منحت إسرائيل تصريحاً بأثر رجعي الأحد، لـ9 بؤر استيطانية يهودية في الضفة الغربية المحتلة، وأعلنت بناء منازل جديدة داخل المستوطنات القائمة، وهي خطوات من المرجح أن تثير معارضة أمريكية، فيما طالبت فلسطين بتدخل دولي فوري وبقرارات ملزمة "تجبر الاحتلال على وقف عدوانه وإجراءاته".
وأعلن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر، موافقته على طلب وزير الأمن الداخلي إيتمار بن جفير بالاعتراف بـ9 بؤر استيطانية أقيمت في الضفة الغربية المحتلة، وسط توقعات بأن تثير الخطوة توتراً مع الولايات المتحدة؛ التي تعارض إقامة مستوطنات جديدة على أراضٍ يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها.
واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن القرار يأتي رداً على "العمليات الإجرامية"، مشيراً إلى أن "المجلس الأعلى للتخطيط والبناء في الإدارة المدنية سيجتمع خلال الأيام المقبلة للمصادقة على بناء وحدات سكنية جديدة في المستوطنات بالضفة الغربية".
وذكر مكتب نتنياهو في بيان أن "جزءاً من هذه المستوطنات قائم منذ سنوات عديدة وبعضها منذ عشرات السنين"، لافتاً إلى المصادقة أيضاً على مجموعة من القرارات منها "تعزيز قوات الشرطة وحرس الحدود في القدس وتوسيع العمليات ضد المحرضين على الإرهاب وداعميه".
واعتبر وزير المالية الإسرائيلي زعيم حزب "الصهيونية المتدينة" بتسلئيل سموتريتش أن القرار "سيفتح الباب أمام الموافقة على بناء عشرة الآلاف من الوحدات السكنية الاستيطانية الجديدة".
ويعتبر معظم القوى العالمية المستوطنات غير قانونية لاحتلالها أراضي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها. وتعارض إسرائيل ذلك، أقامت حكوماتها المتعاقبة أو وافقت على إقامة 132 مستوطنة منذ احتلال الضفة الغربية في حرب عام 1967.
وفي السنوات القليلة الماضية، أقام المستوطنون المتعصبون عشرات البؤر الاستيطانية دون إذن من الحكومة. ودمرت الشرطة بعضها وحصل البعض الآخر على موافقة بأثر رجعي. والبؤر التسعة التي حصلت على الموافقة الأحد هي أول مجموعة تقرها حكومة نتنياهو.
مطالب فلسطينية
وفي المقابل، اعتبر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أن "مصادقة حكومة الاحتلال الإسرائيلي على شرعنة 9 بؤر استيطانية في الضفة الغربية، مدان ومرفوض وهو تحدٍّ للجهود الأميركية والعربية، واستفزاز للشعب الفلسطيني، وستؤدي لمزيد من التوتر والتصعيد".
وقال أبو ردينة في بيان أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" إن "الإجراءات الأحادية مرفوضة حسب قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات الثنائية".
وشدد على أن "الاستيطان كله غير شرعي وكله إلى زوال، وهو مخالف للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن بما فيها قرار 2334"، مؤكداً أنه "لن يكون هناك أمن أو استقرار في المنطقة دون إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية".
وتبنّى مجلس الأمن عام 2016 القرار 2334 الذي ينص على أن المستوطنات الإسرائيلية تشكل "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي"، مشدداً على "وجوب أن تتوقف على الفور وبشكل كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية".
ونقلت وكالة "وفا" عن وزارة الخارجية الفلسطينية قولها إن قرارات مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر يعد "تجاوزاً لجميع الخطوط الحمراء"، ويشكل "استخفافاً" بالجهود المبذولة لوقف التصعيد، ووصفتها بـ"تصعيد خطير" يهدد بتفجير ساحة الصراع.
وأكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ أن "القيادة الفلسطينية ستدرس سبل الرد على التصعيد الكبير في قرارات الكابينت (الحكومة) الإسرائيلي سواء تجاه القدس ومواطنيها، وما يسمى بشرعنة البؤر الاستيطانية".
واعتبر الشيخ على تويتر أن "هذه الحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني تتطلب تدخلاً دولياً فورياً وبقرارات ملزمة تجبر الاحتلال على وقف عدوانه وإجراءاته".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد تعهد، في ديسمبر الماضي، بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية بعدما استعاد السلطة في حكومة تعتبر الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
رفض أميركي
ولم يصدر بعد تعليق من السفارة الأميركية. لكن السفير توماس نايدز أوضح الشهر الماضي أن إدارة الرئيس جو بايدن ستعارض مثل هذه التحركات.
وقال نايدز لهيئة البث العامة الإسرائيلية (راديو كان) "نريد أن نحافظ على بقاء رؤية حل الدولتين. إنه (نتنياهو) يدرك أننا نعلم أن النمو الاستيطاني الهائل لن يحقق هذا الهدف".
وأضاف في مقابلة مع الهيئة يوم 11 يناير: "لقد كنا واضحين للغاية بشأن أفكار إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية، والتوسع الاستيطاني الهائل لن يحافظ ذلك على رؤية حل الدولتين، وفي هذه الحالة سنعارضه وسنكون واضحين للغاية في معارضتنا".
فيما رحب زعيم المستوطنين في الضفة الغربية يوسي داجان بإعلان حكومة نتنياهو، لكنه دعا إلى "الإزالة الكاملة للقيود المفروضة على البناء (الاستيطاني)".
انقسام الحكومة
لكن خلال الشهر الماضي، طفا انقسام بشأن سياسة الاستيطان إلى السطح، بعدما أوعز وزير الدفاع يوآف جالانت إلى قوة إسرائيلية بتفكيك بؤرة استيطانية عشوائية في شمال الضفة الغربية تدعى "أور حاييم".
لكن القرار شهد اعتراضاً من قبل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن جفير على هدم المستوطنة، مع أن الدولة تعتبرها غير قانونية.
وقال بن جفير "لن يكون هناك قانون للعرب وآخر لليهود.. القانون قانون"، مطالباً بهدم بناء فلسطيني غير مرخص في أعقاب إخلاء البؤرة الاستيطانية.
ويتمتع بن جفير بسلطة على شرطة حرس الحدود العاملة في الضفة الغربية، بينما يتولى سموتريتش دوراً في الإشراف على الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية.
أما رئيس الوزراء نتنياهو، فوافق جالانت على تفكيك البؤرة الاستيطانية، مشيراً إلى ضرورة "التنسيق المسبق مع رئيس الوزراء والقادة الأمنيين، وهو ما لم يتم في حالة" أور حاييم.
ودفعت طريقة تعامل الحكومة مع القضية، سموتريتش إلى مقاطعة اجتماع لمجلس الوزراء. لكنه بعد يومين من إخلاء البؤرة مرة أولى، عاد الجنود لطرد المستوطنين الذين وصلوا مجدداً في محاولة لإعادة بنائها.
ويعد الاستيطان غير قانوني بموجب القانون الدولي، لكن إسرائيل ترى أن هناك فرقاً بين البؤر العشوائية التي تبنى من دون إذنها، وتلك التي وافقت عليها، ويقطن فيها نحو 475 ألف إسرائيلي.