أنهت السلطات الألمانية علاقاتها الاستخباراتية مع "حزب الله" اللبناني بقرار تصنيفه تنظيماً إرهابياً، وهي علاقات تميزت في الأعوام الأخيرة بالتعاون الثنائي القوي، خصوصاً في ملفات تبادل الأسرى بين الحزب وإسرائيل.
فبعد أشهر من شروع البرلمان الألماني في مناقشة مشروع قانون لحظر "حزب الله" بجناحيه السياسي والعسكري، صدر القرار بحظر الحزب في جميع أنحاء ألمانيا وتصنيفه منظمة إرهابية، بحسب ما ذكرته وزارة الداخلية الألمانية.
وتنفيذاً للقرار، داهمت قوات الشرطة مقرات عدة لـ"حزب الله" في ألمانيا، واعتقلت المشتبهين بإنتمائهم إليه.
مسار تصنيف الحزب منظمة إرهابية في ألمانيا
ولم تكن الخطوة الألمانية بتصنيف "حزب الله" مفاجئة، لأن برلين التي ظلت لسنوات عدة تفرّق بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب واجهت حركة داخلية رافضة لهذا التصنيف.
وجاء القرار الجديد تتويجاً لمسار سياسي ألماني داخلي بدأ في السادس من يونيو العام الماضي، بعدما أحال البرلمان الألماني طلباً قدمه حزب اليمين المتطرف "البديل لأجل ألمانيا"، لحظر "حزب الله" إلى لجنة الشؤون الداخلية للبرلمان لمناقشته، ولكن الطلب لم يحقق هدفه.
وبعد 6 أشهر على رفض البرلمان الألماني حظر "حزب الله"، عاد ووافق على المشروع ، بعد اقتراح تقدم به حزب "الاتحاد المسيحي الديموقراطي" الحاكم بالاشتراك مع "الحزب الاشتراكي الديموقراطي" و"الحزب الليبرالي" المعارض، وأحيل القرار إلى الحكومة الألمانية.
"ماس" يشرح الخطوة الألمانية
وأشار وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، قبيل جلسة التصويت على القرار، إلى أن هذا المشروع تم تقديمه بسبب "أعمال حزب الله الإجرامية والإرهابية"، مؤكداً أن "واقع لبنان السياسي معقّد، ولكن يجب ألا يمنعنا هذا الواقع من بحث السبل المتوفرة لدينا في ألمانيا وفق القانون لوقف أعمال حزب الله الإجرامية والإرهابية".
واتهم ماس "حزب الله" بأنه "أداة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، في قمعه الوحشي لشعبه"، وأضاف متطرقاً إلى إسرائيل أن "حزب الله يرفض حق إسرائيل في الوجود، ويهددها بالعنف والإرهاب، ويستمر في بناء ترسانة من الصواريخ".
وشكل قرار البرلمان نهاية لمرحلة سياسية في ألمانيا، كانت تفصل فيها بين الجناح السياسي عن العسكري للحزب، ليصبح "حزب الله" كياناً كاملاً يشكّل خطراً على برلين.
اتهامات بالجملة
وكانت صحيفة "تاجس شبيغل" الألمانية نشرت في نوفمبر الماضي تقريراً عن أنشطة "حزب الله" وتحركاته المشبوهة في ألمانيا، وأشارت الى أن "الحزب يستغل المراكز الثقافية والمساجد التابعة له، لتجنيد أتباع جدد وجمع تبرعات لصالح قياداته في العاصمة اللبنانية بيروت".
ونقلت الصحيفة عن "هيئة حماية الدستور " (الاستخبارات الداخلية الألمانية) أن "نحو 1050 من أنصار "حزب الله" يعيشون في ألمانيا، من بينهم 250 في برلين وحدها".
واتهمت الصحيفة "حزب الله" بتهريب المخدرات الى ألمانيا عبر أميركا الجنوبية، قائلة: "وبجانب ميناء هامبورغ الألماني، تصل المخدرات عادة إلى موانئ روتردام في هولندا وأنتويرب في بلجيكا، ويستخدم الحزب الأموال التي يجنيها من هذه التجارة في شراء الأسلحة وتمويل عملياته"، وأوضحت أن "السلطات الألمانية وثقت هذه العمليات".
وأضافت الصحيفة أن "حزب الله يستغل أيضاً شركة لتأجير السيارات في مدينة دوسلدورف غرب ألمانيا كواجهة لعمليات غسل الأموال".
علاقة ثقة
وتميزت العلاقة بين "حزب الله" والسلطات الألمانية بطابعها القوي لسنوات عدة، وتحولت إلى علاقة ثقة اعتمد عليها الحزب في صراعه مع إسرائيل، لتدخل ألمانيا في وساطات عدة، أهمها عمليات تبادل الأسرى بين الحزب وتل أبيب.
وأشرفت ألمانيا في 25 أغسطس 2003 على عمليات تبادل الأسرى بين إسرائيل والحزب، عبر ضابط الاستخبارات الألماني غيرهارد كونراد "أوكناور"، الذي يجيد اللغة العربية وخدم لسنوات ممثلاً للاستخبارات الألمانية في سوريا بين عامي 1981و1991.
وأشرفت الاستخبارات الألمانية على عملية تبادل بين إسرائيل و"حزب الله"، تسلم بموجبها الحزب من إسرائيل جثتين لاثنين من مقاتليه، هما عمار حسين حمود وغسان زعتر، مقابل السماح للوسيط الألماني أرنسيت أورلاو (رئيس الاستخبارات) بزيارة الضابط الإسرائيلي الحنان تننباوم الذي كان معتقلاً لدى "حزب الله".
الوساطة الألمانية
وأطلق على خطوة أورلاو حينها "الصفقة التمهيدية" وكانت بمثابة اختبار لحسن النوايا من قبل "حزب الله" وإسرائيل، وكذلك اختباراً لجدية الوساطة الألمانية وسرّيتها. وبعد نجاح هذه الصفقة تم التأسيس لصفقة تبادل أخرى كانت الأضخم من حيث العدد.
في 29 يناير 2004 تمت الصفقة التي شملت 23 لبنانياً و5 سوريين وأسيراً ليبياً و3 مغاربة و3سودانيين و400 فلسطيني وأسيراً ألمانياً (مسلماً) ورفات 59 لبنانياً، فيما تسلمت إسرائيل ضابط الاستخبارات الحنان تننباوم، وجثث 3 جنود هم عدي أفيطان وعمر سواعد وبيني أفراهام.
وبرزت ألمانيا وسيطاً قوياً بين الطرفين بسبب العلاقة المتينة التي ربطتها بالحكومة الإسرائيلية وقيادات "حزب الله"، ومشاركتها أيضاً في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، ما سهّل تولي الوسيط الألماني كونراد ملف تبادل الأسرى بين إسرائيل و"حزب الله" بعد حرب يوليو عام 2006، وكذلك ملف الطيار الاسرائيلي رون آراد المفقود في لبنان منذ عام 1986.
ضابط ألماني التقى نصر الله
وشكلت عملية تبادل الأسرى بين "حزب الله" وإسرائيل عام 2006 زخماً إضافياً للوسيط الألماني كونراد، ومنحته ثقة قيادات الحزب، خصوصاً أنه اجتمع بأمينه العام حسن نصر الله مرات عدة أثناء التحضير لعملية إطلاق أسرى الحزب مقابل تسليم جثتي العسكريين الإسرائيليين اللذين قتلا في كمين نفذه مقاتلو "حزب الله" في تموز 2006، واندلعت بسببه حرب بين الطرفين استمرت أكثر من 30 يوماً، بحسب صحيفة "دير شبيغل" الألمانية.
كونراد يعود من جديد
ولم تتوقف الوساطة الألمانية على صفقة التبادل لعام 2006، بل كانت حاضرة مجدداً في عام 2008، وبرزت بقوة عندما أبلغ "حزب الله" إسرائيل أن الطيار الإسرائيلي رون آراد الذي فُقد في لبنان عام 1986، بإلقاء بنفسه من الطائرة قبل وقوعه في الأسر، فارق الحياة.
وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية حينها أن "حزب الله" أبلغ إسرائيل بواسطة الأمم المتحدة، بوفاة الجندي الإسرائيلي المفقود في لبنان رون آراد، وقالت الصحيفة إن "مفاوض الأمم المتحدة للأسرى غيرهارد كونراد (الضابط الألماني)، سلم إسرائيل رسالة من حزب الله مفادها أن رون آراد ليس على قيد الحياة".
وفي عام 2010، عادت الوساطة الألمانية للحضور مجدداً، خلال عقد صفقة تبادل بين إسرائيل و"حزب الله" سلم بموجبها حزب الله جثة غبريال دويط إلى إسرائيل. وقالت تقارير إسرائيلية إن "مواطناً إسرائيلياً غرق في البحر المتوسط، وسحبت الأمواج جثته من حيفا إلى شواطئ لبنان". وتسلم "حزب الله" الأسير حسن نعيم عقيل بالإضافة إلى جثتين تعودان لعلي وزواز ومحمد دمشقي، مقابل الجثة الإسرائيلية.
نهاية العلاقة.. وترحيب دولي
ووصلت العلاقة بين "حزب الله" وألمانيا إلى نهايتها، بانتهاء نظرية فصل الجناح السياسي عن العسكري للحزب، ليخسر الحزب طرفاً أوروباً قوياً.
وكتب السفير الإسرائيلي لدى برلين جيريمي يسخاروف على تويتر: "نحن نرحب بهذه الخطوة المعقولة وبالغة الأهمية من قبل ألمانيا في مكافحة الإرهاب الدولي"، فيما قال السفير الأميركي في برلين ريتشارد جرينيل إن "قرار الحكومة الألمانية بالتحرك يعكس عزم الغرب على التصدي للتهديد العالمي الذي يمثله حزب الله"، داعياً دول الاتحاد الأوروبي إلى "اتخاذ الإجراءات ذاتها"، قائلاً: "ندعو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ تدابير مشابهة".