الجيش الألماني.. أسلحة مفقودة وشبكة يمين متطرف

time reading iconدقائق القراءة - 9
وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارنباور في زيارة لثكنة عسكرية بمدينة إرفورت  - AFP
وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارنباور في زيارة لثكنة عسكرية بمدينة إرفورت - AFP
برلين-سميح عمري

ارتبطت سمعة الجيش الألماني في السنوات الأخيرة بسلسلة فضائح هزت الرأي العام في البلاد، بدءاً من تقارير عن حالات اغتصاب حدثت في ثكنات عسكرية، تلاها الكشف عن غرفة اجتماعات مليئة برموز نازية، وصولاً إلى قضية ضابط انتحل صفة لاجئ سوري واشتبه في تخطيطه لعملية إرهابية.

لكن من أهم القضايا التي تشغل الحكومة في ألمانيا، تكرار حوادث اختفاء أسلحة وذخائر ومتفجرات من مخازن الجيش الألماني في السنوات الماضية، بشكل يدعو للريبة. فيما تشير شكوك وزارة الدفاع الألمانية إلى تورط شبكة من اليمين المتطرف وراء حالات اختفاء الأسلحة. 

هذه القضية دفعت البرلمان الألماني "البوندستاغ" إلى دعوة هيئة الرقابة البرلمانية للتحقيق في الموضوع. وطلبت الهيئة من مكتب حماية الدستور (جهاز المخابرات الداخلية) وجهاز المخابرات العسكرية مدها بالمعلومات كافة المتعقلة بحوادث اختفاء الأسلحة، في مسعى لفك لغز شبكات اليمين المتطرف داخل الجيش. 

قطرة أفاضت الكأس 

منتصف شهر مايو الماضي، اقتحمت قوات جهاز مكافحة الجريمة منزل الرقيب أول في وحدة القوات الخاصة "الكوماندوز" في الجيش الألماني فيليب ش، البالغ من العمر 45 عاماً، في قرية كولم شرقي البلاد، وعثرت في حديقته على مخزن للأسلحة تحت الأرض، من بينها رشاش "كلاشينكوف" ومسدسات ورصاص ومتفجرات، كلها تابعة للجيش. 

بالتزامن مع ذلك، أُلقي القبض على ضابط في ثكنة عسكرية في مدينة كالف جنوبي البلاد لاستجوابه، وقرر قاضي التحقيق اعتقاله بسبب مخاوف من هروبه أو طمسه لأدلة، نظراً لتكوينه العسكري ضمن قوات النخبة في الجيش، وأشارت التحقيقات الأولية إلى وجود أدلة قوية تربط الرقيب فيليب ش. بشبكة يمينية متطرفة داخل الجيش الألماني.

وفي شهر أبريل من عام 2017، وُضع الضابط فيليب ش. تحت مراقبة جهاز المخابرات العسكرية، عندما قام في إحدى الحفلات الخاصة مع زملاء له بأداء التحية النازية.

وأطلعت مخابرات الجيش، بداية العام الجاري، جهاز حماية الدستور (المخابرات الداخلية) على تفاصيل قضية الرقيب فيليب ش. لتبدأ التحريات حوله، بالتزامن مع إعفاء عدد من الجنود الألمان من الخدمة، خلال 18 شهراً، بعد الاشتباه في ارتباطهم بجماعات يمينية متطرفة.

"أصعب مرحلة في تاريخ الكوماندوز"

تشتبه مخابرات الجيش الألماني في تقريرها السنوي لعام 2019 بارتباط 20 جندياً من وحدة القوات الخاصة "الكوماندوز" ونحو 363 جندياً في الجيش باليمين المتطرف. 

ووصف رئيس وحدة القوات الخاصة في الجيش الألماني، الجنرال ماركوس كرايتماير، في رسالة داخلية لقواته، ما يحدث حول ارتباط عدد من عناصر "الكوماندوز" باليمين المتطرف، بأنه "أصعب مرحلة تمر بها الوحدة منذ إنشائها في عام 1996".

رئيس وحدة "الكوماندوز" في الجيش الألماني شدد في رسالته على أن قضية الضابط فيليب ش. كانت بمثابة "جرس إنذار"، محذراً في الوقت ذاته من أنه سيطبق "سياسة صفر تسامح" مع كل من تثبت صلته بجماعات اليمين المتطرف. "هؤلاء لا يستحقون البقاء بيننا، إذا لم ينسحبوا، فليعلموا أننا سنجدهم وسنزيحهم" قال كرايتماير. 

ويبلغ تعداد فرقة القوات الخاصة "الكوماندوز" في ألمانيا نحو 1000 جندي، وهي تعتبر من قوات النخبة في الجيش الألماني وتختص بالمهمات الصعبة، وتتمثل مهمتها في تحرير المواطنين الألمان، في حال خطفهم كرهائن في مناطق الأزمات والحروب، ورصد الإرهابيين وجمع معلومات عسكرية ذات أهمية استراتيجية. 

اختراق اليمين

وقال مسؤول في وزارة الدفاع الألمانية، فضّل عدم ذكر اسمه، في تصريحات لـ"الشرق"، إن الجنود "أقسموا عند انضمامهم إلى الجيش على الدفاع عن الدستور"، مؤكداً أن "من يخالف ذلك سيتم إعفاؤه من الخدمة العسكرية".

وأضاف: "لن نتسامح ولن نتهاون مع أي متطرف أو شخص لا يمتثل للدستور في صفوف جيشنا".

من جانبه، قلل الخبير في شؤون الدفاع والسياسات الأمنية لدى "جامعة هاله"، البروفسور يوهانس فارفيك، من خطورة اختراق اليمين المتطرف لقوات الجيش. وقال في تصريحات لـ"الشرق"، إن "الغالبية العظمى تحترم روح الدستور الألماني"، ولكنه أشار إلى أن "اليمينيين المتطرفين ينجذبون بشكل تقليدي لكل ما يرتبط بالأسلحة والجيش، ما قد يعزز انتشار أفكارهم داخل القوات المسلحة".

ويخضع الجيش في ألمانيا لسلطة البرلمان، وليس لرئيس الجمهورية ولا للمستشارة، إذ يصادق البرلمان على قرار إرسال بعثات عسكرية إلى الخارج، لكن قيادة الجيش تعود في قراراتها لوزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارنباور التي تعد إحدى أهم الشخصيات في الحزب الحاكم في ألمانيا بعد المستشارة أنجيلا ميركل. 

وزيرة الدفاع الألمانية أعلنت، في بيان، تشكيل لجنة عمل لتحليل هيكلة وحدة "الكوماندوز". ومن المتوقع أن تعلن هذه اللجنة عن حزمة إجراءات لمكافحة التوجهات اليمينية المتطرفة لطرحها أمام البرلمان في آخر جلسة له قبل فترة الاستراحة الصيفية.

لغز اختفاء الأسلحة

وأشار المتحدث باسم وزارة الدفاع إلى أن جهاز المخابرات العسكرية بات يضطلع بدور أكبر في مكافحة التطرف منذ نهاية العام الماضي. حتى عام 2019، كان يعمل لدى جهاز المخابرات العسكرية 1200 موظف كلهم من ضباط الجيش، لكن ذلك تغيّر بعد انضمام 400 موظف مدني، كما تم تعيين نائب لرئيس المخابرات العسكرية، كان يعمل سابقاً في مكتب حماية الدستور (جهاز المخابرات الداخلية). 

تجدر الإشارة إلى أن ما يثير قلق وزارة الدفاع الألمانية أكثر في تلك القضية، هو نجاح الضابط فيليب ش. على مدى سنوات في تهريب كميات من الأسلحة من ثكنة الجيش، من دون أن يتم كشف ذلك. وفي تقرير مطول لمجلة "شبيغل" الألمانية، كشف جنود في الجيش الألماني أن عملية نقل مواد المتفجرات أمر في غاية الصعوبة وأن مراقبتها تتم بشكل صارم، ما يعزز فرضية وجود شركاء للمتهم داخل الثكنة.

وبالنسبة إلى الخبير فارفيك، فإن الجيش الألماني يواجه تحديات كبيرة، "فهو جيش ينقصه العتاد والتمويل الكافيان، كما لا يوجد تقدير كاف لجهود الجنود". وبحسب آخر تقرير للمفوض السابق للجيش في البرلمان الألماني، هانس بيتر بارتلز، نُشر العام الماضي، فإن "القوات المسلحة تعاني نقصاً في الجاهزية على كل الصعد، سواء في الدبابات أو الطائرات أو الغواصات أو حتى الأسلحة الخفيفة"، بحسب وصفه.