فاقم ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية روسية، الانقسام داخل الحكومة السودانية، إذ تواجه قوات الجيش اتهامات بـ"تهميش الحركات المدنية واختطاف صناعة القرار".
وقالت وكالة "بلومبرغ" الأميركية إن القاعدة الروسية المرتقب إقامتها قرب ميناء بورتسودان، وزيارة الوفد الإسرائيلي إلى الخرطوم مؤخراً، زادتا من خلافات الحكومة السودانية، لدرجة باتت تهدد الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وأثارت تحركات السياسة الخارجية، التي يبدو أنها نالت موافقة العسكريين، تساؤلات وسط بعض المدنيين الأعضاء في الحكومة، الذين يقولون إنهم لم يكونوا على دراية بهذه المبادرات، وإنه ليس هناك تفويض لهم.
يأتي ذلك في وقت حذر فيه مسؤولون بالأمم المتحدة من أن تلك الانقسامات داخل الفصائل السياسية في السودان "تتصاعد"، وأن الاقتصاد غارق في الاضطراب.
"اختطاف صناعة القرار"
ونقلت "بلومبرغ" عن عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، كمال بولاد، أن الجيش "اختطف مركز صناعة القرار"، لافتاً إلى "عدم وجود أي شفافية في إدارة شؤون البلاد".
وبالنسبة للنشطاء مثل بولاد، فإن هذا مؤشر على أن "الجيش وبعد مرور 18 شهراً على الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، لم يتخلّ سوى عن القليل من سلطاته، وهو ما يثير شكوكاً بشأن آفاق تنظيم انتخابات ديمقراطية خلال السنوات المقبلة".
ويرى بولاد أن هذا الوضع "يهدد بعودة 3 عقود من الحكم الاستبدادي غير الخاضع للمساءلة، الذي ترك السودانيين عاجزين، بعد أن أصبحت بلادهم منبوذة في الغرب"، وفق "بلومبرغ".
وأضافت بلومبرغ أن "غياب الشفافية من شأنه أيضاً أن يضر برِهان السودان لإنعاش الاقتصاد، عقب خروجه من قائمة العقوبات الأميركية، التي فُرضت عليه طيلة عقدين من الزمن. فمن أجل تحقيق هذا الرهان على السودان إصلاح النظام الذي شوّهه سوء الإدارة والفساد".
كما يهدد ذلك "الانقسام الخفي" بمزيد من عدم الاستقرار في دولة تعتبرها واشنطن حليفاً جديداً في منطقة القرن الإفريقي المضطربة، خصوصاً أن الخرطوم موطن لحركة احتجاجية نشطة وجماعات متمردة قوية، على حد وصف "بلومبرغ".
جدل روسيا وإسرائيل
وأعلنت روسيا، هذا الأسبوع، توقيعها على اتفاق نهائي مع السودان، لاستغلال قاعدة عسكرية بحرية على البحر الأحمر، لمدة 25 عاماً على الأقل، في خطوة توسع نفوذ موسكو بالمنطقة.
وقال وزير الخارجية السوداني المكلف، عمر قمر الدين، لـ"بلومبرغ"، إنه لم يتسلم أي نسخة من الاتفاق.
من جانبه قال كمال بولاد: "اتفقنا على بناء علاقات متوازنة مع مختلف التكتلات الإقليمية والدولية"، واعتبر أن احتضان المنشأة الروسية من شأنه أن يقوض هذه الديناميكية.
وقبل أيام، انتقد وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح الجيش لاستقبال وفد إسرائيلي في نوفمبر الماضي، وقال إنه لم يكن على دراية بالزيارة.
وقالت "بلومبرغ" إن المسؤولين في الجيش لم يتجاوبوا مع طلب التعليق على الموضوع.
وكان رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك قد وافق على اتفاق السلام مع إسرائيل في أكتوبر الماضي، بعد أن حثته الولايات المتحدة على ذلك. لكن فصائل المدنيين والعسكريين في الحكومة عبرت عن مواقف متعارضة بشأن وتيرة مسار التطبيع.
انقسامات
وظهرت خلافات أخرى خلال تكوين مجلس شركاء الحكم الانتقالي في السودان مؤخراً، وهو المجلس الذي رفضه حمدوك، فضلاً عن خلافات بشأن تأخير تشكيل البرلمان الانتقالي، ومستقبل الشركات الاقتصادية التي يسيطر عليها الجيش.
من جانبه، قال عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي في السودان، خلال احتفال عسكري الأربعاء، إن قادة المرحلة الانتقالية فشلوا في تلبية مطالب الثورة.
وقال كاميرون هدسون، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، إن وضع الحكومة السودانية قد يكون موضع تساؤل إذا تبين أن "قطاع الأمن يواصل تعزيز سيطرته على مراكز القوة الرئيسية ومصادر الإيرادات في البلاد".
ولفت إلى أن هذا الوضع يجعل من الصعب تخيل مستقبل تحصل فيه القيادة المدنية على سلطات كاملة في البلاد.