بعد عقد على مجزرة أوتويا النرويجية.. ناجون يودون مواجهة جلاديهم

time reading iconدقائق القراءة - 8
أندرس بيرينغ بريفيك يرفع يده اليمنى في محكمة بورغارتينغ في سجن تيليمارك، النرويج. 10 يناير 2017 - REUTERS
أندرس بيرينغ بريفيك يرفع يده اليمنى في محكمة بورغارتينغ في سجن تيليمارك، النرويج. 10 يناير 2017 - REUTERS
اوتويا- أ ف ب

يرغب الناجون من مذبحة أوتويا في النرويج تصفية حساباتهم مع إيديولوجية اليمين المتطرف التي كلّفت في ذاك اليوم 77 شخصاً حياتهم، بعد مرور عشر سنوات على الهجوم الأكثر دموية في تاريخ البلاد.

ورغم أن الجزيرة الواقعة في وسط بحيرة على بعد نحو أربعين كيلومتراً من أوسلو، استعادت زخمها مع زحمة طلاب يتجولون ببهجة في أزقتها الخضراء ومنازل خشبية مجدّدة، لكنّ آثار ثقوب الرصاص على جدران محفوظة وأسماء الضحايا المنقوشة على نصب تذكاري تبقى شاهدة على فظاعة ما جرى في 22 يوليو عام 2011.

في ذاك اليوم، أقدم المتطرف اليميني أنديرس بيرينغ بريفيك، متنكراً بزي شرطي، على إطلاق النار على مدى ساعة وربع الساعة، على حوالي 600 مشارك في المخيم الصيفي لرابطة الشبيبة العمالية، ما أودى بحياة 69 شخصاً غالبيتهم مراهقون.

وقبل المجزرة بوقت قليل، فجّر بريفيك قنبلة قرب مقر الحكومة في أوسلو، ما أزهق أرواح 8 ضحايا. وتحيي النروج الخميس الذكرى العاشرة للمأساة التي يأمل الناجون أن يتمكنوا من طيّ صفحتها.

"محاكمة الإيديولوجية"

وقالت الناجية أستريد ايدي هوم "كيف يمكن لشباب بيض نشأوا مثلنا في النروج وارتادوا المدارس ذاتها وعاشوا في الأحياء نفسها، أن يطوروا وجهات نظر متطرفة لهذه الغاية، اعتقدوا أنها تخوّلهم القتل؟"، مضيفة "لقد فشلنا في مناقشة ذلك".

يومها، ظنت الشابة البالغة حينها 16 عاماً أن ساعتها قد اقتربت، بعدما حوصرت مع المئات من الشباب على الجزيرة تحت رحمة مطلق النار.

وتستعيد كيف بعثت رسالة قصيرة إلى والديها بينما كانت تختبئ كتبت فيها "أحبّكم أكثر من أي شيء على وجه الأرض. لا تتصلوا بي. أنتم أفضل والدين في العالم". وفي الأسبوعين اللاحقين، لم تعلم أي مراسم دفن عليها حضورها، نظراً لعدد أصدقائها الذين لقوا حتفهم.

ورغم أنّ القضاء حكم على منفذ المجزرة بأقصى عقوبة، 21 عاماً في السجن قابلة للتمديد إلى أجل غير مسمى، إلا أن أستريد، التي باتت رئيسة رابطة الشبيبة العمالية تأسف لأن بلدها "لم يحاكم بعد القناعات التي حرّكت القاتل".

وقالت "ناقشنا عدم جهوزية خدمات الطوارئ، وعدد ضباط الشرطة الذي توجّب أن يكون في الشارع وعدد المروحيات والنصب التذكارية والصحة العقلية لبريفيك، لكن الإيديولوجية السياسية التي كانت وراء ذلك لم تُناقش". وأضافت "الاستجابة الرئيسية لحماية أنفسنا، هي تلك الموجودة قبل حواجز الشرطة، وهي منع التطرف".

على خطى بريفيك

وشكلت النروج في أغسطس من العام 2019 مرة جديدة مسرحاً لهجوم من اليمين المتطرف، بعدما أقدم فيليب مانهاوس (21 عاماً حينها) على قتل أخته غير الشقيقة من أصول آسيوية بدافع عنصري، ومن ثم فتح النار داخل مسجد في ضواحي أوسلو، قبل أن يلجمه المصلون من دون أن يتسبّب ذلك بإصابات خطرة.

وتقول إيلان لاسترانج، التي فرّت من أوتويا سباحة، "طالما أن هناك أشخاصاً ما زالوا يؤمنون بأفكار بريفيك، وطالما أن جريمة إرهابية أخرى حدثت في النروج ارتكبها شخص متأثر بشدة ببريفيك، فهذا يبرهن أننا لم ننجح في معالجة الجانب السياسي للهجوم".

وتضيف "في الولايات المتحدة ونيوزيلندا والعديد من الدول الأخرى، وقعت هجمات مستوحاة مباشرة من بريفيك. إنها حركة عالمية خطرة يتعين علينا أخذها على محمل الجدّ".

معضلة إدانة المجزرة

وفي أوتويا كما في أوسلو، حيث مقر ائتلاف اليسار الذي يقوده السياسي النرويجي ينس ستولتنبرغ، وهو يشغل حالياً منصب أمين عام حلف شمال الأطلسي، تعمّد بريفيك استهداف حزب العمال. وحمل على هذه القوة السياسية المهيمنة تاريخياً على النرويج، لجعلها البلد مساحة لتعدد ثقافي يمقته بشدّة.

وفي كل مرة، يرغب فيها ضحايا الأمس بمناقشة الجذور الأيديولوجية للمجزرة وإدانة الخطاب المعادي للمهاجرين، والتحريضي أحياناً، الصادر عن اليمن الشعبوي، يُتهمون بمحاولة استغلال المأساة. لكنهم يردون بأنّ حريّة التعبير لا يمكن المسّ بها.

ويقول الصحافي والنائب السابق عن اليسار سنور فالن، مؤلف كتاب "خارطة أوتويا"، "لقد تمّ كمّ أفواه رابطة الشبيبة العمالية بعد 22 يوليو".

ويوضح في مقال رأي نشره "لقد وجد المقيتون مكاناً تحت الشمس. وعلى رابطة الشبيبة العمالية أن تبقى مختبئة".

وتعهد حزب العمال، وهو في وضع جيد لتولي مقاليد السلطة بعد الانتخابات التشريعية في 13 سبتمبر، بناءً على طلب من شبيبته، بتشكيل لجنة مهمتها التحقيق في آليات التطرف.