
أُسنِدت التحقيقات المفتوحة في فرنسا، بشأن ثروة حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة في أوروبا، إلى قضاة تحقيق في نيابة مكافحة الفساد في باريس مطلع يوليو، وفق ما علمت به وكالة "فرانس برس" من مصدر مطلع على الملف، وأكدته النيابة الوطنية المالية يوم الجمعة.
وفتحت النيابة الوطنية المالية في الثاني من يوليو "تحقيقاً قضائياً، بتهم تبييض أموال في عصابة منظمة وتآمر جنائي"، وفق ما أعلنت النيابة.
وكانت نيابة مكافحة الفساد تجري تحقيقاً أولياً منذ نهاية مايو، بعد شكاوى تقدمت بهما جمعيات ضد سلامة وأوساطه، كما أنه مطلوب كذلك بتحقيقات في سويسرا، وشكوى في المملكة المتحدة.
ويتمتع قضاة التحقيق في القسم المالي من محكمة باريس الذين تمّ تعيينهم في هذا الملف، بصلاحيات تحقيق أوسع خصوصاً في مجال التعاون الدولي، واحتمال مصادرة ممتلكات تعود لمشتبه بهم.
وقال وكيل الدفاع عن سلامة المحامي بيار-أوليفييه سور لوكالة "فرانس برس": "نتمنى فتح تحقيق قضائي يسمح لنا بالوصول إلى الملف".
وأضاف:"نحن أول من تقدم بشكوى بسبب بلاغات كاذبة، ومحاولة الخداع في الحكم ضد المكتب الفرنسي الذي نشر التقرير الأول للتحقيقات".
تبييض أموال
في المقابل، أشار محاميا مقدمي الشكوى وليام بوردون وأميلي لوفيفر، إلى أنه "سيتمّ الكشف عن آلية نظامية كاملة لإخفاء وتبييض مبالغ ضخمة".
والمدعيان هما منظمة "شيربا" التي تنشط في مكافحة الجرائم المالية الكبرى، و"جمعية ضحايا الممارسات الاحتيالية والجرمية في لبنان"، والتي أنشأها مودعون خسروا أموالهم في الأزمة التي تشهدها البلاد منذ 2019.
وستحظى المنظمتان الشاكيتان، بحق الوصول إلى التحقيقات، وسيكون بإمكانهما طلب إجراءات تحقيق من القضاة.
بداية التقاضي
وبدأت هذه الآلية القضائية عندما قُدّمت شكاوى في أبريل بباريس، من جانب مؤسسة "أكاونتابيليتي ناو" (محاسبة الآن) السويسرية من جهة، ومنظمة "شيربا" و"جمعية ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان" من جهة أخرى.
ويُفترض أن تسمح هذه التحقيقات الفرنسية المقامة بالتوازي مع تحقيقات أخرى في سويسرا فُتحت قبل أشهر، بتوضيح مصدر الثورة العقارية الضخمة التي يملكها سلامة، الذي أصبح شخصية مرفوضة في الشارع اللبناني، في وقت يغرق البلد في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه.
أقرباء سلامة
وتستهدف شكاوى المنظمات عدداً من أقرباء سلامة، هم شقيقه وابنه وابن شقيقه، بالإضافة إلى مساعدته، وتطالب بالنظر في مسؤوليات الوسطاء، والمصارف المشاركة في عملية وضع الترتيبات المالية الدولية المعقدة لهذه الثروة.
ووصل سلامة إلى حاكمية مصرف لبنان في 1993، بعدما عمل على مدى 20 عاماً مصرفياً استثمارياً لدى شركة "ميريل لينش" في بيروت وباريس.
واعتُبر سلامة الذي يحتفل بعيد ميلاده الـ71 السبت، لفترة طويلة شخصية مؤثرة، تحظى بتقدير كبير على الساحة السياسية اللبنانية، وفي عالم الاقتصاد.
لكن في وقت يواجه لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعد من الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الـ19 بحسب البنك الدولي، بات سلامة حالياً في طليعة الشخصيات المرفوضة من الشارع اللبناني.
نقل أموال للخارج
ويشتبه الرأي العام اللبناني بأن سلامة على غرار مسؤولين كبار آخرين في البلاد، نقل بشكل سرّي مبالغ مالية طائلة إلى الخارج، بالتزامن مع الحراك الشعبي في أكتوبر 2019، رغم القيود الصارمة التي كانت تفرضها المصارف.
لكن سلامة تنصل من هذه الاتهامات في أكثر من مناسبة، ودافع عن نفسه عبر وسائل الإعلام، معتبراً أنه "كبش فداء" الأزمة الاقتصادية.
ويشدد سلامة على أن أمواله كلها مصرح بها، وقانونية وأنه جمع ثروته مما جمعه عبر مسيرته المهنية في القطاع المالي.
وبحسب صحيفة "لوموند"، يوضح حاكم مصرف لبنان أن "أصوله الشخصية كانت تبلغ 23 مليون دولار" حين تسلّم منصبه عام 1993، وأن "زيادة ثروته من ذلك الوقت، ناجمة عن استثمارات لا تتعارض مع الالتزامات المرتبطة بمهامه".