رغم الاجتماعات غير المسبوقة بين رئيس الولايات المتحدة السابق، دونالد ترمب، ونظيره الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، تعثرت مفاوضات الحد من ترسانة بيونغيانغ النووية.
في هذه الأثناء، كان زعيم كوريا الشمالية مشغولاً بزيادة حجم ترسانته النووية، وجعلها أشد فتكاً، فيما ضاعف قدرتها على ضرب كوريا الجنوبية، واليابان، والقوات الأميركية المتمركزة في آسيا، بل والأراضي الأميركية ذاتها.
وفي عرض عسكري أقيم في أكتوبر الماضي، للاحتفال بالذكرى الـ75 لتأسيس حزب العمال الحاكم، كشف كيم جونغ أون عن مجموعة جديدة من الأسلحة التي تظهر مدى تطور ترسانته على مدى العامين الماضيين، وتضمنت هذه الأسلحة صواريخ تم تطويرها مؤخراً لضرب الولايات المتحدة، وفقاً لتقرير لوكالة "بلومبرغ".
وتقوض هذه الإنجازات قول ترمب، إن اجتماعاته بالرئيس الكوري أكدت له أن كوريا الشمالية "لم تعد تشكل تهديداً نووياً". ومع تولي الرئيس جو بايدن سدة الحكم الأميركي، شهدت العلاقات الأميركية الكورية تطوراً شائكاً مع إجراء بيونغ يانغ أول تجارب صواريخ بالستية خلال هذا العام.
ضرب الولايات المتحدة
ووفقاً لـ"بلومبرغ" الأميركية، فإن كوريا الشمالية ربما اكتسبت هذه القدرة بعدما اختبرت بنجاح صاروخاً بالستياً عابراً للقارات في نوفمبر 2017. لكن اختباراً واحداً قد لا يكون كافياً لضمان موثوقية الصاروخ البالستي العابر للقارات المعروف باسم "هواسونغ – 15".
ويتميز الصاروخ البالستي العابر للقارات الذي ظهر في العرض العسكري في أكتوبر الماضي، بأنه أكبر حجماً ويضم على الأرجح محركات أقوى، حسبما أفاد خبراء أسلحة.
وأضاف الخبراء، أن الغرض المحتمل منه هو "توصيل حمولة متعددة الرؤوس الحربية النووية يمكنها سحق الدفاعات الأميركية"، أو أي سلاح شديد الفتك.
كما نقلت "بلومبرغ" عن تقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام 2020، أن كوريا الشمالية يمكنها تركيب رؤوس حربية مصغرة على الصواريخ وإطلاقها. وطورت بيونغيانغ أيضاً أسلحة يمكن تحريكها بسرعة أكبر لتفادي اكتشافها. لكن الأقل وضوحاً هو ما إذا كان جيش كيم جونغ أون يستطيع ضرب الأنظمة المضادة للصواريخ والعودة بسلام، أو إذا ما كانت أسلحته متطورة بما يكفي لضرب أهدافها المحددة.
ماذا عن القنابل؟
من بين التجارب الذرية الست التي أجرتها كوريا الشمالية، كان زعيم البلاد مسؤولاً وحده عن أربعة منها.
وقطعت هذه التجارب شوطاً طويلاً منذ أول تفجير في عام 2006. كان هذا التفجير بقوة تقل عن كيلو طن واحد، ما جعل الخبراء يتساءلون حول ما إذا كان هذا فشلاً جزئياً (كيلو طن يعادل قوة 1000 طن من مادة "تي إن تي").
أما أحدث تجربة، والأقوى على الإطلاق، فكانت في سبتمبر 2017. وأدى مردودها الذي بلغ 120 إلى 250 كيلو طن إلى تقزيم القنابل الأميركية التي دمرت هيروشيما وناغازاكي في عام 1945، والتي لم تتجاوز 15 إلى 20 كيلوطناً. ويقدر الخبراء أن كوريا الشمالية جمعت 30 إلى 40 رأساً نووياً، وهي الأقل بين الدول التسع التي تمتلك أسلحة نووية.
طرح كيم صواريخ بالستية جديدة تعمل بالوقود الصلب، ويمكن تحريكها وإخفاؤها وإطلاقها بسهولة أكبر من الكثير من نظرائها التي تعمل بالوقود السائل. وأطلق أكثر من 24 صاروخاً منذ مايو 2019، بما في ذلك الصواريخ "كيه إن – 23" ذات القدرة النووية والسرعة الفرط صوتية التي يمكنها ضرب كوريا الجنوبية بأكملها، بما في ذلك القوات الأميركية المتمركزة في جنوب سيول، في غضون دقيقتين.
كما أطلقت كوريا الشمالية صواريخ "NK – 25" قصيرة المدى، المصممة في تتابع سريع من قاذفة واحدة لسحق صواريخ الاعتراض. وتم تصميم الصاروخ البالستي الجديد "بوكجوكسونغ – 3"، وهو الأكبر بين هذه المجموعة، لإطلاقه من غواصة، ويُقدر مداه بـ1900 كيلومتر (أي ما يعادل 1200 ميل).
وفي العرض العسكري الذي أقيم في أكتوبر الماضي، قدمت بيونغيانغ نسخة أكثر تقدماً من هذه الصواريخ، تتميز على الأرجح بمدى أكبر وحمولة أشد فتكاً. ونقلت "بلومبرغ" عن خبراء في الأسلحة قولهم إن كوريا الشمالية تطور أيضاً صواريخ بالستية عابرة للقارات، تستخدم تكنولوجيا تعمل بالوقود الصلب، ما قد يمنح الولايات المتحدة فرصاً تحذيرية أقل قبل أي ضربة تستهدف أراضيها.
المواد الانشطارية
بحسب "بلومبرغ"، حققت كوريا الشمالية اكتفاء ذاتياً من المواد الانشطارية لعقود. ويعتمد الآن البرنامج، الذي كان ينتج ما يكفي من البلوتونيوم من أجل قنبلة نووية واحدة في السنة، بدرجة كبيرة على تخصيب اليورانيوم. وبحسب خبراء الأسلحة، ينتج هذاالبرنامج الآن ما يكفي من المواد الانشطارية سنوياً لنحو 6 قنابل.
وقالت إدارة ترمب إن كوريا الشمالية ضاعفت مخزونها حتى بعد بدء المحادثات النووية. ويقدر الخبراء أن كوريا الشمالية كان لديها اعتباراً من عام 2018 ما يكفي لنحو 30 إلى 60 سلاحاً نووياً.
نقلت "بلومبرغ" عن موقع "داتايو"، وهو موقع بحثي مفتوح عن الأسلحة، أن كوريا الشمالية ربما تعمل على تطوير الصواريخ البالستية العابرة للقارات، التي تحمل العديد من الرؤوس الحربية والتدابير المضادة أثناء الطيران لإخراج الصواريخ المعترضة من مسارها.
ودفع جونغ أون لتطوير أسطوله من الغواصات، ويتطلع إلى نشر سفينة جديدة قريباً، يقول الخبراء إنها قد تستخدم في إطلاق الصواريخ. وقد يحاول أيضاً إحياء برنامج الأقمار الصناعية بحجة أن كوريا الشمالية لديها الحق، كدولة ذات سيادة، في تطوير برنامج فضاء خاص بها. ويؤكد الخبراء أن كوريا الشمالية يمكن أن تستخدم الأسلحة التي تطلقها الأقمار الصناعية لتطوير تكنولوجيا الصواريخ.
وبرغم كونها واحدة من أفقر دول العالم، تمتلك كوريا الشمالية واحداً من أكبر الجيوش. فمن بين سكانها البالغ تعدادهم 25 مليون نسمة، يوجد ما يقرب من 1.2 مليون شخص في الخدمة العسكرية، وفقاً لتقرير وزارة الخارجية الأميركية.
وفضلاً عن ذلك، يأتي أكثر من 6 ملايين كوري شمالي ضمن قائمة جنود الاحتياط. ويمتلك الجيش آلاف القطع المدفعية المدربة على منطقة سيول، ومئات الصواريخ التي يمكنها ضرب كوريا الجنوبية واليابان.
الإنفاق العسكري
ولا تعتبر الأموال المطلوبة للإنفاق على هذه القوة العسكرية كبيرة بالمعايير العالمية. وبحسب تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، أنفقت كوريا الشمالية ما يقرب من 4 مليارات دولار على جيشها في عام 2016، وهو ما يعادل تقريباً حجم الإنفاق العسكري الأميركي في يومين.
ومع ذلك، يأتي هذا الانفاق باعتباره حصة من الاقتصاد الكوري الشمالي، بين أعلى معدلات الإنفاق العسكري في العالم، إن لم يكن أعلاها على الإطلاق. وبرغم تضرر اقتصادها بشدة من العقوبات الدولية، نجحت كوريا الشمالية في تجنب بعض هذه العقوبات عبر وسائل، من بينها النقل السري لبعض السلع المحظورة في أعالي البحار، مثل النفط، وتوفير أموال كافية للمحافظة على تقدم برنامجها النووي عبر أساليب تتضمن تنفيذ هجمات لطلب الفدية.
وحولت محادثات ترمب مع كيم، التي بدأت بالاجتماع الشهير في سنغافورة في يونيو 2018، كلا الرئيسين من أعداء يتبادلون الإهانات إلى شركاء متحاورين. وقال ترمب إن دبلوماسيته مع بيونغيانغ حالت دون اندلاع حرب.
لكن اللقاءات الثلاث التي جمعت بين الرئيسين لم تتمخض عن أي انفراجة مهمة، واستأنفت كوريا الشمالية تجاربها الصاروخية وسبابها. وأصبحت كوريا الشمالية -ما حاولت ثلاثة عقود من الدبلوماسية منعه-، دولة قادرة على تطوير وتفجير القنابل الذرية.
ونقلت "بلومبرغ" عن الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، قوله، في ديسمبر 2019، إن الجيش الأميركي يحافظ على "مستويات التأهب العليا" المعتادة في شبه الجزيرة الكورية لردع أي تهديد.
وبعد ستة أشهر، قطعت كوريا الشمالية روابط الاتصال التي أقيمت في عام 2018 مع كوريا الجنوبية، وفجرت مكتب الاتصال بين الكوريتين. وفي مارس أطلقت كوريا الشمالية صاروخين "كروز" في أعقاب رحلة آسيوية أجراها مسؤولون رفيعو المستوى في إدارة الرئيس بايدن. وبعد أيام، اختبرت صاروخين بالستيين، في انتهاك صارخ لقرارات الأمم المتحدة.
اقرأ أيضاً: