ابتكارات وأبحاث من جامعة الملك عبد الله لمكافحة كورونا

time reading iconدقائق القراءة - 7
مجسم لغشاء بوليمري مسامي يتسم بالرقة والخفّة، من شأنه أن يحوِّل قناع التنفس N95 إلى قناع قابل لإعادة الاستخدام من تصميم الباحثين في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست). - صحيفة الشرق الأوسط
مجسم لغشاء بوليمري مسامي يتسم بالرقة والخفّة، من شأنه أن يحوِّل قناع التنفس N95 إلى قناع قابل لإعادة الاستخدام من تصميم الباحثين في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست). - صحيفة الشرق الأوسط
دبي-الشرق

منذ بدء جائحة "كورونا" وضعت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) منهجية ثنائية الجوانب لمكافحتها، إذ رصدت في وقت مبكر قدرات بحثية داخلية لمكافحة الفيروس من خلال فريق الاستجابة البحثية السريعة (R3T) في الجامعة، ودعمت المشروعات الناشئة والشركات المحلية لوضع حلول وتقنية رائدة للتصدي لهذا التهديد العالمي، تمخض عنها الكثير من الأبحاث والدراسات والتقنيات.

غشاء مسامي

وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه على صعيد اللقاحات، إلا أن الحكومات في جميع أنحاء العالم لا تزال تحثّ المواطنين على تغطية وجوههم خلال وجودهم في الأماكن العامة أو التجمعات المكتظة لحماية أنفسهم والآخرين من العدوى.

وأدى ارتفاع الطلب على أقنعة الوجه إلى نقص عالمي في توافرها، والاتجاه نحو حلول أخرى مؤقتة. كما توصي منظمة الصحة العالمية بالكمامات للعاملين في مجال الرعاية الصحية ولأي شخص لديه عدوى مؤكدة أو محتملة، أو أي شخص يرعى شخصاً لديه عدوى مؤكدة أو محتملة بالمرض.

ومن هذا المنطلق صمم باحثون في جامعة "كاوست" غشاء بوليمرياً مسامياً يتسم بالرقة والخفّة، من شأنه أن يحوِّل قناع التنفس N95 إلى قناع قابل لإعادة الاستخدام، إضافة إلى إمكانية تحسين قدرته على منع انتقال فيروس "سارس-كوف-2" المسبب لمرض "كوفيد 19".

وجدير بالذكر أن قناع التنفس N95 صُمم في الأصل للاستخدام مرة واحدة، وهو مُحكمٌ على الوجه، ويصنف من أقنعة العمليات الجراحية، ويمنع 95% من الجسيمات المنقولة بالهواء.

وكانت بعض الدراسات أشارت إلى أن نقص معدات الوقاية الشخصية في المستشفيات تسبب في "حاجة ماسة" إلى ابتكار معدات السلامة التي يمكن إعادة استخدامها.

وأخيراً، عدَّل البروفسور محمد مصطفى حسين، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية وفريقه في "كاوست" قناع التنفس N95 بتصنيع غشاء قابل للتركيب يمكن استبداله بعد كل استخدام. ويسهّل التصميم الجديد إعادة استخدام القناع، وهو ما سيؤدي إلى توفير النفقات والموارد، ويزيد من توافر القناع نفسه.

الأمر الأهم، أنه يمكن أيضاً تحسين كفاءة القناع ضد فيروس "سارس-كوف-2"، فالقناع يتميز بكفاءته العالية في ترشيح الجسيمات المنقولة بالهواء، ولكنه يعد أقل كفاءة ضد الجسيمات الأصغر من مسامه التي يبلغ حجمها في الأقنعة المتوافرة حالياً نحو 300 نانومتر، في حين أن حجم الفيروس أصغر بكثير، إذ يتراوح بين 65 و125 نانومتراً.

يسهِّل النهج الذي اتبعه الفريق البحثي في "كاوست" عملية تصميم أغشية بوليمرية رقيقة ذات مسام صغيرة تصل إلى 5 نانومترات.

في البداية، يتضمن النهج حفر مسام على شكل أقماع في قالب من السيليكون، ما ينتج عنه مصفوفة من مربعات حجم كل منها 90 × 90 نانومتراً على أحد الجانبين، ومسام صغيرة بحجم 5 إلى 55 نانومتراً على الجانب الآخر.

ويقول حسين: "تتحكم طريقة الحفر في المسافات بين المسام، كما تتغلب على مشكلة المسام المتباعدة بشكل عشوائي والموجودة في الأغشية البوليمرية النانوية التي طورها باحثون آخرون".

بعد ذلك تُحفر هيئة القالب في طبقة بوليميد بسمك 10 ميكرومترات، تُزال من القالب بعد ذلك، ويمكن تركيبها على قناع التنفس N95، وغشاء البوليميد كاره للماء بطبيعته، أي أن قطرات الماء تتساقط منه ولا يمتصها، ومن ثمَّ فإن الجزيئات لا تتراكم أو تتجمع على سطح القناع.

وتُظهِر الحسابات النظرية للفريق أن قناع N95 المعدل يتوافق مع معايير قابلية التنفس التي أقرَّها المعهد الوطني للسلامة والصحة المهنية بالولايات المتحدة.

تقول الدكتورة نازك الأتب، باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه والباحثة الأولى في الدراسة: "نعمل الآن مع شركاء تجاريين على بلوغ المستوى الأمثل لقابلية التنفس باستخدام القناع المعدل، وزيادة كفاءته في الترشيح".

نظرة أحدث إلى الفيروس

ولم تقتصر مساهمات علماء "كاوست" في مكافحة جائحة "كورونا" فقط على إعادة تصميم قناع التنفس N95، وإنما سبق ذلك الكثير من الأبحاث والدراسات والتقنيات في الحرب الكونية ضد المرض.

-الفيروس والحرارة: مثلاً ومنذ وقت مبكر طوّر الباحثون في الجامعة مجموعة تقنيات للكشف عن الفيروس، كما دحضت دراسة أجراها علماء في "كاوست" الاعتقاد الذي كان سائداً لفترة ومفاده أن معدلات انتشار فيروس "كورونا" تتناقص مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، فقد توصل العلماء إلى عدم ارتباط معدلات الانتشار مع درجة حرارة المحيط، ما يشير إلى استبعاد أن يسلك فيروس كورونا سلوك فيروس تنفسي موسمي، ولهذا تبعات مباشرة على تدابير الاحتواء الحكومية، خصوصاً بالنسبة إلى الخطط التي تضعها البلدان لبرامج إغلاق وافتتاح المدارس وغيرها من قطاعات المجتمع.

-هيكل الفيروس: على صعيد آخر، تمكن علماء "كاوست"، العام الماضي، من إطلاق التصور ثلاثي الأبعاد الأكثر دقة وحداثة لفيروس "كورونا" مع الكشف عن هيكله الداخلي باستخدام المعلومات المستقاة من صور المجهر الإلكتروني، وقواعد بيانات البروتينات التي يمكن تحديثها بسهولة عند توافر بيانات جديدة، وتمتاز أداة النمذجة هذه بالقدرة على التمثيل البصري أيضاً لمكونات لدى كائنات بيولوجية أخرى، يتراوح حجمها من 10 إلى 100 نانومتر، ويهدف هذا النموذج إلى المساعدة في التوصل إلى علاجات آمنة وناجعة للمرض.

يقول الدكتور أوندريه سترناد، وهو باحث في "كاوست": "يُظهِر نموذجنا ثلاثي الأبعاد البنية الحالية الأحدث للفيروس على المستوى الذري، ويكشف عن تفاصيل تتعلق بالفيروس كان يتعذر رصدها في السابق، مثل كيف نعتقد أن البروتينات النووية تشكل بنية تشبه الحبل بداخلها، والنهج الذي استخدمناه لتطوير النموذج يمكن أن يوجه البحث البيولوجي إلى اتجاهات جديدة واعدة لمكافحة انتشار المرض، حيث يمكن أن يساعد العلماء على دمج المعلومات المكتشفة حديثاً في النموذج بسرعة ومن ثم إتاحة بنية مُحدَّثة للفيروس".

وتجدر الإشارة إلى أن جسيمات فيروس "كورونا" تتكون من 4 أنواع رئيسية من البروتينات الهيكلية التي تساعد الفيروس بشكل أو بآخر على اكتساب وظائفه التي تسبب المرض.

ويُعد نظام النمذجة نظاماً حدسياً يسهُل استخدامه، ويستقي المعلومات من البنى التي يمكن تمييزها بسهولة داخل عدد صغير من الصور التي تُلتقَط لكائن حي عن طريق المجهر الإلكتروني. وفي ما يتعلق بفيروس "سارس-كوف-2"، يشتمل هذا النظام على معلومات عن شكل غشاء الفيروس وحجمه، والبنى البروتينية الملحقة به.

وتكشف النمذجة عن المظهر المحدد للسطح الفيروسي، كما تُظهر البروتينات والمستقبلات البارزة من سطحه، ويوضح النموذج كيفية قيام الفيروس بخداع مستقبلات ACE2 لبعض الخلايا البشرية بما يفتح المسار لدخولها وتجاوز الدفاعات وإصابة الشخص بالمرض.

وتشرح نان نوين، طالبة دكتوراه علوم الحاسوب في "كاوست": "يُظهِر نموذجنا البنية الفيروسية الدقيقة الكاملة كما نعرفها حتى الآن، وليس مجرد بعض البروتينات الشوكية غير المكتملة والموزعة عشوائياً على غشاء دهني".

هذا المحتوى من "الشرق الأوسط"