في موسم جفاف هو الأسوأ منذ 40 عاماً، لم يحصد المزارعون في المغرب سوى ثلث محصول الحبوب الذي حصدوه العام الماضي، وسط توقعات باستيراد ضعفي المحصول، أي نحو 7 ملايين طن، لتغطية الاحتياجات المحلية.
وانخفض محصول الحبوب هذا الموسم بنحو 67% مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى 3.4 مليون طن بينها 1.89 مليون من القمح اللين، متأثراً بضعف الأمطار التي تراجعت بنحو 44%، بحسب وزارة الفلاحة التي توقعت انخفاض القيمة المضافة المرتقبة بنسبة 14% خلال 2022، ما يؤدي إلى انخفاض النمو بمعدل 1.8 نقطة مئوية.
تكلفة الاستيراد وارتفاع الأسعار
الأسواق المحلية لم تتأثر بضعف الإنتاج، فالاستيراد يغطي حاجيات السوق التي تقدر بنحو 10 ملايين طن سنوياً، لكن الأسعار ارتفعت بنحو 30% على الأقل في سوق الحبوب بالعاصمة الرباط، بحسب خالد واعزي، الكاتب العام لتجار سوق الحبوب والقطاني في الرباط.
وأضاف واعزي لـ"الشرق"، أن الجفاف والغزو الروسي لأوكرانيا أديا إلى ارتفاع سعر القمح الصلب مثلاً إلى نحو 8 آلاف درهم للطن (800 دولار)، مقابل نحو 6 آلاف درهم العام الماضي.
واستورد المغرب 3.5 مليون طن من القمح هذا العام، بحسب رئيس الفيدرالية الوطنية للمطاحن عبد القادر العلوي، الذي قال لـ"الشرق" إن المملكة لديها مخزون يغطي استهلاك 6 أشهر، متوقعاً أن يضاف إلى المخزون ما بين 40 و45 مليون قنطار (ما بين 4 إلى 4.5 مليون طن) من القمح الطري والصلب.
وأكد العلوي أن المغرب قد يلجأ لاستيراد 7 ملايين طن من مختلف أصناف الحبوب هذا العام، بتكلفة تصل إلى 2.8 مليار دولار.
دعم من الدولة
الحكومة المغربية تدعم أسعار القمح الطري لتغطية الفرق في السوق الدولية، فضلاً عن أشكال أخرى من الدعم للدقيق الموجه للفئات الفقيرة.
وبلغ الإنفاق الحكومي 6.5 مليار درهم (نحو 650 مليون دولار) لدعم استيراد القمح اللين فقط، خلال الفترة من يناير إلى نهاية يوليو 2022، حسب تأكيد نائب مدير المكتب الوطني للحبوب التابع وزارة الفلاحة، عزيز اليملاحي.
وقال اليملاحي لـ"الشرق" إن الدولة تتحمل تكاليف أخرى لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، منها دعم الدقيق الوطني الموجه أساساً للفئات الفقيرة، ودعم توزيع وتسويق الإنتاج الوطني من القمح اللين، فضلاً عن دعم الشعير والأعلاف الموجهة للاستهلاك الحيواني.
وفي يونيو، أعلنت الحكومة تخصيص اعتمادات جديدة بـ16 مليار درهم (1.6 مليار دولار)، لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل الارتفاع المطرد لأسعار عدد من المواد الأساسية في السوق الدولية.
وتدعم الحكومة على الخصوص الدقيق والسكر والغاز، من خلال "صندوق المقاصة"، الذي خصصت له 16 مليار درهم في قانون المالية، وهي الميزانية التي صرفت حتى شهر مايو فقط، بحسب الوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع، ثم قررت الحكومة إضافة اعتمادات أخرى بـ16 مليار درهم، ليصل إجمالي الاعتمادات المخصصة لدعم المواد الأساسية إلى 32 مليار درهم (3.2 مليار دولار).
تعليق رسوم الواردات
المحلل الاقتصادي بدر زاهر الأزرق، اعتبر أن الحكومة "ستكون مجبرة في ظل تراجع إنتاج الحبوب على تعليق الرسوم المفروضة على الواردات، وضخ اعتمادات إضافية لتثبيت أسعار القمح وعدد من المواد الفلاحية في مستويات معقولة، للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين".
وأضاف الأزرق لـ"الشرق" أن أسعار القمح المرتفعة في السوق الدولية "ستضغط بشكل أكبر على ميزانية الدولة، عبر استنزاف العملة الصعبة، وتحويل مخصصات كان يفترض أن توجه للاستثمار، لدعم الاستهلاك".
تراجع النمو
دوائر اقتصادية عدة توقعت أن يخسر المغرب 1.8 نقطة من معدل النمو، بسبب تراجع محصول الحبوب.
كانت المملكة تتوقع محصولاً بـ80 مليون قنطار من الحبوب (8 ملايين طن) في قانون المالية 2022، لكن موسم الجفاف الذي أدى لتراجع المحاصيل دفع الحكومة لخفض توقعات النمو إلى 1.3% بعد أن كانت تأمل تحقيق 3.2%.
وما يزال معدل النمو متأثراً بشكل كبير بنتائج الموسم الزراعي، الذي يرتبط بدوره بمستوى الأمطار، التي تراجعت بـ44% مقارنة مع متوسط الـ30 عاماً الماضية.
تحول اقتصادي
ترتفع أصوات في المغرب، تدعو لتقوية قطاعي الصناعة والتجارة بدلاً من الاعتماد الأكبر على الزراعة، في الناتج المحلي الإجمالي.
ودعا الأزرق، الحكومة إلى "تسريع الانتقال الاقتصادي من الاعتماد على قطاعات الزراعة والسياحة والخدمات، المرتبطة بالسياق المناخي والاضطرابات الدولية، إلى قطاعات أكثر استقراراً كالطاقات المتجددة وصناعة السيارات والطائرات".
ويساهم القطاع الزراعي في المغرب بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو المصدر الرئيسي للتشغيل في البلاد، إذ يشكل 38% من إجمالي فرص العمل.
اقرأ أيضاً: