Open toolbar

لوحة فنّية تصوّر حملة نابليون في روسيا - Getty Images

شارك القصة
Resize text
دبي-

في ظل تفشّي وباء فيروس "كورونا" المستجد، يعود إلى المشهد العالمي تاريخ من الأوبئة التي ضربت العالم وغيرت مشهد الحياة ولو بشكل جزئي، بدءاً من التداعيات التي أثرت على المجتمع البشري، وصولاً إلى الاقتصاد الدولي. 

في كتابه الذي صدر في عام 2019 بعنوان: "الأوبئة والمجتمع: من الموت الأسود إلى الحاضر"، ناقش البروفيسور الفخري في التاريخ وتاريخ الطب في "جامعة يال" الأميركية، فرانك سنودن، التأثيرات الاجتماعية والتداعيات الاقتصادية للأوبئة التي غيرت معالم حضارية لدي المجتمعات البشرية.

أبحاث سنودن شملت تاريخاً يمتد لأكثر من 1000 عام ظهرت خلالها أبرز الأوبئة من الطاعون إلى الجدري والملاريا والإيبولا. 

ويعتبر سنودن أن "التدابير والإجراءات التي خاضها البشر عبر التاريخ وفي حضارات مختلفة، تساعد العلماء والباحثين اليوم في التعامل مع الأوبئة سواء في الحجر الصحي والمنزلي، أو في تنظيم أساليب الوقاية والحماية والتطور الحضاري لمواجهة أزمات يشهدها العالم في الحاضر". 

الطاعون والنهضة 

يقول سنودن في كتابه إن "انتشار الطاعون في القارة الأوروبية بين العامين 1351 و1347 أدى إلى تغيير اجتماعي ظهر في السنوات اللاحقة؛ فالمرض الذي أودى بحياة قرابة 25 مليون شخص، غير في التركيبة السكانية التي لم تتمكن أوروبا من استرجاعها إلا بعد 200 عام". 

ويشير الكاتب إلى أن "انخفاض عدد السكان في أوروبا، سمح للفئة المتبقية من الفلاحين بالحصول على فرص عمل أكثر وبمقابل مادي أعلى، بسبب زيادة الطلب وحاجة الإقطاعيين إلى تحريك عجلة الاقتصاد القائم على الزراعة في ذلك الوقت. وبارتفاع الدخل الفردي للعمال، بات أصحاب الممتلكات يبحثون عن أساليب وتقنيات أقل كلفة من الفلاحين، مهدت لاحقاً للثورة الصناعية والتقنية". 

وفي مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، قال سنودن إن "المقاربة التاريخية بين الطاعون وكورونا جائزة من ناحية تسببه في انتقال السلطة من القرى والمدن الصغيرة إلى الدولة القومية، وهو ما يشهده الاتحاد الأوروبي في أزمة كورونا اليوم، إذ تقوم الدول الأعضاء بالتعامل مع الفيروس بسياساتها الأحادية وإغلاق حدودها مع الدول المجاورة، ما قد يشكل خللاً اقتصادياً وسياسياً لمفهوم العولمة". 

الكوليرا والطبقية 

ويشير سنودن في كتابه إلى أن "الكوليرا لها ارتباط وثيق بالاضطرابات الاجتماعية والطبقية" إذ عندما ضرب الوباء باريس في عام 1832، وأدى إلى وفاة ما يقرب من 19 ألف شخص في العاصمة الفرنسية، انتشرت نظرية مؤامرة مفادها أن السلطة في ذلك الوقت، والتي كانت بقيادة الملك لويس فيليب، سممت الآبار بـالزرنيخ". 

ويرجع سبب انتشار هذه الشائعة إلى أن معظم المصابين كانوا من الطبقة الفقيرة، وكانوا قد تلقوا المرض من المياه الملوثة، في حين نجت الطبقة البرجوازية من الوباء. وبسبب العنف الشعبي تجاه الواقعة، باتت الطبقات الحاكمة تخاف من ما سمي بـ "الطبقات الخطرة: الفقراء". 

إلى ذلك، يجادل سنودن بأن الحادثة تفسر حدوث أكثر مثالين فظاعة للقمع الطبقي خلال القرن التاسع عشر في العاصمة الفرنسية، كانت الأولى القضاء العنيف لثورة 1848 والثانية القضاء على على الحكومةالثورية المؤقتة في باريس والتي كانت تدعى وقتها بالـ "الكومونة". 

وكذلك الحال في الهند، التي غزاها مرض الطاعون الدبلي في القرن الـ19 خلال فترة الاستعمار البريطاني للبلاد، إذ قامت بريطانيا بفرض تدابير صارمة لمحاربة الوباء على السكان الذي رفضوا بالمقابل الإجراءات السلطوية من حكومة استعمارية، ما أدى لتراجع بريطانيا عنها في النهاية. 

وفي حواره المنشور في "وول ستريت جورنال"، قال سنودن إن "الفيروسات التي تستهدف الجهاز التنفسي تصيب الأفراد من طبقات مختلفة في المجتمع،  بل إن كورونا استهدف النخبة من ممثلين وحكام ومسؤولين بسبب سفرهم المستمر وتواصلهم مع عد أكبر من الناس ومن مختلف الدول". 

الحرب والوباء 

وأشار سنودن في كتابه إلى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الحروب والأوبئة، واستشهد بنظرية عالم الاجتماع تشارلز تيلي بأن "الحرب تصنع الدولة". وقال إن "الأوبئة تتطلب الالتزام العسكري والإدارة واحتكار القوة كما الحروب"، مشيراً إلى أن "الحراس العسكريين في زمن انتشار مرض الطاعون منعوا الأشخاص المصابين من الخروج من منازلهم". 

وأشار الكاتب والأكاديمي الأميركي إلى أنه في زمن التوسع العسكري، عمد نابلوين بونابرت خلال إعادة بنائه لباريس في القرن الـ19 إلى شقّ شوارع عريضة لاستقبال كمّ أكبر من أشعة الشمس والضوء. كما حفزت الكوليرا السلطة على القيام بدور تنظيمي أكبر من بناء المنازل بشكل معين واعتماد معايير نظافة صارمة. 

كما أشار إلى أن فترة التوسع الإمبراطوري لنابليون توقفت بسبب انتشار مرض "الحمى الصفراء"،  التي واجهها جيشه في مستعمرة سانت دومينغو الكاريبية الفرنسية (هايتي)، والتي كانت حينها تحارب ضد العبودية باسترجاع البلاد من الفرنسيين والبريطانيين. 

الوباء والخطايا 

وعاد سنوندن بالزمن إلى الملاحم الإغريقية، مشيراً إلى أن الوباء في الأدب القديم مثل "الإلياذة" لهوميروس، ارتبط بفكرة عقاب الإنسان على خطاياه. ولفت إلى أن الكنائس في مدينة البندقية (إيطاليا) بنيت "تضرعاً للآلهة وتأكيداً لتوبة الشعوب"، كما اتسمت اللوحات الفنية في ذلك الوقت "بالساعات الرملية والزهور الذابلة"، في دلالة على شعور الأوروبيين باقتراب وقت الموت أو العقاب المفاجيء. 

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.