
اكتسبت قضية وفاة المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد (46 عاماً) على يد شرطي أبيض في مدينة مينيابوليس الأميركية "أولوية قصوى"، سواء لدى السلطات الفيدرالية أو الرأي العام الأميركي، مع انطلاق تحقيق عاجل لاحتواء غضب شعبي متزايد تمظهر باحتجاجات عنيفة طوال 3 أيام.
وأشعل الغضبَ المدفون منذ سنوات فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، يُظهر شرطياً أبيض البشرة يضغط بركبته على عنق رجل أسمر ممدّد أرضاً، ويحرّكها عمداً ليقسو عليه في محاولة لتثبيته، فيما يكافح الرجل لالتقاط أنفاسه، مكرراً "لا أستطيع التنفس".
ولم تفلح استغاثة فلويد ومناشدة المارة في حضّ الشرطة على إفلاته، بل كان شرطي أبيض آخر من بين 4 ظاهرين في الفيديو يخاطبه باستهزاء: "انهض واركب السيارة" الأمنية، فيردّ عليه فلويد بأنين: "سأفعل، لكن لا أستطيع التحرك.. لا أستطيع.."، ومتأوهاً من الألم "ركبتي.. رقبتي".
وفقد فلويد- وهو أب لطفلين- وعيه فيما الشرطي يواصل دهس عنقه حتى وصول سيارة إسعاف نقلته إلى مركز طبي، حيث توفي بعد وقت قليل.
خمس دقائق
المقطع الذي صوّرته إحدى المارّات يوثّق واقعة حصلت مساء الاثنين واستغرقت 5 دقائق. فترة زمنية قصيرة في انشغالات الحياة اليومية، ولكنها بدت طويلة جداً بالنسبة إلى فلويد ومشاهدي الفيديو، ومن بينهم عمدة مينيابوليس جاكوب فراي الذي قال: "لخمس دقائق، شاهدنا فيديو لشرطي أبيض يضغط بركبته على عنق رجل أسود. لخمس دقائق!".
وأكد فراي أن لون البشرة الداكن "يجب ألا يسبب عقوبة الإعدام"، معتبراً أن "هؤلاء الضباط فشلوا في بديهيات الأساسيات الإنسانية". ودعا المدعين العامين إلى توجيه تهم جنائية ضدهم.
تحقيق دفعه ترامب
ولم تنطوِ أيام حتى بدأت المباحث الفيدرالية الأميركية التحقيق في الحادث بطلب شخصي من الرئيس دونالد ترامب الذي يكافح لاستقطاب الناخبين في معركته الانتخابية في نوفمبر المقبل.
وعلى الرغم من "خصامه" مع موقع "تويتر" بسبب "أخبار كاذبة"، لجأ ترامب إلى حليفه القديم لإعلان طلبه المستعجل بفتح تحقيق في حادثة مينيابوليس، إذ غرّد الأربعاء أن "مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل يجريان بالفعل، بطلب مني، تحقيقاً في وفاة جورج فلويد المؤسفة جداً والمأساوية في مينيابوليس"، أكبر مدينة في ولاية مينيسوتا شمال البلاد.
وأضاف ترامب: "طلبتُ الإسراع بهذا التحقيق، وأقدّر جداً كل ما بذلته سلطات إنفاذ القانون المحلية من جهد. قلبي مع عائلة جورج وأصدقائه. العدالة ستتحقق!".
وأفادت وزارة العدل الأميركية، في بيان اليوم الخميس، بأن التحقيق الفيدرالي بشأن القضية يشكل "أولوية قصوى"، مضيفة أنها كلفت ممثلي ادعاء ومحققين ذوي خبرة واسعة لتوليه.
رواية الشرطة
الفيديو المتداوَل يوثّق عملية الاعتقال، ولكنه لا يُظهر ما جرى قبلها. ويفيد بيان للشرطة بأن المواجهة بدأت بعد تلقي مركزها اتصالاً هاتفياً من محل تجاري يشكو تلقيه مالاً مزوّراً من زبون.
واشتبهت الشرطة بجورج فلويد الذي وجدته "جالساً في مقدمة سيارته الزرقاء ويبدو أنه كان تحت تأثير شيء ما"، فطلب منه الضباط الترجل والابتعاد عن السيارة، ولكنه قاوم جسدياً قبل أن يتمكنوا من السيطرة عليه وتقييد يديه بالأصفاد "من دون اللجوء إلى السلاح".
غير أن التبرير لم يقِ العناصر المتورطين من الطرد، إذ أعلنت إدارة الشرطة في الولاية أنها أقالت 4 من أفرادها، ما اعتبره عمدة المدينة "الرد الصحيح "على فعلتهم.
"الضحية أنا"
وتصاعدت دعوات لاعتقال عناصر الدورية بتهم القتل، واستفاق غضب شعبي تمظهر باحتجاجات تخللتها أعمال عنف رغم محاولة المنظمين إبقاءها سلمية ومتباعدة اجتماعياً درءاً لفيروس "كورونا".
واندلعت الاحتجاجات بعد ظهر الثلاثاء، حين وصل المئات إلى التقاطع مكان الحادث، هاتفين "لا أستطيع التنفس" و "كان يمكن أن أكون أنا" الضحية.
وسرعان ما تحولت التظاهرات المتواصلة حتى اليوم الخميس إلى معركة مع رجال الشرطة الذين أطلقوا الغاز المسيل للدموع وقنابل يدوية على المتظاهرين، مقابل تعرضهم ومركزهم للرشق بالحجارة، وسياراتهم للرش بعبارات تنديد.
عقوبات مدنية
وأجّجت القضية الغضب على الشرطة المتهمة منذ سنوات بالتمييز العنصري، وأرخت بثقلها على مهامها وتفاعلها مع المجتمع المحلي، إذ بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، قيّدت جامعة مينيسوتا العلاقات مع قسم شرطة مينيابوليس بعد وفاة جورج فلويد.
وقال رئيس الجامعة جوان غابل في رسالة إلى الطلاب والمدرّسين إن المؤسسة التربوية لن تتعاقد بعد الآن مع هذا القسم لتقديم دعم إضافي في إنفاذ القانون خلال ألعاب كرة القدم والحفلات الموسيقية وغيرها من الفعاليات الكبيرة التي تنظمها الجامعة.
"حياة السود مهمة"
وتعيد وفاة جورج فلويد إلى الأذهان حادثة وفاة إيريك غارنر (43 عاماً) اختناقاً في عام 2014، خلال اعتقاله للاشتباه ببيعه سجائر بشكل غير قانوني. وردّد غارنر أيضاً عبارة "لا أستطيع التنفس" قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وفي عام 2014، شهدت الولايات المتحدة قضية مماثلة، مع مقتل الشاب أنطونيو مارتن (18 عاماً) على يد شرطي أبيض في مدينة بيركلي الواقعة في ولاية ميزوري، حين كان خارج محطة وقود شهدت مشادات بين أصدقائه وقوات الأمن.
وتطول لائحة الاتهامات الموجهة إلى الشرطة الأميركية بالعنصرية ضد ذوي البشرة السمراء، ما دفع إلى إطلاق حركة مجتمعية اسمها يدل على هدفها: "حياة السود مهمة".