أعلنت موسكو عن مشروع اتفاق مع الخرطوم، لإنشاء مركز لوجستي للأسطول الروسي على الساحل السوداني في البحر الأحمر.
وينص المشروع على أن تعرب الخرطوم لموسكو عن موافقتها على إنشاء ونشر مركز لوجستي على أراضيها، وتطوير وتحديث بنيته التحتية، لصيانة السفن الحربية الروسية وتموينها واستراحة أفراد طواقمها.
"سفن نووية"
وينص الاتفاق على أن المركز المقترح سيكون قادراً على استيعاب السفن المزودة بتجهيزات نووية، على ألا يزيد عدد السفن الراسية فيه في وقت واحد عن 4، وألا يتجاوز الحد الأقصى لعدد أفراد المركز 300 شخص.
ويعتقد كثير من المراقبين أن لهذه الاتفاقية التي تمتد لـ 25 عاماً، أبعاداً كبيرة ومهمة للمنطقة.
ويشير خبراء استراتيجيون إلى أن أغلب تسليح الجيش السوداني مصدره من روسيا، وأن القوات المسلحة السودانية تحتاج لموسكو لإمدادها بقطع الغيار، فضلاً عن أنه حتى الصناعات الثقيلة للجيش السوداني قوامها وعمادها هو التعاون مع الشركات الروسية.
وكان الرئيس السابق عمر البشير، قدم خدمات للأميركيين، تضمنت بناء أكبر قاعدة للتنصت في ضاحية سوبا جنوبي الخرطوم، لمساعدة قوات القيادة العسكرية الإفريقية "أفريكوم" في مهامها بالمنطقة.
استعادة الفرص المفقودة
ويقول عضو لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، فرانز كلينتسيفيتش، إن روسيا موجودة في جميع المحيطات والبحار.
وأضاف كلينتسيفيتش في تصريح خاص لـ"الشرق": "مرت فترة كان يمكن فيها لروسيا أن تأتي وتجري إصلاحات طفيفة، وتتزود بالوقود، وتعطي الطاقم فرصة للراحة، وكان لدينا ما يكفي، لكن منذ عام 1991 فقدنا هذه الفرص وخسرنا مواقع أساطيلنا البحرية وقواعدنا العسكرية، لكن الأوضاع اليوم تثبت أن وجود مثل هذه الأماكن مهم للغاية".
وتابع: "إنه يضمن أمن بلدنا على نهج المسافات الطويلة، ويوفر خدمة مريحة لأفرادنا العسكريين الذين ينتقلون لمسافات طويلة، لذا فهذه ممارسة عادية".
وشدد كلينتسيفيتش على أن حلف شمال الأطلسي "الناتو"، لديه 800 قاعدة في دول مختلفة، والولايات المتحدة لديها 700 قاعدة عسكرية مختلفة في الخارج.
"عاصفة من السخط"
ويرى كلينتسيفيتش أن وجود الجيش والبحرية الروسيين في السودان، تسبب في "عاصفة من السخط".
ولفت إلى أن روسيا تجد حالياً فرصة "لضمان أمنها، لبناء نوع من الحد الأدنى من النظام الذي سيمكنها من أن تكون الأولى في المنطقة ".
ويتوقع المسؤول الروسي أن يسبب وجود العسكريين الروس احتراماً وموقفاً مختلفاً بعض الشيء تجاه الوضع الحالي، وأن يكتسب السودان الاستقرار من هذه الخطوة من خلال العمل مع موسكو.
وزاد: "في المجموع لدينا نحو 9 قواعد ومواقع مختلفة للقوات العسكرية الروسية خارج بلادنا، مقارنة بـ 700 لدى الأميركيين، حسناً من المسالم هنا ومن هو العدواني؟"
"مجد الاتحاد السوفيتي"
وكان لدى الاتحاد السوفييتي السابق قواعد عسكرية بحرية وبرية خارجية في عدد من دول العالم، من بينها في كوبا منذ عام 1962، والصومال (1964-1978)، واليمن منذ عام 1972، وليبيا ( 1977-2011)، ومصر (1967-1972)، وإثيوبيا (1977-1991)، ودول أخرى، كما تدرس روسيا منذ سنوات إقامة قاعدة عسكرية جديدة في مصر.
فوائد وصعوبات
ويرى فيكتور ليتوفكين، وهو عقيد متقاعد و خبير استراتيجي ومحلل عسكري بوكالة "تاس" الروسية، أن الخطوة الروسية – السودانية تحمل عدة جوانب إيجابية للطرفين.
وقال ليتوفكين لـ"الشرق": "أعتقد أن إنشاء مركز لوجستي للسفن الروسية، سيسهم في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، لماذا؟ أولاً هذا طريق تجاري مهم جداً من المحيط الأطلسي عبر البحر الأبيض المتوسط ، وقناة السويس، ثم البحر الأحمر، ومضيق باب المندب إلى المحيط الهندي، حيث غالباً ما يهاجم القراصنة الصوماليون السفن التجارية ويختطفونها، ولذلك فإن وجود مركز مادي للجيش الروسي هناك سيساعد على الحد من مثل هذه الأعمال".
وأضاف ليتوفكين: "ثانياً سيساعد ذلك السفن الروسية، الموجودة في المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط في الحصول على المياه العذبة والوقود ومواد التشحيم في الوقت المناسب، وإراحة الأفراد على الشاطئ، كما أنه سيعزز علاقاتنا ليس فقط مع السودان، ولكن أيضاً مع مصر، لأن هذه دول صديقة لنا، ونقود معها التعاون العسكري التقني".
وأشار ليتوفكين إلى أن ظروف الطقس "هناك قاسية للغاية، كنت هناك عام 1964 في بورتسودان، كنت بحاراً في رحلة أجنبية هناك، حتى في فبراير ليلاً، تصل درجة الحرارة إلى 40 درجة".
وفي تعليقه عمّا إذا كانت روسيا تعود بهذه الخطوة إلى البحار والمحيطات قال الخبير الروسي: "هذه هي الخطوات الأولى، بالطبع، يمكننا القول إن روسيا ستعود الى المحيطات، لكن حتى الآن ليس لدينا سفن كافية مقارنة بالاتحاد السوفييتي، ففي اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، كان هناك السرب البحري الخامس على أساس دائم في البحر المتوسط، وليس لدينا سرب هناك حتى الآن".
واعتبر ليتوفكين أنه سيكون من الجيد أن يكون لدى روسيا قاعدة في اليمن، في عدن وإثيوبيا وإريتريا، على الرغم من وجود صعوبات هناك، لكنه سيكون من الجيد أن يكون لدى موسكو قاعدة في نيكاراغوا وفنزويلا، لكن هذا يتطلب اقتصاداً أكثر قوة.