
تعيش الولايات المتحدة الأميركية اليوم على وقع انقسام سياسي حاد، بعد تواصل التظاهرات والصدامات مع الشرطة منذ نحو أسبوع، احتجاجاً على وفاة جورج فلويد المواطن الأميركي من أصول إفريقية اختناقاً تحت ركبة شرطي في مينيابوليس، في وقت نقلت وزارة الدفاع الأميركية 1600 شخص من قوات الجيش إلى محيط منطقة واشنطن، ووضعتهم في حالة "تأهب قصوى" من دون المشاركة "في الدعم الدفاعي لعمليات السلطة المدنية"، بالتزامن مع تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أول من أمس، باستخدام الجيش لمكافحة العنف في البلاد.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته "رويترز – إبسوس"، شمل 1004 أميركيين بالغين، أن معظم العينة تتعاطف مع الاحتجاجات التي تعم البلاد، وترفض رد فعل الرئيس على الاضطرابات.
وتوصل الاستطلاع الذي أجري، يومي الاثنين والثلاثاء عبر الإنترنت، إلى أن 64% من الأميركيين البالغين "يتعاطفون مع من يخرجون للتظاهر في الوقت الحالي"، فيما قالت نسبة 27% منهم، إنها لا تشعر بالتعاطف مع المحتجين، وقال 9% إنهم غير متأكدين.
وقال أكثر من 55% من الأميركيين إنهم لا يوافقون على طريقة تعامل ترامب مع الاحتجاجات، بما في ذلك 40% قالوا إنهم يرفضون ذلك "بشدة".
بايدن: ترامب يحوّل البلاد إلى "ساحة معركة"
وتأتي هذه النتيجة في وقت أصبحت التظاهرات مادة دسمة للعملية الانتخابية، خصوصاً مع اقتراب موعدها المقرر في نوفمبر المقبل، حيث يتنافس ترامب مع مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن.
وفي الإطار، اتهم بايدن ترامب بتحويل الولايات المتحدة إلى "ساحة معركة" بقصد الفوز بولاية ثانية في الانتخابات، واعداً بفعل كل ما بوسعه من أجل "معالجة الجروح العنصرية".
وقال نائب الرئيس السابق في خطاب في فيلادلفيا، إن وفاة جورج فلويد كانت بمثابة "صدمة لبلادنا.. لنا جميعاً".
وبعدما كان المرشح الديموقراطي غائباً عن وسائل الإعلام التي ركّزت في الآونة الأخيرة تغطيتها على فيروس كورونا المستجد وطريقة تعامل ترامب مع الأزمة الصحية، ضاعف بايدن تصريحاته ولقاءاته بعد الحادثة التي أشعلت غضب الشارع، ودانها مراراً، كما دان "العنصرية المؤسسية" التي تعيشها الولايات المتحدة، داعياً في الوقت ذاته إلى الهدوء مندّداً بأعمال العنف.
وأكد بايدن أن ترامب "حوّل هذا البلد إلى ساحة معركة، تقسّمها مشاعر الاستياء القديمة ومشاعر الخوف الحديثة"، مضيفاً أن الأخير "يعتقد أن الانقسام يساعده" على الفوز في الانتخابات، مندداً باستخدام الشرطة القوة لتفريق "متظاهرين سلميين" أمام البيت الأبيض، من أجل السماح لترامب بالانتقال إلى كنيسة مجاورة سيراً، بقصد التقاط صورة أمامها لا غير.
وقال: "عندما يتم إبعاد متظاهرين سلميين بأمر من رئيس البيت الأبيض الذي هو بيت الشعب، باستخدام القنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية، لينظم عملية إعلامية أمام كنيسة عريقة، فان تصرفاً كهذا يدفعنا إلى الاعتقاد بأن الرئيس أكثر حرصاً على السلطة منه على المبادئ، وأنّه أكثر اهتماماً بأهواء قاعدته الانتخابية، منه بحاجات الذين يفترض أن يهتم بهم".
ويأتي كلام بايدن بعدما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على المحتجين في ساحة "لافاييت"، بهدف فتح الطريق أمامه للوصول إلى كنيسة "سانت جون" المجاورة لمقرّ الرئاسة، والتي طالتها أعمال تخريب ليل الأحد خلال تظاهرة احتجاجاً على ما وصفوه بـ "العنصرية" و"عنف الشرطة".
وتوجّه ترامب مساء الاثنين سيراً من البيت الأبيض إلى الكنيسة، ووقف أمامها رافعاً بيمناه كتاباً مقدّساً لتلتقط صور له.
وشدد بايدن على أنه لن يستغل مشاعر الخوف والانقسام، "ولن أؤجّج مشاعر الحقد. سأحاول تضميد جراح العنصرية التي لطالما تأصّلت في هذا البلد، ولن أسعى لاستغلالها لمنافع سياسية".
وتابع "لا يمكننا أن نكون سذّجاً. كنت أتمنى أن أقول إن الكراهية بدأت مع دونالد ترامب وستختفي معه، لكن الحال ليست كذلك. هذا لن يحدث. التاريخ الأميركي ليس قصة خرافية تنتهي نهاية سعيدة مضمونة"، مشدداً على أن "الوقت حان ليعالج بلدنا العنصرية المؤسسية"، مناشداً الكونغرس التحرّك بدءاً من هذا الشهر للقيام "بإصلاح حقيقي للشرطة".
ترامب: "بايدن لم يفعل شيئاً طوال 40 سنة"
وسارع ترامب إلى الردّ على منافسه الديموقراطي، مغرداً إنّ "جو النعسان يعمل في السياسة منذ 40 عاماً ولم يفعل شيئاً".
وأضاف أن "الضعف لن يهزم أبداً الفوضويين والسارقين وقطّاع الطرق، وجو كان ضعيفاً سياسياً طوال حياته".
بوش: يجب الاستماع لأصوات المتظاهرين
الانقسام إزاء الأحداث الأميركية لم يقتصر فقط على المرشحين للرئاسة أو على حزب واحد، إذ قال الرئيس السابق جورج بوش الابن، يوم الثلاثاء، إن حادثة فلويد تنم عن "فشل صادم" في ما يتعلق بالتصدي للعنصرية في البلاد، وحض على أن تلقى أصوات المحتجين آذاناً صاغية.
ولم يذكر الرئيس الجمهوري السابق ترامب بالاسم، ولكنه قال إن قيم الولايات المتحدة لا تتماشى مع إجلاء المحتجين عن ساحة "لافاييت" المواجهة للبيت الأبيض يوم الاثنين، قبل أن يتحرك ترامب لالتقاط الصور.
وقال بوش في بيان، إن "السبيل الوحيد لرؤية أنفسنا بصدق هو الاستماع إلى أصوات الكثيرين الذين يشعرون بالألم والحزن. من يسعون لإسكات هذه الأصوات لم يفهموا معنى أميركا أو كيف تصبح مكاناً أفضل"، مؤكداً أن الحادثة تثير أسئلة مزعجة ينبغي لنا الإجابة عليها.
وتابع "إنه لفشل صادم أن يتعرض أميركيون كثيرون من أصل إفريقي، وبخاصة الشبان الأميركيين من أصل إفريقي، للمضايقة والتهديد في بلادهم"، لافتاً إلى أن "هذه المسألة التي تأتي في إطار سلسلة طويلة من المآسي المشابهة تثير سؤالاً تأخر كثيراً وهو: كيف نضع حداً للعنصرية الممنهجة في مجتمعنا؟".
انتقادات رجال دين
ومع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة، حاول ترامب استمالة الناخبين بالصورة التي التقطت له أمام كنيسة القديس يوحنا الأسقفية، وبزيارة يوم الثلاثاء لنصب تذكاري للبابا يوحنا بولس الثاني، وبأمر تنفيذي يوجه الوكالات الأمريكية "لحماية" الحريات الدينية في الخارج.
لكن الزعماء الدينيين نددوا، أمس الثلاثاء، بمعاملة الإدارة للمحتجين،وقال كبير الأساقفة ويلتون غريغوري، وهو أكبر زعيم ديني كاثوليكي في العاصمة الأميركية، إن "البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، بابا الكنيسة الكاثوليكية لما يقرب من 40 عاماً، ما كان ليتغاضى عن استخدام الغاز المسيل للدموع وغيره من وسائل الردع لإسكات (المحتجين) أو تفريقهم أو ترويعهم، من أجل صورة أمام مكان للعبادة والسلام".
كذلك انتقد الأسقف مايكل كوري رئيس المجلس التنفيذي للكنيسة الأسقفية، ترامب لاستخدامه الكنيسة والإنجيل لغايات حزبية.
الاحتجاجات تتواصل
وفي وقت لا يزال المتظاهرون يتوافدون إلى محيط البيت الأبيض بكثافة تواصلت مساء أمس التظاهرات التي ضمت عشرات الآلاف، في شوارع مدن أميركية عدة، لليلة الثامنة على التوالي، في تحدٍ لمناشدات رؤساء البلدية ولحظر التجول الصارم ولإجراءات أخرى تهدف إلى وقف الاحتجاجات.
وخرجت مسيرات حاشدة في لوس أنجلوس وفيلادلفيا وأتلانتا ونيويورك وكذلك في العاصمة واشنطن قرب المتنزه الذي أُجلي المتظاهرون عنه.
وجثا متظاهرون على الركبة خارج مبنى الكونغرس،، يوم الثلاثاء، مرددين هتافات منها "الصمت هو العنف" و"لا عدالة، لا سلام"، فيما تصدى لهم أفراد الشرطة، قبل بدء حظر التجول الذي فرضته الحكومة.
وظل الحشد في متنزه "لافاييت" وغيره بعد حلول الليل، رغم حظر التجول. وبعدما بدأ حظر التجول في مدينة نيويورك، سار آلاف المحتجين من مركز باركليز باتجاه جسر بروكلين، فيما حلّقت طائرات الهليكوبتر التابعة للشرطة فوقهم.
وملأ مئات المحتجين شارع هوليوود بمدينة لوس أنجلوس. وتجمع آخرون أمام مقر إدارة شرطة لوس أنجلوس وكانوا في بعض الحالات يعانقون ويصافحون صفاً من الضباط في الخارج، في حين جثا بعض الضباط على ركبهم تعبيراً عن تضامنهم مع قضية المتظاهرين.