شهدت الساحة السياسية الدولية والعربية دعوات مكثفة بالإسراع في تحديد موعد جديد للانتخابات الرئاسية في ليبيا، بعد الإخفاق في إجرائها في الموعد المحدد مسبقاً في 24 ديسمبر، في حين تشهد الساحة الداخلية خلافات.
ومع تأجيل الانتخابات، دعا رئيس "المجلس الأعلى للدولة" في ليبيا خالد المشري، مجلس النواب الأحد إلى التوافق معه، وعدم "القفز" على الاستحقاقات الانتخابية.
وحذر المشري في جلسة لـ"مجلس الدولة" بثتها صفحة المكتب الإعلامي للمجلس على فيسبوك من أي خطوة يتخذها البرلمان بشكل منفرد، بدون التشاور مع المجلس، قائلاً إن هذه الخطوة "ستؤول للفشل".
وأشار إلى أن هناك تواصلاً ومحاولات لحلحلة الأزمة مع مجلس النواب، لكنه أكد عدم وجود تصور واضح ودقيق حتى الآن.
وأضاف أن هناك تواصلاً مع قيادات مجلس النواب لتكون جلسته المقرر عقدها الاثنين، محاولة للتوافق وليس للتحرك بشكل منفرد، حتى لا يتم الوصول إلى النتيجة نفسها بشأن الانتخابات.
استعداد أممي لتذليل العقبات
وتواصل الأمم المتحدة الحوار السياسي مع الأطراف الذين أفرزت محادثاتهم في العام الماضي خارطة الطريق الحالية، وأفضت إلى تشكيل الحكومة المؤقتة.
وقالت المستشارة الأممية إلى ليبيا ستيفاني وليامز لصحيفة "الشرق الأوسط"، إن تحديد موعد جديد للانتخابات الليبية "يعود للسلطات المختصة في ليبيا، أي مجلس النواب والمفوضية والقضاء. والأمم المتحدة على أتم الاستعداد لمساعدة الليبيين على تذليل جميع الصعوبات وإيجاد ظروف مناسبة وفي أسرع وقت ممكن من أجل ضمان عقد انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية".
وأردفت: "أريد التشديد على أن أعضاء البرلمان وهم نحو 170 عضواً منتظماً يتحملون الآن مسؤولية تاريخية ووطنية للاستجابة بسرعة وكفاءة لتوصيات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، هذا يعني أنهم بحاجة للعمل وبقوة وتصميم وإرادة للقيام بما هو ضروري. جميع الأنظار تتجه إليهم الآن".
وأوضحت وليامز أن "قرارات البت في موعد الانتخابات وفي أهلية سيف الإسلام القذافي للترشح شأن ليبي خاص يتخذه القضاء"، داعية جميع الأطراف إلى "الامتثال لما يصدر من أحكام".
ورداً على سؤال بشأن أحقية رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة في الترشح بعدما تعهد بعدم القيام بذلك، أجابت وليامز: "جميع من كانوا مترشحين لمناصب السلطة التنفيذية خلال عملية ملتقى الحوار السياسي الليبي تقدموا بتعهدات مكتوبة بعدم الترشح في هذه الانتخابات، ويجب على الجميع احترام السيادة الليبية واستقلالية القضاء".
استياء ليبي
وفي سياق متصل، فجّرت السفارة البريطانية في ليبيا، عبر سلسلة تغريدات على تويتر، استياء الشارع الليبي الذي اعتبرها تدخلاً في الشأن الليبي، وذلك بعد أن قالت إنها "ستواصل الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية كسلطة مكلفة بقيادة ليبيا إلى الانتخابات، ولا تؤيد إنشاء حكومات أو مؤسسات موازية".
وأعربت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي عن استنكارها للبيان البريطاني الذي اعتبرته "تدخلاً غير مقبول في الشأن الليبي الداخلي"، كما اعتبرته "انتهاكاً للأعراف الدبلوماسية وقد تسبب باستياء شعبي في جميع أنحاء البلاد".
وشددت اللجنة في بيان على أن "الشعب الليبي عبر المؤسسات الرسمية التي تمثله هو صاحب القرار في شؤون بلاده"، مؤكداً أن "اختيار حكومة جديدة أو الإبقاء على الحالية هو خيار لمجلس النواب الليبي، ويجب على الجميع احترام قواعد الحكم الديمقراطي".
وأكد البيان الليبي "حرص مجلس النواب على الوفاء بتطلعات الشعب الليبي في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت ممكن وحلحلة جميع العراقيل التي تواجه ذلك"، مشيراً إلى أن "المجلس قام بواجباته في إقرار قانون الانتخابات البرلمانية والرئاسية ومتابعة عمل المفوضية العليا للانتخابات".
ودعت اللجنة "الجميع إلى المساهمة في خلق ظروف مناسبة للانتخابات من خلال تجنب التصعيد الإعلامي وإثارة الخلافات والفتن الداخلية، في الوقت الذي يسعى مجلس النواب إلى تحقيق أكبر قدر من التوافق المحلي والدولي".
مطالب أميركية وأوروبية
يأتي ذلك بعد أيام من دعوة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، في بيان مشترك، السلطات الليبية إلى "احترام تطلعات الشعب الليبي في إجراء انتخابات فورية من خلال التحديد السريع لموعد الاقتراع وإصدار القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة من دون تأخير"، وذلك بعد الإخفاق في إجرائها بالموعد الذي كان محدداً له مسبقاً.
وتوعدت الدول الخمس "الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها"، التي تعرقل أو تقوّض أو تتلاعب أو تزور العملية الانتخابية والانتقال السياسي، بعقوبات أممية.
وأشاد البيان المشترك بـ"الإعداد الفني واللوجيستي الذي قامت به المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لإجراء الانتخابات"، مذكراً بأن "الانتخابات الحرة والنزيهة وذات المصداقية ستسمح للشعب الليبي بانتخاب حكومة تمثيلية وموحدة. ومن المهم الحفاظ على الزخم نحو هذه الأهداف".
تأكيدات جامعة الدول العربية
من جانبها حثت جامعة الدول العربية "جميع الأطراف الليبية على ضرورة إعلاء المصلحة العليا للبلاد، وجعلها فوق أي حسابات ومصالح ضيقة، وإنجاز الاستحقاق الانتخابي قريباً"، داعية إلى اعتماد الحوار "كوسيلة وحيدة لحلحلة الخلافات، واستبعاد خيارات العنف والاحتكام للسلاح أو التلويح به".
وقال مصدر مسؤول بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، إن الأمين العام أحمد أبو الغيط، أكد أن ليبيا "تمر بمنعطف خطير" يفرض على الجميع التكاتف والتعاون لإنجاز الاستحقاق الانتخابي في أقرب الآجال، وبما يفضي إلى تحقيق مصلحة الشعب الليبي في اختيار المعبرين عن إرادته، ويحافظ على وحدة وسيادة الدولة".
كما شدد المصدر على أن "الإرادة الدولية ومثلما تم التعبير عنها في أكثر من محفل خلال الشهور الأخيرة، تؤكد على محورية إجراء الانتخابات الليبية، وإنهاء الوجود العسكري الأجنبي بكافة صوره، باعتبار ذلك ضرورة لاستقرار ليبيا، بعيداً عن تأثيرات الحرب الأهلية التي شهدتها مؤخراً".
"محاولة هروب"
وكانت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا أعلنت، الأربعاء الماضي، أنه على الرغم من استعدادها الفني، إلا أنها غير قادرة على التقيد بتاريخ 24 ديسمبر الذي حددته خارطة الطريق السياسية للانتخابات الوطنية، مقترحة 24 يناير موعداً آخر لإجرائها.
وطالبت المفوضية مجلس النواب بتحديد موعد آخر للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية خلال 30 يوماً، وفقاً للقانون، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الصعوبات التي تواجه استكمال العملية الانتخابية.
إلى ذلك، اعتبر رئيس التجمع الوطني للمصالحة الدكتور إدريس الجدك، أن تحديد المفوضية تاريخاً جديداً "مجرد محاولة هروب إلى الأمام، دفعاً للحرج، وخلق فرصة جديدة للمراوغة والتحايل".
وأضاف الجدك في تصريح لـ"الشرق"، أن "مجلس النواب والمفوضية العليا للانتخابات يتحملان وحدهما المسؤولية الأدبية والأخلاقية في فشل إجراء الاقتراع بموعده المحدد"، منبهاً إلى أنهما "صما أذانهما عن الاستشارات والنصائح التي قدمت من مختلف مكونات المجتمع، وكيانات المجتمع المدني، ضاربين عرض الحائط بمبدأ التوافق".
من جانبها، حمّلت عضو مجلس النواب الليبي أسماء الخواجة، المفوضية العليا للانتخابات مسؤولية الفشل في إجراء الاقتراع، وشككت في التاريخ الجديد الذي اقترحته، مرجعة السبب إلى أنها "تكرر الخطأ ذاته".
وأوضحت الخواجة أن "الموعد الجديد الذي وضعته المفوضية غير واقعي، ومجرد مسكن"، ورأت أن "الانتخابات لن تتم حتى بعد 24 يناير المقبل، لأن الأسباب نفسها ما زالت قائمة"، واختتمت: "المفوضية لا تملك الخطة، أو الرؤية الواضحة، ولا الجدول الزمني لإجراء هذه العملية".
رفض الحكومة الموازية
وقال عضو المكتب السياسي لحزب السيادة الوطنية عبد الحميد القطروني، أحد المشاركين في مظاهرة رفض تأجيل الانتخابات في مدينة بنغازي لـ"الشرق"، إن المتظاهرين يريدون الانتخابات دون تعطيل، لافتاً إلى رفض مقترح تشكيل حكومة موازية، باعتباره "مضيعة للوقت والجهد"، ومساهمة في تجاوز المدة المحددة.
واستبعد القطروني، في تصريح لـ"الشرق"، إجراء الانتخابات في المدى القريب، ولفت إلى أن "الوضع الأمني في العاصمة طرابلس متوتر، والمليشيات تحاصر البلد".
وحذر من عدم تمكن البرلمان في جلسته المقرر لها 27 ديسمبر، من إقرار خارطة الطريق، قائلاً: "سوف ندخل في فراغ تشريعي وتنفيذي غير واضح المعالم".
وأوضح عضو مجلس النواب ميلود الأسود، لـ"الشرق" أن "حكومة الوحدة الوطنية ما زالت حكومة تصريف أعمال كما حدد البرلمان، وستبقى كذلك إلى أن يعقد المجلس جلسته في 27 ديسمبر". وشدد على أن "الجلسة المقبلة تحسم الإبقاء عليها، أو تشكيل أخرى بديلة".