوي صفحة سنة كانت فظيعة بالنسبة إلى الثقافة التي تشكّل محرّك اقتصاد العاصمة النمساوية.

ودعا كيتنر السيّاح للعودة إلى فيينا، لكنه يبقى "واقعياً". وقال: "يمكننا أن نأمل في عودة الوضع إلى طبيعته في صيف 2021، لكننا ندرك أن لا شيء مضمون".