بريطانيا.. صعود حمزة يوسف يعيد المهاجرين للمشهد السياسي

time reading iconدقائق القراءة - 10
حمزة يوسف وسط والديه خلال حدث انتخابي في جلاسكو. اسكتلندا. 24 فبراير 2023 - AFP
حمزة يوسف وسط والديه خلال حدث انتخابي في جلاسكو. اسكتلندا. 24 فبراير 2023 - AFP
لندن-بهاء جهاد

أُغلق باب الترشح لخلافة رئيسة الوزراء في اسكتلندا نيكولا ستيرجن، الجمعة، لتنطلق المنافسة بين 3 نواب من الحزب "القومي" في برلمان إدنبرة، للمضي في قضايا عدة تشغل الاسكتلنديين، بما في ذلك مشاكل القطاع الصحي والرغبة في الاستقلال عن بريطانيا.

وينطلق التصويت للفصل بين المرشحين، من 13 إلى 27 مارس المقبل، فيما يعتبر صاحب الأصول الباكستانية حمزة يوسف أبرز المنافسين في هذه الانتخابات، والذي وُصف بأنه "الأكثر إخلاصاً لنهج السلف" في القضايا التي تشغل الاسكتلنديين عامة، وأعضاء الحزب الحاكم بشكل خاص.

وهاجرت أسرة يوسف إلى مدينة جلاسكو، العاصمة الاقتصادية في 1962، وبعدها بنحو 50 عاماً، انتخب للمرة الأولى عضواً في المؤسسة التشريعية عن الحزب الذي يقود الحكومة الاسكتلندية منذ أكثر من 15عاماً.    

وثمة من يعتقد أن فرص يوسف لرئاسة الحكومة ضعيفة أمام ساسة آخرين من أصول اسكتلندية، ولكن انضمامه إلى المنافسة بحد ذاته، يؤكد تصاعد حضور أبناء وأحفاد المهاجرين في المشهد السياسي للمملكة المتحدة على امتداد دولها الأربع. ما يلفت الانتباه إلى الأسباب وراء ذلك، ومدى تأثيره على السياستين الداخلية والخارجية للدولة.

يشار إلى أن ترشح يوسف، سبقه وصول صاحب الأصول الهندية ريشي سوناك، إلى رئاسة الحكومة البريطانية.

وقبل ذلك بسنوات قليلة، ظفر النائب العمالي من أصل باكستاني صادق خان، بمنصب عمدة لندن، ليصبح حينها أول مسلم يتولى إدارة العاصمة البريطانية لندن.

فرص خلافة ستيرجن   

صحيفة "دايلي سكوتلاند" قالت إن يوسف "قد لا يجد إقبالاً كبيراً" من أعضاء الحزب لانتخابه زعيماً للقوميين ورئيساً للحكومة، إلى جانب انتقادات تشير إلى أنه "شخص عصبي" منذ أن كان وزيراً للعدل.

إضافة إلى حالة من عدم الرضا إزاء إدارته لقطاع الصحة، وامتعاض من رفضه زيادة أجور القطاع العام.  

وذكرت النائبة عن حزب العمال جاكي بيلي، أن يوسف سيكون "أسوأ" رئيس حكومة في حال فاز بالانتخابات.

وأشارت بيلي في حديث مع صحيفة "سكوتش إكسبرس"، إلى أن رأيها يستند على أداء يوسف في وزارة الصحة التي يتولى حقيبتها منذ نحو عامين، إذ أخفق في تنفيذ ما وعد به من تقليص وقت انتظار المعالجة أو المساعدة الطبية، وتحسين واقع المستشفيات والخدمات الصحية.

في المقابل، قال المراسل السياسي لصحيفة "ذي تلجراف" دومينيك بينا، إن حظوظ يوسف لا تقل عن بقية المرشحين. أولاً لأنه يؤيد قانون "التحول الجنسي" في اسكتلندا رغم أنه مسلم.

وثانياً لأنه يعبر عن الوسطية إزاء قضية الاستقلال عن بريطانيا، أما ثالثاً فلأنه يولي أهمية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية ودعم الاسكتلنديين في معيشتهم.

وأعلن عدة نواب من الحزب "القومي" تأييد ترشيح يوسف لزعامة الحزب. من بينهم أليسون ثويلس، وأنوم قيصر، وكريس ستيفنس، وجريم دي، وجيني مينتو، وجيني جيلروث.

كما أشادوا بما حققه النائب عن مدينة جلاسكو، سواء خلال توليه حقيبة الصحة، أو عندما كان وزيراً للعدل أو للنقل في حكومة نيكولا ستيرجن.

الولاء لبرامج الأحزاب  

بين التفاؤل والتشاؤم بفوز يوسف، ثمة قائمة طويلة من الأسباب التي تجعل من الصعب التكهن بهوية رئيس الحكومة المقبل.

ولكن أياً كانت النتيجة، سيضاف اسم النائب الاسكتلندي من أصل باكستاني، إلى قائمة أبناء المهاجرين الذين مارسوا العمل السياسي، وصعدوا إلى أعلى المراتب في البلاد.  

وثمة 4 نواب مسلمين فازوا في انتخابات اسكتلندا عام 2021. يمثلون اليوم نحو 3% فقط من إجمالي 129 نائباً في برلمان أدنبرة.

ولكنهم ينشطون سياسياً بشكل ملحوظ، ليس فقط وزير الصحة الذي ينافس على رئاسة الحكومة، بل هناك أيضاً بشير أحمد، أول مسلم يفوز بمعقد برلماني عام 2007، وأنس سروار زعيم حزب العمال الاسكتلندي.

ويقطن اسكتلندا أكثر من 5.5 مليون نسمة، وتمثل الأقليات فيها حوالى 5%، وتصل نسبة المسلمين نحو 2%، وفق أرقام غير رسمية.

وتشير آخر إحصاءات صدرت في عام 2011 إلى أن عدد المسلمين بلغ نحو 77 ألفاً، ويشكلون ما يقارب 1.4% من السكان. أما الكتلة فهي بجلاسكو التي فاز فيها النواب الأربعة.

وتتبنى الحكومة الاسكتلندية منذ أعوام برنامجاً لتشجيع مشاركة المهاجرين في الحياة السياسية، وحضهم على زيادة تمثيلهم في المؤسسات الرسمية والمجالس المحلية والبرلمان، إضافة إلى أن حكومة أدنبرة تبدو أكثر انفتاحاً في خطابها بشأن اللاجئين والمهاجرين، مقارنة بنظيرتها في لندن.      

خطاب إدنبرة الرسمي 

ورأى الباحث في الهوية والانتماء بجامعة جلاسكو، ماركوس نيكوسون، أن الخطاب الرسمي المنفتح لإدنبرة إزاء المهاجرين واللاجئين، خصوصاً في ظل حكومات "الحزب القومي"، لعب دوراً كبيراً في تشجيع الأقليات العرقية، على المشاركة في العمل السياسي.

وقال نيكوسون لـ"الشرق"، إن أبناء المهاجرين، انخرطوا في الشأن العام وفق برامج الأحزاب التي ينتمون إليها، فكانوا جزءاً من سياق عام يعيشه الاسكتلنديون، ولا يعبر عن وجهة نظر محددة لجالية أو عرق بعينه. بمعنى أنهم لا يترددون في التزامهم الحزبي حتى ولو تعارض مع توجهات الجاليات التي ينحدرون منها.

ودلّل الباحث على ذلك، بتأييد المرشح حمزة يوسف، لقانون تحديد الجنس، رغم تعارضه مع خلفيته الدينية. فالقانون جاء عبر الحزب الذي يشغل فيه يوسف موقعاً قيادياً. أي أنه شارك في إطلاقه، ويعرف أن إقراره يمثل توجهاً لدى الاسكتلنديين. وبالتالي قد يضعف التخلي عنه من فرص فوزه في خلافة ستيرجن.  

وجوه بارزة في بريطانيا  

ما ينطبق على يوسف في تأييد الساسة من أقليات عرقية لبرامج الأحزاب التي يمثلونها، يسير على كثيرين في بريطانيا. فأكثر قيادات حزب المحافظين الحاكم تشدداً إزاء المهاجرين واللاجئين، كانوا وزراء الداخلية بعد "بريكست". أولهم ساجد جافيد المنحدر من أصول باكستانية، ثم بريتي باتيل وبعدها سويلا برافرمان، وكلاهما من أصول هندية.

ويشكل النواب من أقليات عرقية في بريطانيا 10% من أعضاء مجلس العموم (650 مشرعاً). وأغلبهم فازوا في انتخابات 2019، ممثلين عن مدن عدة في المملكة المتحدة، وبرز بعضهم بقوة على الساحة السياسية، وتسلموا مناصب قيادية في الحكومة والدولة عموماً خلال السنوات الماضية.  

ووفق الإحصاءات الرسمية، ارتفع عدد أعضاء من الأقليات العرقية في البرلمان البريطاني، من 4 نواب عام 1987 إلى 65 نائباً اليوم.

وينتمون نواب الأقليات العرقية إلى الأحزاب الكبرى كالمحافظين والعمال والليبراليين والقوميين الاسكتلنديين، وأبرزهم أول رئيس حكومة بريطانية من غير أصحاب البشرة البيضاء، ريشي سوناك.

ومن بين المحافظين، عُرف أيضاً الرئيس السابق للحزب ووزير الخزانة الأسبق ناظم الزهاوي، الذي ينحدر من عائلة كردية عراقية.

بالإضافة إلى وزير الخزانة السابق كواسي كوارتنج صاحب الأصول الغانية. أما على ضفة المعارضة العمالية، فالسياسي الأكثر شهرة بين أبناء المهاجرين، هو صادق خان، عمدة لندن منذ 2016.

تأثير النشأة والتعليم  

وقال عضو حزب المحافظين البريطاني سيمون فيرب لـ"الشرق"، إن أبناء وأحفاد المهاجرين الذين نشأوا في المملكة المتحدة، باتوا جزءاً من المجتمع، وأقرب إلى ثقافة المواطنين الأصليين من خلفياتهم العرقية. حتى لو كانوا يعيشون في مدن ومناطق تجمع جاليتهم على امتداد بريطانيا.

وأوضح فيرب، أن الأنشطة الإنسانية والمجتمعية والاقتصادية غالباً هي بوابة العمل السياسي في بريطانيا.

وبرأيه فإن الكلمة الفصل في هذه الأنشطة هي لخدمة الناس في جميع مجالات الحياة. وبالتالي لا يمكن للساسة أن يترشحوا لأي انتخابات محلية أو برلمانية، من دون أن ينخرطوا ويندمجوا في المناطق والمدن التي يعيشون فيها. 

تأخر الجالية العربية  

ووفق التعداد السكاني لعام 2021، تُمثل الجالية العربية نحو 0.4% من إجمالي سكان بريطانيا، وهو ما يربو عن 600 ألف شخص.

ورغم أن تعدادها كبير نسبياً، إلا أن الجالية العربية لم تعمل على وصول نائب واحد إلى مجلس العموم طوال العقود الماضية.

وقال الأكاديمي جهاد مشامون، إن كثيراً من المهاجرين العرب وأبنائهم، تعلموا في المدارس والجامعات البريطانية، وانصهروا في المجتمعات التي يعيشون فيها، حتى أن العشرات وصلوا إلى المجالس المحلية، وعملوا لسنوات في خدمة المناطق والمدن التي يستقرون فيها، ولكنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى البرلمان.

وأوضح مشامون لـ"الشرق"، أن الوصول لعضوية البرلمان البريطاني يحتاج لدعم مالي للترويج والحملات الانتخابية، يزيد على ما يوفره الحزب لمرشحه.

ولفت إلى أن الجالية العربية لم تتبن طوال عقود، مرشحاً واحداً وتسخر له إمكاناتها من أجل إيصاله إلى مجلس العموم، كما تفعل أقليات عرقية أخرى.

ونوه الأكاديمي البريطاني إلى أن جاليات يقل عدد أفرادها كثيراً عن الجالية العربية، دعمت مرشحين لعضوية البرلمان. ولكن العرب في بريطانيا عموماً منقسمون لأسباب عدة، منها ما يرتبط بأوطانهم الأصلية، ومنها ما يتعلق بانتماءات محلية في الدولة، ما تسبب في تشتت أصواتهم وضعف اجتماعهم بشأن مهاجر من أصل عربي ليدخل البرلمان. 

اقرأ أيضاً:

تصنيفات