من شرق المتوسط إلى الولايات المتحدة.. حرائق "غامضة" تجتاح العالم

time reading iconدقائق القراءة - 18
منظر جوي لأدنة متصاعدة من حرائق في غابات تقع بشمال غربي فنلندا - AFP
منظر جوي لأدنة متصاعدة من حرائق في غابات تقع بشمال غربي فنلندا - AFP
دبي-الشرق

على طول شريط البحر المتوسط تتسع منذ أيام حرائق غابات غامضة مثل كرة نار التهمت هكتارات من الغابات في لبنان وسوريا واليونان وإيطاليا وقبرص، وأسفرت عن قتلى ونزوح الآلاف.

وتأتي الحرائق الجديدة ضمن سلسلة من الأحداث المناخية القاسية التي عاشها الكوكب خلال الأشهر الأخيرة، من الفيضانات المميتة في أوروبا والصين إلى الحرائق المستعرة في الولايات المتحدة وكندا وسيبيريا، وهو ما دفع العلماء إلى ربطها بالتغيرات في المناخ الناتجة عن الاحتباس الحراري .

وبينما تقول السلطات في تركيا إنها تشتبه في أن تكون هذه الحرائق مفتعلة، يشير العلماء إلى أن حرائق حوض البحر الأبيض المتوسط تحدث سنوياً ، لكن نطاق الحرائق هذا العام يجب أن يكون بمثابة تحذير بشأن مخاطر تغير المناخ.

ومع حدوث موجات الحرارة المميتة والفيضانات وحرائق الغابات في أنحاء العالم، تتزايد الدعوات من أجل إجراء عاجل للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تتسبب في سخونة الكوكب.

تركيا مشتعلة

واندلعت، الأربعاء الماضي، حرائق منفصلة في غابات منافغات وألانيا وأضنة ومرسين وبودروم ومرمريس، بالقرب من المواقع السياحية المطلة على البحر المتوسط في جنوب تركيا، لكنّها سرعان ما وصلت إلى مناطق مأهولة بالسكان بسبب الرياح العاتية.

واستمرت هذه الحرائق لليوم الرابع على التوالي، فيما وصلت حصيلة ضحاياها إلى ستة قتلى بعد وفاة اثنين من رجال الإطفاء السبت خلال جهود السيطرة على الحرائق في ماناوجات، وفقاً لقناة" سي إن إن ترك"، التي أشارت إلى إجلاء الآلاف من منازلهم.

وأفادت محطات إذاعية وتلفزيونية تركية بأن حريقاً جديداً اندلع السبت في بلدة بودروم، وهي منتجع شهير ومقصد لقضاء العطلات على ساحل بحر إيجه، وتم إخلاء بعض المناطق السكنية والفنادق.

قال وزير الزراعة وشؤون الغابات التركي بكر باكدميرلي، إن 98 حريقاً اندلع في الأيام الأربعة الماضية في تركيا تمت السيطرة على 88 منهاً.

من جهته، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارته لماناوجات السبت إنه سيعاد بناء جميع المنازل التي تضررت وسيتم تعويض المتضررين.

وأضاف أن أذربيجان وروسيا وأوكرانيا وإيران أرسلت إلى المناطق المتضررة طائرات إطفاء وفرقا للدعم والمساعدة في إخماد الحرائق.

وحرائق الغابات معتادة في جنوب تركيا في شهور الصيف الساخنة لكن السلطات المحلية تقول إن الحرائق الأخيرة غطت مساحة أكبر. ونظراً لاندلاع حرائق عدة في الوقت ذاته، تقول السلطات التركية إنه لا يمكن استبعاد احتمال أن تكون هذه الحرائق مفتعلة.

وقال وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو الجمعة من منافغات: "من أشعل هذه الحرائق؟ لدينا شكوك. كل مؤسساتنا تجري تحقيقاً دقيقاً في هذا الموضوع. وقبض على مشتبه بهم".

لبنان.. حرائق عابرة للحدود

وفي أقصى شرق البحر المتوسط، تكافح السلطات اللبنانية السبت لليوم الرابع على التوالي، لإخماد حرائق ضخمة قضت على مساحات واسعة من أشجار الصنوبر في شمال البلاد، فيما تواصل النيران تمددها عبر الحدود نحو سوريا.

ونشبت الحرائق بعد ظهر الأربعاء الماضي في غابات ومناطق حرجية، أودت بحياة فتى (15 عاماً) تطوّع مع أبناء بلدته لإخماد النيران. وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الجمعة أنّ "الحرائق خرجت عن السيطرة في منطقة جبل أكروم" المحاذية للحدود مع سوريا.

وقال وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى لوكالة فرانس برس إن "الحريق يمتد بشكل واسع وينتشر في الاتجاهات كافة بسبب الرياح"، مشيراً إلى تمدد ألسنة النيران إلى الأراضي السورية المجاورة.

ونقلت الوكالة عن مدير عمليات الدفاع المدني جورج أبو موسى، القول إن فرق الإطفاء تجهد لاحتواء الحريق لكن "ثمّة أماكن لا نستطيع الوصول إليها". وأمل مرتضى الحصول على مساعدة الدول الصديقة مثل قبرص واليونان وسوريا.

وفي الجهة السورية، أعلنت السلطات احتواءها الحرائق الممتدة من الأراضي اللبنانية باتجاه أراضيها، ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) الجمعة عن مدير الدفاع المدني سعيد العوض أنه تم "إخماد الحريق الذي امتدّ من الأراضي اللبنانية باتجاه قرية أكوم بمنطقة القصير بالكامل".

جنوب أوروبا يكافح

وفي جنوب أوروبا، اندلعت حرائق في عدد من الدول المطلة على البحر المتوسط منذ الاثنين الماضي، بسبب ارتفاع الحرارة والرياح القوية.

وفي اليونان، قال رئيس كيرياكوس ميتسوتاكيس إن فرق الإطفاء واجهت نحو 50 حريقاً، وتوقع المزيد بعد أن حذر خبراء الأرصاد من موجة حارة جديدة في أغسطس.

وقال كيرياكوس "أريد أن أؤكد أن أغسطس لا يزال شهراً عصيباً. هذا هو السبب في ضرورة أن نتوخى جميعاً، نحن وكل وكالات الدولة، أقصى درجات التأهب لحين انتهاء فترة مكافحة الحرائق رسمياً".

واحترقت، السبت، عشرات المنازل واصيب خمسة اشخاص بجروح في حريق غابات شمال غرب جزر بيلوبونيز قرب مدينة باتراس، وفقا لحصيلة موقتة للدفاع المدني اليوناني، الذي أكد أنه تم اخلاء خمس بلدات بسبب هذا الحريق الضخم الذي نشب جراء درجات الحرارة المرتفعة.



وقال مسؤولو الإطفاء إن الإهمال في المزارع ومواقع البناء كان السبب وراء بعض الحرائق وخاصة في منطقة بيلوبونيس. ولم ترد تقارير عن وقوع إصابات.

وتتناقض الأوضاع في جنوب أوروبا تماماً مع الأمطار الغزيرة والعواصف التي اجتاحت دول الشمال من النمسا إلى بريطانيا بعد الفيضانات الكارثية في ألمانيا والدول المجاورة لها الأسبوع الماضي.

وفي جزيرة سردينيا الإيطالية، وصلت طائرات من فرنسا واليونان لدعم الطائرات المحلية التي تكافح الحرائق في الجزيرة حيث احترق أكثر من أربعة آلاف هكتار من الغابات. وتم إجلاء أكثر من 350 من السكان.

وفي صقلية، اندلع الحرائق قرب بلدة إيريس، بينما دمرت الحرائق 1500 هكتار في إقليم كطالونيا الشمالي الغربي لإسبانيا، لكن الأوضاع استقرت بنسبة 90% اليوم الاثنين، وفقاً لما ذكره مسؤولو الإطفاء.

مستقبل متوسطي أسوأ

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن كاجاتاي تافسان أوغلو، أستاذ علم الأحياء المتخصص في علم بيئة الحرائق بجامعة هاسيتيب في أنقرة بتركيا ، القول إن الحرائق في حوض البحر الأبيض المتوسط تحدث سنوياً ، لكن نطاق الحرائق هذا العام يجب أن يكون بمثابة تحذير بشأن مخاطر تغير المناخ.

وقال أوغلو: " لم تستطع السلطات إخماد العديد من الحرائق، لأنها تنتشر بوتيرة سريعة جداً بتأثير الرياح الجافة". وأوضح أن هذه الحرائق "ما هي إلا مؤشرات أولى عما سيفعله تغير المناخ بمنطقة البحر الأبيض المتوسط في المستقبل".

وفي ظل تنبؤات بارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار ثلاث درجات مئوية، فإن متوسط المساحة التي تحترق كل عام في جنوب أوروبا سيتضاعف، وفقًا لورقة بحثية نُشرت في مجلة "نيتشر" في عام 2018.

وحذر الباحثون من أنه حتى إذا ظل الاحترار أقل من 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه اتفاقيات باريس للمناخ ، فإن 40% من الأراضي يمكن أن تحترق، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".

وكانت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية وخدمة الأرصاد الجوية البريطانية توقعت في مايو الماضي  ارتفاع درجة الحرارة العالمية فوق 1.5درجة مئوية عما كانت قبل الثورة الصناعية، في السنوات الخمس المقبلة.

فنلندا.. الأسوأ منذ نصف قرن

وفي أقصى شمال أوروبا، تكافح فنلندا، المطلة علىبحر البلطيق و خليج بوتنيا، حرائق هي الأسوأ في نصف قرن، أتت على 300 هكتار خلال خمسة أيام في واد بشمال غرب البلاد في فصل صيف حار بشكل غير اعتيادي.

واندلعت الحرائق الإثنين الماضي، على بعد 25 كيلومتراً جنوب بلدة كلايوكي الساحلية المطلة على خليج بوثنيا. وقال مسؤول عمليات الإطفاء قرب كالايوكي يارمو هابانن لوكالة "فرانس برس"، السبت، إن الحرائق "لا تزال مشتعلة لكنها لا تمتد، وهي محصورة بـ 300 هكتار".

وأضاف أن إخماد النيران يمكن أن يستغرق "أسبوعاً على الأقل، ربما اثنين أو ثلاثة" لإطفاء الحريق بالكامل. وحذر من أنه "إذا واصل التغير المناخي رفع درجات الحرارة خلال فصول الصيف بهذا الشكل فستحصل (حرائق) بالتأكيد في كثير من الأحيان".

ويشارك قرابة 250 شخصاً بينهم جنود من الجيش وأربع مروحيات في جهود احتواء النيران. ويقول الخبراء إن الحريق هو الأكبر في فنلندا منذ 1971 عندما أتى حريق غابات على 1600 هكتار.

وقلما تحدث حرائق غابات في دول شمال أوروبا، وفي حال وقوعها تتم السيطرة عليها بسرعة. لكن حريقاً في السويد عام 2018 اجتاح قرابة 20 ألف هكتار.

نيران في أرض الجليد

تُعرف مدينة أكوتسك في سيبيريا الروسية بأنها أبرد مدينة في العالم. لكنها أصبحت الآن غارقة في دخان ناتج عن حرائق في الغابات التي اجتاحت سيبيريا وألاسكا وغرينلاند مؤخراً.

وقالت وزارة الطورائ الروسية، السبت، إنها تدرس زيادة عدد طائرات الإطفاء في حال تدهور وضع الحرائق في مدينة ياقوتيا، الواقع شرق سيبيريا، تضاف إلى 27 طائرة جوية تحاول إخماذ الحريق في المنطقة في الوقت الراهن.

وأشارت الوزارة إلى أن فرق الطوارئ في المدينة تحفر الخنادق لمحاصرة النيران ومنع انتقالها نحو المناطق السكنية.

ولفتت شبكة "سي إن إن"، إلى أن الحرائق في منطقة ياقوتيا أتت على أكثر من 6.5 مليون فدان منذ بداية العام، وفقاً للأرقام التي نشرتها خدمة حماية الغابات الجوية في البلاد، وهو ما يساوي حجم نحو 5 ملايين ملعب لكرة القدم الأميركية.

وأوضحت الشبكة الأميركية أن العديد من العوامل، مثل سوء إدارة الأراضي، تلعب دوراً في حرائق الغابات بالمنطقة، لكن تغير المناخ يجعل هذه الحرائق أكثر تواتراً وشدة.

في السنوات الأخيرة، تعهّدت روسيا، وهي من بين الدول المنتجة الرئيسية للنفط والغاز، بأخذ التغيّر المناخي على محمل الجدّ، على خلفية تكاثر حرائق الغابات كل صيف في سيبيريا وذوبان التربة الصقيعية الذي يعّرض للخطر مدناً عدة في القطب الشمالي.

وأكد الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، خلال خطابه السنوي في أبريل، أنه ينبغي على روسيا أن تتكيّف مع التغيّر المناخي وأمر بخلق صناعة لإعادة تدوير انبعاثات الكربون.

النيران تتأجج في الغرب الأميركي

ويصارع نحو 5400 رجل إطفاء منذ أسابيع للسيطرة على حريق "ديكسي فاير"، في غابات شمال كاليفورنيا، حيث أتى على غطاء نباتي تعادل مساحته مدينة شيكاغو. 

ويتسع نطاق الحريق منذ منتصف يوليو، بسبب الحرارة الخانقة والجفاف المقلق والرياح المتواصلة. كما أن "ديكسي فاير" هائل لدرجة أنه أنتج في الأيام الأخيرة سحباً تسبب البرق والرياح العاتية التي تساهم بدورها في تأجيج النيران.

وتبقى الحرائق في كاليفورنيا شائعة، لطنها أتت هذا العام على ثلاثة أضعاف الغطاء النباتي مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020، الذي كان الأسوأ في تاريخ كاليفورنيا من حيث الحرائق.

وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الحريق قد يكون ناجماً عن سقوط شجرة على خطوط الطاقة. وتعود هذه الخطوط لـ "باسيفيك غاز آند إلكتريك"، وهي شركة خاصة مسؤولة عن حريق "كامب فاير" الذي أتى تقريبا على بلدة برادايس وأودى بـ 86 شخصاً في عام 2018.

وبالإضافة إلى كاليفورنيا، يصارع رجال الإطفاء لإخماذ حرائق أخرى ضخمة في الغرب الأميركي، أكبرها حريق"بوتليغ فاير" في ولاية أوريغون الذي أتى في غضون أسبوعين على ما يعادل مساحة مدينة لوس أنجليس من غطاء نباتي وغابات. 

وتمتد الحرائق أيضاً عبر الحدود في كندا، وفي الغرب حيث سجل ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، رُصدت أكثر من العشرات من الحرائق خلال الأسابيع الأخيرة، امتد أحدها على مساحة أكثر من أربعين ألف هكتار وتم إخلاء نحو 900 منزل.