
بين 13 أكتوبر 1990 و13 أكتوبر 2020 ثلاثون عاماً من عمر لبنان، الوطن الذي مزقته حروب كثيرة ولم يتسنّ له الاستقرار إلا قليلاً.
في 13 أكتوبر 2020، أطفأ الرئيس اللبناني ميشال عون شمعته الرابعة رئيساً للبنان، فماذا تغير خلال ثلاثين عاماً؟ وأين يقف الرجل بين هذين الزمنين؟ زمن خروجه من القصر الرئاسي ليلجأ إلى السفارة الفرنسية في بيروت، وزمن جلوسه على كرسي الرئاسة في المكان ذاته؟
تضحيات رفاق السلاح
يقول اللواء عصام أبو جمرا، نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق لـ"الشرق": "للأسف، كل التضحيات وعشرات الشهداء ومئات الجرحى الذين سقطوا، ومقاومتنا للاحتلال السوري آنذاك، جميعها جرى تقزيمها من أجل وصول رجل (العماد عون) إلى كرسي الرئاسة".
تعود الذاكرة باللواء أبو جمرا، الذي رافق عون لأكثر من ستين عاماً، إلى تلك المرحلة ليضيف: "كانت المبادئ التي جمعتنا نحن مجموعة من الضباط والمناضلين تتمحور حول مطلب بناء الدولة السيدة الحرة المستقلة، وكان هدف عملية 13 أكتوبر إلغاء هذه المجموعة لأننا رفضنا المساومة ولم ندخل في التسويات".
قرار مسبق
ويلفت أبو جمرا إلى أن "مدير المخابرات في الجيش اللبناني آنذاك العميد عامر شهاب أعد في ذلك الحين ورقة تفاهم وقعها العماد عون حينها كمقدمة لتسوية تمهد لاتفاق ما، لكن القرار كان قد أتخذ بالهجوم علينا". وأردف: "كنّا على جهوزية تامة لصد الهجوم البري على كل الجبهات، والذي كان متوقعاً في أي لحظة، وكنا سنفاجئ الجيش السوري، ولكن ما لم يكن في الحسبان هو تمكن الجيش السوري من استخدام سلاح الطيران".
ويتابع أبو جمرا: "كانت التسوية الكبرى قد حصلت، وهذا ما سمح للطيران الحربي السوري بشن غارات على قصر بعبدا وأماكن أخرى"، مشيراً إلى أن "الهجوم الجوي هو الذي أسقط عون، ودفعه إلى مغادرة قصر بعبدا باتجاه السفارة الفرنسية في بيروت"، ويقول: "اتصلت عند الساعة الثامنة إلا ربعاً صباحاً، فأبلغوني أن عون غادر باتجاه السفارة".
ويضيف أبو جمرا: "لم يُبلغ عون الضباط الميدانيين بقرار وقف العمليات العسكرية الدفاعية، بل اكتفى قبل رحيله بإبلاغ مدير العمليات العميد جان فرح بقراره، أي أن الإمرة العسكرية أصبحت بيد العماد إميل لحود (الذي عينته حكومة الرئيس سليم الحص قائداً للجيش اللبناني على اعتبار أن العماد ميشال عون خارج عن الشرعية)".
خدمة لمشروع باسيل
ويختم أبو جمرا حديثه لـ"الشرق" بالقول: "للأسف، ذهبت كل تضحياتنا هباء، وبعد سنوات ونضال طويل، وصل العماد عون إلى كرسي الرئاسة، كنا نتوقع الكثير الكثير وكنا ننتظر وضع الأمور في نصابها، ولكن تبين أن كل شيء هو فقط خدمة لمشروع صهره جبران باسيل بالوصول إلى الرئاسة، ليس أكثر".
محطة حزينة
من جهته، يعتبر عضو تكتل لبنان القوي النائب آلان عون أن "13 أكتوبر محطة حزينة في تاريخ التيار الوطني الحر، ولكن لها رمزية كبيرة، فهي بداية مسيرة من النضال الطويل لأجل تحقيق استقلال لبنان من الوجود السوري، أعقبتها محطات أخرى أكثر إيجابية، خاصة ما بعد عام 2005 (الذي شهد عودة الرئيس عون من منفاه في فرنسا)".
الشراكة في القرار الوطني
ويضيف عون في حديثه لـ"الشرق": "نحن اليوم في مرحلة مختلفة، بعد ثلاثين عاماً عدنا إلى لبنان وإلى السلطة، كان صراعنا الأساسي مع الاحتلال السوري الذي انتهينا منه، ولم نعد مبعدين ومهمشين". ويلفت إلى أن عودة التيار الوطني الحر "أعادت التوازن إلى السلطة وأعادت الشراكة في القرار الوطني اللبناني"، لكن التيار بحسب عون "لم ينجح بتحقيق أحلامه القديمة والكبيرة بسبب تناقض القرار وتضارب الصلاحيات".
التاريخ يعيد نفسه
بدوره، يقول الوزير السابق والنائب الحالي مروان حمادة لـ"الشرق" "إن محطة 13 أكتوبر 1990 توّجت مجموعة من الحروب التي قادها العماد ميشال عون، من قصف المناطق الغربية لبيروت والجية والدامور (جنوب العاصمة بيروت) إلى حرب الإلغاء التي خاضها عون ضد حزب القوات اللبنانية".
ويُشير حمادة، وهو السياسي الذي تابع تلك المرحلة عن كثب إلى أن "التاريخ يعيد نفسه"، لافتاً إلى أن "عون، الصدامي، الذي تمرد على الدستور الذي وافقت عليه مختلف القوى اللبنانية في الطائف، رفض كل التسويات التي قُدمت إليه، ومنها مبادرة وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل ومبعوث جامعة الدول العربية آنذاك الأخضر الإبراهيمي، والتي نصّت على مشاركة عون في الحكومة كوزير للدفاع مع احتفاظه بقيادة الجيش، والتي كانت لتشكل مقدمة للمصالحة، لكن عون رفضها جميعها".
وإذ يلفت حمادة إلى أن "تعنت ميشال عون لم يترك للصلح مكاناً"، يشير إلى أن الأخير "لم يقرأ المتغيرات الدولية، ولم ينتبه للمناورة الذكية التي قام بها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في حرب الكويت، والتي فتحت له باب السيطرة على لبنان بضوء أخضر أميركي وغطاء عربي".
ويؤكد حمادة في حديثه لـ"الشرق" أن عون وبعد ثلاثين عاماً "يحاول الانقضاض على اتفاق الطائف بالممارسة منذ توليه سدّة الرئاسة، سواء في أدائه داخل جلسات مجلس الوزراء أم في الأعراف والبدع التي يحاول تثبيتها في عملية تشكيل الحكومات، مستنداً إلى القوة التي يوفرها له حليفه الأقرب أي حزب الله"، ويختم بالقول: "عون لم يكن للحظة واحدة مؤمناً بدستور الطائف".