الغزو الروسي لأوكرانيا يستحضر كارثة "تشيرنوبل"

time reading iconدقائق القراءة - 10
دمية مدمرة على سرير في روضة أطفال قرب مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا - 12 أبريل 2021 - REUTERS
دمية مدمرة على سرير في روضة أطفال قرب مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا - 12 أبريل 2021 - REUTERS
دبي-رامي زين الدين

في 26 أبريل 1986 استفاق العالم على كارثة نووية كانت الأولى والأكبر من نوعها على الإطلاق، إذ أدت أعطال في مفاعل تشيرنول السوفيتي، شمال أوكرانيا، إلى حدوث انفجارات وصل صداها مئات الكيلومترات، مُشكلة سحابة من الإشعاع تم رصدها في دول أوروبية عدة.

ويعود الحديث اليوم عن تلك الحادثة التي أوقعت الكثير من الضحايا، وتداعيات لا تزال مستمرة حتى الآن، بعد سيطرة القوات الروسية على هذه المنطقة خلال الغزو العسكري الذي تشنه على جارها الغربي، في وقت اعتبر الرئيس الأوكراني أن جنود بلاده "يضحون بحياتهم لتجنب تكرار الكارثة النووية".

مفاعل "تشيرنوبل"

على بعد نحو 130 كيلومتراً شمال العاصمة الأوكرانية كييف، وقرابة 20 كيلومتراً جنوب الحدود البيلاروسية، تم إنشاء مجمع "تشيرنوبل" للطاقة بين عامي 1970 و1983، خلال الحقبة السوفيتية، وتألف من 4 مفاعلات نووية من تصميم (RBMK-1000)، وقبل وقوع الحادث بوقت قصير كان هناك مفاعلان آخران قيد الإنشاء.

تُعرف المنطقة الأوكرانية التي بُني على أرضها المفاعل بأنها ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث لم يتجاوز عدد سكان بلدة تشيرنوبل آنذاك 13 ألف نسمة، بينما على بعد نحو 3 كيلومترات فقط كان يقطن قرابة 50 ألف نسمة، وقُدر إجمالي عدد سكان ذلك الإقليم خلال الكارثة بـ135 ألفاً.

وقوع الكارثة

في 25 أبريل، قبل الإغلاق الروتيني، بدأ طاقم المفاعل الرابع في تشيرنوبل التحضير لاختبار الهدف منه تحديد المدة التي ستدور فيها التوربينات في حال فقدان إمدادات الطاقة الكهربائية الرئيسية، وبالتالي التأكد من فعالية نظام التبريد في حالات الطوارئ، وقبل عام من ذلك جرت اختبارات مماثلة، لكن تبيّن حينها أن الطاقة تنفد بسرعة كبيرة، ولذا كان من المقرر اختبار تصميمات جديدة.

بالفعل، في صباح يوم 26 أبريل، بدأ التمرين الروتيني الساعة 1:23 صباحاً، وبدا كل شيء طبيعياً وكانت الأمور تجري كما خُطط لها، لكن سرعان ما واجهت الفريق العلمي أعطال غير متوقعة، وأصبح المفاعل في حالة غير مستقرة للغاية، حيث أدى تفاعل الوقود شديد السخونة مع مياه التبريد إلى زيادة الضغط بشكل هائل.

ورغم محاولات إغلاق المفاعل بالكامل واحتواء الوضع، إلا أن حجم الطاقة تسبب في وقوع الكارثة.

وأظهرت التحقيقات لاحقاً انتهاك العمال لبروتوكولات السلامة أثناء الاختبار، ما أحدث اندفاعاً كبيراً في الطاقة، ومن ثم هزّت المفاعل الرابع سلسلة من الانفجارات أدت إلى تحطم السقف الذي يزن ألف طن، قبل أن تنطلق إشعاعات تزيد بمقدار 400 مرة عن القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما.

ما زاد الأمر سوءاً أن أنظمة الأمان الأوتوماتيكية لم تعمل بسبب إغلاقها قبل الاختبار. وتسبّب انفجار آخر بإخراج وقود إضافي، محدثاً حريقاً في سطح المفاعل رقم 3.

وسرعان ما أُعلنت حالة الطوارئ، ووصل رجال الإطفاء إلى مكان الحادث في غضون دقائق، وبدؤوا مكافحة الحريق دون معدات لحمايتهم من الإشعاع، قبل أن يصبح الكثيرون منهم في عداد عشرات الضحايا الذين فقدوا حياتهم جرّاء التعرض الحاد للإشعاع.

وبحسب سلسلة وثائقيات عرضتها شبكة "سي بي إس"، وصف شهود من رجال الإطفاء الذين ساعدوا في مكافحة الحرائق الإشعاع بأن "طعمه مثل المعدن"، وقالوا إنهم شعروا بآلام شبيهة بغرز الدبابيس والإبر في وجوههم.

وبحلول ظهر يوم 26 أبريل، حشدت الحكومة السوفيتية قواتها لمكافحة الحرائق، بما في ذلك هبوط بعض المقاتلين على سطح المفاعل لجرف الحطام، وكذلك قامت فرق الطوارئ برش الماء على المفاعل المكشوف لإبقائه بارداً.

ويذكر موقع "ناشيونال جيوجرافيك" أنه لم يتم إغلاق المفاعل رقم 3، إلا في الساعة الخامسة من صباح اليوم التالي. أي بعد نحو 24 ساعة من بدء الكارثة.

وبحلول اليوم العاشر من الحادث، كان قد تم إلقاء 5 آلاف طن من الرمل والطين والنتروجين بواسطة مروحية، في محاولة لإطفاء الحريق والحد من إطلاق الجسيمات المشعة، واستغرق إطفاء جميع الحرائق ما يقارب الأسبوعين.

خسائر كبيرة

وسرعان ما أدرك العالم هول الكارثة التي حلّت في مفاعل "تشيرنوبل"، حيث كان ما يصل إلى 30% من أصل 190 طناً مترياً من اليورانيوم قد تسرب في الغلاف الجوي، وتسبب الحادث في أكبر انبعاث إشعاعي تم تسجيله على الإطلاق لأي عملية مدنية.

وتوفي ما لا يقل عن 28 شخصاً في البداية نتيجة انفجار المفاعل، بينما أصيب أكثر من 100 آخرين.

وأفادت لجنة علمية للأمم المتحدة، معنية بآثار الإشعاع النووي، أن أكثر من 6 آلاف طفل ومراهق أصيبوا بسرطان الغدة الدرقية بعد تعرّضهم للإشعاع، على الرغم من أن بعض الخبراء طعنوا في هذا الادعاء.

وتوقع باحثون دوليون إصابة نحو 4 آلاف شخص بالسرطان نتيجة التعرّض لمستويات عالية من الإشعاع، في حين أشاروا إلى أن قرابة 5 آلاف من الذين تعرّضوا لمستويات منخفضة من الإشعاع قد يعانون المصير نفسه.

ومع ذلك، لا تزال العواقب الكاملة للحادث، بما في ذلك الآثار على الصحة العقلية وحتى الأجيال اللاحقة، موضع نقاش كبير وقيد بحوث ودراسات مستمرة.

واضطرت السلطات السوفيتية إلى إجلاء 335 ألف شخص وإنشاء "منطقة حظر" بعرض 19 ميلاً حول المفاعل، وتم إبلاغ الناس أنهم سيغادرون لبضعة أيام فقط، لكن معظمهم لم يعودوا إلى منازلهم.

خلال الأشهر السبعة التي أعقبت الحادث، قامت ببناء غطاء خرساني حول المفاعل رقم 4، بغية احتواء الوقود المتبقي ومنع تسرّب المزيد من الإشعاعات.

التكتم على الحادث

في ظل التنافس بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، كان الإعلان عن وقوع حادث نووي أمراً ذا حساسية سياسية كبيرة.

ولكن لم تصمد محاولات موسكو التعتيم على الكارثة تارةً ونفيها طوراً إلا وقتاً قصيراً، إذ بوصول الإشعاعات إلى السويد، بدأ عاملون في محطة نووية بالعاصمة استوكهولم يتساءلون عما يجري، بعد ملاحظة حجم إشعاعات عالٍ.

واستغرق الأمر أياماً حتى قررت القيادة السوفيتية إبلاغ المجتمع الدولي بوقوع الكارثة، وفي 28 أبريل أصدرت السلطات إعلاناً موجزاً حول انفجار "تشيرنوبل"، وقالت إنها تتعامل معه.

ولا يزال ما تبقى من المفاعل موجوداً حتى الآن داخل هيكل الاحتواء الفولاذي، بينما من المتوقع أن تستمر جهود الاحتواء والمراقبة والتنظيف حتى عام 2065 على الأقل.

تداعيات سياسية

كان لكارثة تشيرنوبل تداعيات أخرى أيضاً، فقد سرّعت الخسائر الاقتصادية والسياسية نهاية الاتحاد السوفيتي، وقُدّرت الخسائر آنذاك بنحو 235 مليار دولار، في وقت دفع حجم الانفجار إلى نشوء حركة عالمية مناهضة للأسلحة النووية.

وبعد عقود من ذلك الحادث، قال الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف الذي كان رئيساً في ذلك الوقت، إنه يعتقد أن انفجار تشيرنوبل "ربما كان السبب الحقيقي وراء انهيار الاتحاد السوفيتي بعد 5 سنوات".

كما فقدت بيلاروسيا التي تلوثت نسبة 23% من مساحتها نتيجة الإشعاعات نحو خُمس أراضيها الزراعية. وفي ذروة جهود الاستجابة للكوارث عام 1991، أنفقت بيلاروسيا 22% من إجمالي ميزانيتها للتعامل مع آثار "تشيرنوبل".

مقصد سياحي

ولا يزال تأثير الكارثة على البيئة المحيطة بها مجالاً للبحث، فقد قضت الإشعاعات على الكثير من النباتات والكائنات في الغابات المحيطة، وفي أعقاب الحادث مباشرة، أصبحت مساحة تبلغ 4 أميال مربعة تُعرف باسم "الغابة الحمراء"، لأن العديد من الأشجار تحولت إلى اللون البني المائل إلى الاحمرار، قبل أن يموت معظمها بعد امتصاص مستويات عالية من الإشعاع.

واليوم تُعد منطقة المفاعل النووي الواقعة شمال أوكرانيا أحد أبرز المقاصد السياحية في البلاد، إذ تُغري الزوار المهتمين بالتعرف عن قرب على كارثة "تشيرنوبل" التي لم يشهد العالم لها مثيلاً.

وعلى الرغم من أن كارثة "تشيرنوبل" كانت في نظر الكثيرين إنذاراً بمخاطر المفاعلات النووية وما يمكن أن ينجم عنها بسبب أخطاء بسيطة وغير متوقعة،إلا أن العديد من الدول واصلت تطوير برامجها النووية، بينما تسعى أخرى إلى الانضمام للنادي النووي العالمي الذي يضم 9 بلدان حتى الآن.

تصنيفات