Open toolbar

وزير العدل البرازيلي سيرجيو مورو بعد استقالته - AFP

شارك القصة
Resize text
دبي -

"بعدما طُعنتُ، لن تقتلني إنفلونزا خفيفة". هكذا علّق الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، رافضاً أن تطبّق بلاده تدابير منظمة الصحة العالمية لمواجهة فيروس "كورونا" المستجد، وساخراً من "هستيريا" في هذا الصدد.

بولسونارو يشير إلى نجاته من الموت، بعد تعرضه للطعن خلال حملته الانتخابية عام 2018. لكن "مقتله" سياسياً قد يكون بعد استقالة وزير العدل والأمن العام البرازيلي سيرجيو مورو، في خطوة ربما تشكّل بداية النهاية للرئيس، علماً أن ولايته تنتهي أواخر العام 2022.

مورو ليس مجرد رقم في الحكومة، بل أبرز وزرائها وأكثرهم شعبية، والركيزة التي يستند إليها بولسونارو في مواجهته استحقاقات كثيرة، ليس أقلّها "كورونا" ومحاولة صعبة للخروج من انكماش اقتصادي.

كما أن استقالة مورو هي الثانية في الحكومة خلال أسبوع، بعد رحيل وزير الصحة لويز إنريكي مانديتا، الذي يحظى بشعبية كبيرة أيضاً، ويختلف مع بولسونارو في شأن كيفية مكافحة الفيروس، وكان حذر من إمكان "انهيار" النظام الصحي في البلاد.

رحيل 8 وزراء

ومورو هو ثامن وزير يتخلّى عن مهماته، خلال 15 شهراً من ولاية الرئيس، علماً أن علاقة الأخير متوترة أيضاً مع وزير الاقتصاد باولو غيديس، الذي كان اعتبر أن العالم "يسيء فهم" بولسونارو، قائلاً: "إنه فظّ، لكن مبادئه عظيمة".

الزلزال الذي يواجهه بولسونارو وضعه أمام ملف شائك، بعدما اتهمه مورو، وهو قاض سابق، بالتدخل سياسياً في عمل الشرطة.

ودفع ذلك المدعي العام أوغوستو أراس إلى مطالبة المحكمة العليا بفتح تحقيق في مزاعم مورو، والتي اعتبرها رئيس نقابة محامي البرازيل فيليبي سانتا كروز "تصريحات خطرة جداً تشير إلى جرائم قد يكون رئيس الجمهورية ارتكبها".

ولفت أراس إلى أن بولسونارو قد يكون انتهك قوانين كثيرة، بينها تلك المتصلة بمكافحة الفساد وعرقلة العدالة. واستدرك أن مورو قد يكون ارتكب جريمة توجيه "اتهام افترائي"، إذا تبيّن أن تصريحاته كاذبة.

مورو ولولا

وبرّر مورو استقالته بإقالة بولسونارو قائد الشرطة الفدرالية ماوريسيو فاليخو، الذي عمِل عن كثب مع الوزير السابق، في تحقيق بملف فساد ضخم، حتى أواخر العام 2018، وتبعه عندما انضم مورو إلى إدارة بولسونارو.

هذا التحقيق، الذي بدأ في البرازيل عام 2014، أدى الى سجن عشرات من الساسة البارزين ورجال الأعمال في أميركا اللاتينية، بينهم الرئيس البرازيلي السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي أُدين بتبييض أموال وفساد، عام 2017. وأحبط ذلك مساعي لولا للفوز بولاية رئاسية ثالثة، بعدما كان أبرز المرشحين للمنصب.

 

وكشف مورو فحوى محادثته الأخيرة مع بولسونارو، قبل استقالته، في شأن تعيين قائد جديد للشرطة، مشيراً إلى أن "الرئيس قال أكثر من مرة، صراحة، إنه يريد شخصاً يمكنه الاتصال به شخصياً، ومباشرة، وأن يتلقى منه معلومات عن تحقيقات، وتقارير استخباراتية".

واعتبر أن "دور الشرطة الفدرالية ليس تقديم تلك المعلومات"، مشدداً على "وجوب الحفاظ على التحقيقات". وأضاف أن تغيير قائد الشرطة ممكن، طالما أن هناك سبباً محدداً، مستدركاً أن الأمر ليس كذلك في هذه الحالة. وتابع: "تغيير قيادة الشرطة الفدرالية من دون سبب جدّي هو تدخل سياسي، ما يقوّض صدقيّتي وصدقية الحكومة. استقلالية الشرطة الفدرالية قيمة أساسية يجب الحفاظ عليها في دولة القانون".

ولفت مورو إلى أن بولسونارو "قلق من ملفات عالقة أمام المحكمة العليا"، مضيفاً أن التغيير في الشرطة الفدرالية "سيكون مفيداً أيضاً في هذا الصدد".

"ملفات عالقة"

"الملفات العالقة" التي يتحدث عنها الوزير المستقيل، تخضع لتحقيق جنائي لدى الشرطة الفدرالية وفي المحكمة العليا، وتطال مقرّبين من الرئيس، بينهم نجله فلافيو، وهو سيناتور متهم باختلاس أموال عبر وظائف وهمية، عندما كان نائباً في برلمان ريو دي جانيرو. كما أن المحكمة العليا تحقق في اتهامات تشمل نجلاً آخر لبولسونارو، كارلوس، وهو نائب في ولاية، يُشتبه في تورطه بحملات تشهير مضلِّلة على الإنترنت.

لكن بولسونارو أكد أنه "لم يطلب أبداً حماية أي فرد" من عائلته، ولا "معلومات عن أي تحقيق جارٍ". وشدد على أنه "لا يحتاج إذناً من أي شخص لاستبدال مدير أو أي شخص آخر"، مضيفاً أن مورو كان موافقاً على إقالة فاليخو، ولكن ليس قبل نوفمبر المقبل، بعد تأكده من تعيينه رئيساً للمحكمة العليا. ونفى الوزير المستقيل ذلك.

بولسونارو، الذي عيّن ألكسندر راماجيم، مدير أجهزة الاستخبارات البرازيلية، قائداً للشرطة الفدرالية خلفاً لفاليخو، أقرّ بتدخله لمرات بملفات للشرطة الفدرالية، لا سيما بشأن التحقيق في طعن الرئيس. لكنه أكد أن اتهامات مورو "بلا أساس"، متهماً إياه بأنه "لا يهتم سوى بنفسه ولا تهمّه البرازيل".

"بطل قومي" أم عدوّ لليسار؟

وشهدت علاقة الرئيس والوزير السابق خلافات في الأشهر الأخيرة، إذ انزعج مورو من طلب بولسونارو دعماً سياسياً من نواب مُدانين في ملفات الفساد التي حقق فيها القاضي السابق، وجعلته "بطلاً قومياً" في البرازيل.

ورفض مورو أخيراً طلباً من بولسونارو بإعادة فتح حدود البرازيل مع الباراغواي والأوروغواي، من أجل استئناف النشاط الاقتصادي في بلاده، المكبّل نتيجة "كورونا"، والذي أدرجه وزير آخر برازيلي في إطار "خطة صينية للسيطرة على العالم".

لكن البعض يعتبر مورو مجرّد عدوّ لليسار، أدى أيضاً دوراً أساسياً في عزل الرئيسة السابقة ديلما روسيف عام 2016. وأفادت النسخة البرازيلية من موقع "إنترسبت" العام الماضي، استناداً إلى رسائل خاصة مسرّبة من هواتف اخترقها قراصنة لمدعين فدراليين، بأن مورو انتهك قواعد أخلاقية وقانونية، من خلال قيادته توجيهاً استراتيجياً لأولئك المدعين.

وفي إقرار بفضل مورو (47 سنة)، قال بولسونارو في نوفمبر الماضي إنه لم يكن ليتولّى الرئاسة، لو لم يقم الوزير المستقيل بمهمته كقاضٍ في السابق. وفاز الرئيس في الانتخابات، مستنداً إلى برنامج يتعهد بفرض القانون والنظام.

ويحظى مورو بشعبية تتجاوز نسبة التأييد للرئيس، ويُعتبر مرشحاً لمنصب بارز، سواء كان قاضياً في المحكمة العليا، أو نائب رئيس، أو حتى رئيس للبلاد.

وقال باولو كالمون، وهو أستاذ للعلوم السياسية في جامعة برازيليا: "رحيل مورو، والأهم من ذلك، طريقة مغادرته، يشكّلان أكثر الأزمات السياسية وقعاً على حكومة بولسونارو"، إذ "تعمّق عزلته".

"انقلاب على الديموقراطية"

أما إيلونا زابو، المديرة التنفيذية لمعهد "إيغارابي" المهتم بالأمن العام، فرأت في استقالة مورو "حدثاً زلزالياً في السياسة البرازيلية". وأضافت: "رحيله يؤشر إلى مرحلة جديدة خطرة على البرازيل. إنه بمثابة انقلاب على الديموقراطية، لأن استقلالية الشرطة الفدرالية (وسيادة القانون) هي مدماك أساسي للحكم الديموقراطي".

واعتبرت مالو غاتو، وهي أستاذة مساعِدة متخصصة في سياسات أميركا اللاتينية في جامعة لندن، أن مورو "يحاول الحفاظ على بعض رأس المال السياسي الذي اكتسبه"، كما "ينأى عن رئيس يبدو أنه يتزايد سمّية".

في السياق ذاته، يرى الرئيس اليميني السابق فرناندو إنريكي كاردوسو أن "الرئيس يحفر قبره بيده"، وحضّه على "الاستقالة قبل إقالته".

بولسونارو رئيس من خارج الطقم السياسي التقليدي في البرازيل، مثل دونالد ترامب في الولايات المتحدة، ووصف "كورونا" بأنه "خيال"، مقدّماً وصفة مبتكرة لمكافحته، علماً أن خلافه حادّ مع حكام غالبية الولايات في البلاد، بشأن سبل كبح الفيروس الذي أصاب 55 ألف شخص في البلاد، وأسفر عن وفاة 3700. وبين المصابين الجنرال أوغوستو هيلينو، أبرز مستشاري الأمن القومي للرئيس، وأكثر من 12 عضواً في وفد التقى ترامب في أميركا.

"حصانة طبيعية" للبرازيليين

وتحدث الرئيس البرازيلي عن "حصانة طبيعية" يتمتع بها مواطنوه، قائلاً: "يجب درس (الفرد) البرازيلي... ترى رجلاً يغوص في (مياه) الصرف الصحي... ولا يحدث له شيء. أعتقد بأن كثيرين أُصيبوا (بالفيروس) في البرازيل، منذ أسابيع أو أشهر، ولديهم أجسام مضادة تساعد على عدم تكاثر (الفيروس). آمل بأن يكون ذلك حقيقياً".

ودعا إلى مواجهة الفيروس "مثل رجل"، مضيفاً: "سنموت جميعاً يوماً ما". وتابع مخاطباً صحافياً: "هل تسألني إذا كان مسنّون وضعفاء سيموتون بسبب الفيروس؟ نعم، سيموتون. يؤسفني ذلك. لكن الاقتصاد لا يمكن أن يتوقف بسبب وفاة آلاف من الأفراد".

وقال مايكل شيفتر، وهو رئيس معهد "إنتر-أميركان دايالوغ" (مقرّه واشنطن): "إنها مقامرة كبيرة جداً ومخاطرة هائلة لبولسونارو، وربما لن تنجح. لكنني لا أستبعد أن يكون ذلك ممكناً. قد يحالفه الحظ".

أما كارلوس ميلو، وهو أستاذ للعلوم السياسية في جامعة إنسبر في ساو باولو، فرأى أن "كورونا يعمل في البرازيل بوصفه نوعاً من محفّز، ويوجّه كل هذا السخط" ضد بولسونارو الذي "يحاول استعادة السيطرة" على الوضع. بدوره اعتبر لولا أن بولسونارو "يرتكب أخطاء" وسياساته "كارثية".

تطهير البرازيل من "الماركسية الثقافية"

يستند الرئيس البرازيلي إلى قاعدة محافظة، وانتُخب بعدما قدّم نفسه بوصفه "مدافعاً عن الحرية". كما طبّق قيماً ثقافية محافظة، وحارب وسائل إعلام، ساعياً إلى تطهير البلاد من "الماركسية الثقافية". واتهم معارضون بولسونارو بفرض قيود على العلماء وترهيبهم، لاعتباره أن الجامعات العامة تشكّل "ملاذاً للتلقين العقائدي اليساري".

 

في السياق ذاته، حذر كارلوس بولسونارو، نجل الرئيس، من أن أي تدخل للدولة في مكافحة "كورونا" سيشكّل مؤشراً إلى أن البرازيل "تتجه نحو الاشتراكية"، إذ أن شلل الاقتصاد سيدفع المواطنين إلى الاعتماد على الدولة "حتى في غذائهم".

وكان لدى البرازيل، منذ لدستور أُقرّ عام 1988، نظام صحي واحد، يمكّن جميع سكانها (211 مليوناً) من الوصول إلى الموارد الطبية. لكن تعديلاً دستورياً أُقرّ عام 2016، ويحدّ من الإنفاق العام، يرغم السلطات على تقليص جذري لتمويل هذا القطاع، والذي يقلّ حالياً عن 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

بولسونارو لم يكتفِ بتجاهل تعليمات السلطات الطبية في شأن كبح "كورونا"، بل شارك في تظاهرة أمام مقرّ الجيش في برازيليا، دعماً للتدخل العسكري في السياسة، ولإغلاق المحكمة العليا والكونغرس.

واعتبر رئيس نقابة المحامين البرازيليين أن الرئيس تجاوز الخط الأحمر، فيما كتب قاضي المحكمة العليا لويس روبرتو باروسو على "تويتر": "مُخيف رؤية تظاهرات من أجل عودة النظام العسكري، بعد 30 سنة على الديموقراطية".

حنين إلى النظام العسكري

بولسونارو، وهو نقيب سابق في الجيش، لا يخفي حنينه إلى الديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل، بين عامَي 1964 و1985. ومنذ تسلّمه منصبه مطلع العام 2019، طالب وزارة الدفاع بإحياء ذكرى تلك الديكتاتورية، وساند تغييرات في منهاج التاريخ في المدارس، تبدّل أسلوب التدريس حول مسألة الانقلاب العسكري عام 1964.

معلوم أن 9 من 22 وزيراً في حكومة بولسونارو هم عسكريون سابقون، أي أكثر مما شهدته الحكومات خلال الديكتاتورية، ناهيك عن تعيين أكثر من 300 عسكري في مناصب نافذة في الإدارة الفدرالية.

 

قد يكون وزير الخارجية البرازيلي إرنستو أراوجو أفضل تعبير عن نهج حكومة بولسونارو، إذ أمضى سنوات في واشنطن، مدافعاً عن سياسات لولا وروسيف، قبل أن يشهد تحوّلاً جذرياً في تفكيره. وكتب مقالاً عام 2017، مندّداً بالأمم المتحدة وقوى أخرى معولَمة، لمحاولتها استبدال القومية الحقيقية، والتي اعتبر أنها تنشأ من "الآلهة والأجداد"، بـ "قيم" أخرى خادعة.

وأضاف أن "التقليد الليبرالي والثوري بأكمله"، منذ عصر التنوير، استند إلى "رفض الماضي"، بمعنى "رفض الأبطال، والعبادة الدينية، والأسرة"، وبلغ ذروته في "رجل ما بعد الحداثة المعاصرة، المفتقر إلى روح". واعتبر أن هذه الأخطاء الفلسفية أدت إلى نقص شديد في الثقة بالنفس لدى الحضارة الغربية.

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.