بات وزير الخزانة السابق ريشي سوناك في طريقه لأن يصبح أول رئيس وزراء في بريطانيا من أصول آسيوية وهندية على أن تكون المهمة الأبرز للمصرفي الثري هى التصدي للتضخم الذي وصفه في وقت سابق بأنه "العدو الذي يفقر الجميع".
وأعلن حزب المحافظين الأحد، ترشح شخصين رسمياً للمنصب هما سوناك الذي كان قد حصل على أكثر من 100 تزكية ضرورية من نواب الحزب لخوض السباق، ووزيرة العلاقات مع البرلمان بيني موردونت التي فشلت في الحصول عليهم.
وبينما ساهم قرار رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون بعدم الترشح لرئاسة الوزراء مجدداً في انتهاء السباق مبكراً، وكان سوناك قد لعب دوراً حاسماً في مغادرة جونسون دوانينج ستريت، إذ ينظر إلى استقالته من وزارة الخزانة على أنها كانت فاصلة في الإطاحة به.
ويواجه سوناك الذي خسر سباق رئاسة الوزراء قبل نحو شهر ونصف إرث منافسته ليز ترَس التي استقالت بعد 6 أسابيع فقط من تعيينها، جراء صدمة أثارها برنامجها الاقتصادي في أسواق المال، نتيجة تبنيها أكبر تخفيضات ضريبية غير ممولة منذ نصف قرن.
وأعلن سوناك مراراً رفضه خفض الضرائب قبل عودة التضخم إلى مستوى معقول، بينما كانت ترَس قد وعدت بخفض الضغط الضريبي "منذ اليوم الأول".
أصول هندية
ولد جدا ريشي سوناك في شمال الهند بولاية البنجاب، وهاجرا إلى بريطانيا عبر شرق إفريقيا في ستينيات القرن الماضي.
وولد سوناك نفسه في ساوثهامبتون عام 1980، وعمل والده كطبيب عام، فيما عملت والدته كصيدلانية. وأرسله والديه إلى مدرسة وينشيستر الخاصة التي تقتصر على أبناء الطبقة الارستقراطية.
ويوصف سوناك بأنه أغنى نائب بريطاني، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية، لكن حجم ثروته غير معروف. ولم يعلق هو على ثروته علناً من قبل.
البزوغ مع كورونا
عين ريشي سوناك، الذي يلقب أحياناً بـ"مهراجا يوركشاير دايلز"، (42 عاماً) وزيراً للخزانة البريطانية قبل وفترة وجيزة من انتشار جائحة كورونا، إذ تولى منصبه في 13 فبراير 2020، وساهمت خطط الإغاثة التي وضعها لمواجهة آثار فيروس كورونا الاقتصادية ومساعدة البريطانيين على تجاوز تأثيرها عليهم، في بروزه إلى واجهة المشهد السياسي.
وقبل أن يصبح سوناك على رأس وزارة الخزانة عُين سكرتيراً لها في 24 يوليو 2019، وشغل قبلها منصب مساعد وزير الدولة لشؤون الإسكان بحسب سيرته الذاتية المنشورة على موقع الحكومة البريطانية.
درس سوناك العلوم السياسية والفلسفة والاقتصاد بجامعة أكسفورد، وعمل بعدها في القطاع المالي إذ انضم لبنك "جولدمان ساكس" الشهير، قبل أن ينتقل إلى العمل في صناديق التحوط عام 2006 حين عمل في صندوق "TCI"، قبل أن يغادره في 2009 ليؤسس صندوق تحوط خاص به مع آخرين.
دخل سوناك السياسة في مايو 2015 حين انتخب عضواً في مجلس العموم عن ريتشموند، وخدم كمساعد برلماني بوزارة الأعمال والطاقة في 2017 وحتى تعيينه بوزارة الخزانة.
ودعم سوناك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016، وقال إن المملكة المتحدة ستكون "أكثر حرية وعدالة وازدهاراً خارج الاتحاد الأوروبي".
صعود صاروخي
برز اسم ريشي سوناك، بعدما قدم خططاً اقتصادية ضخت مليارات الجنيهات للحفاظ على الوظائف ومساعدة أصحاب الأعمال الحرة خلال فترة الإغلاق، وكذلك توزيع إعانات مالية على المواطنين الذي عانوا خلال الإغلاق الذي استمر 18 شهراً.
والسبب في بروز نجم سوناك، أن حزب المحافظين معروف بسياساته التقشفية والتي تقتضي اقتطاعات كبيرة في الإنفاق العام، لكن خطط سوناك ضخت مليارات الجنيهات في حزم تحفيز اقتصادية متوالية وبرامج للدعم المالي للمتضررين.
فحين ضربت كورونا الاقتصاد البريطاني تعهد سوناك بـ"فعل كل ما يلزم" لمساعدة الناس للخروج من الجائحة، وقدم خططاً بقيمة 350 مليار جنيه، وهو ما صعد بتقييمه في استطلاعات الرأي صعوداً صاروخياً.
ابنة بيل جيتس الهند
واجه سوناك انتقادات لكونه ثري بشكل شخصي، ولكن هذه لم تكن نقطة الانتقاد الوحيدة، فهو متزوج من ابنة أحد أغنى أثرياء الهند على الإطلاق، وهي أكشاتا مورتي، والتي يملك والدها الذي يعرف بـ"بيل جيتس الهند"، إمبراطورية تقنية في الهند وهي شركة"Infosys"، وتملك هي فيها نحو 0.91% وهو ما يماثل نحو 500 مليون جنيه إسترليني، وهو ما وضع ثروتها فوق الثروة الشخصية لملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية بحسب "سكاي نيوز".
وجرَّت الثروة على سوناك اتهامات بكونه بعيد عن العامة، وسط ارتفاع كبير لمستويات التضخم وتكلفة المعيشة في بريطانيا عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.
تزوج سوناك من أكشاتا عام 2008 بعدما تقابلا في جامعة ستانفورد، وبرزت شؤونهما المالية إلى العلن بعدما واجهت اتهامات بعدم دفعها للضرائب في المملكة المتحدة عن الدخل من خارجها نظراً لحصولها على وضعية "غير مواطن" لأنها لا تحمل الجنسية البريطانية.
كما جرّت أعمال شركة والدها في روسيا والتي ظلت مستمرة رغم العقوبات المفروضة على موسكو، انتقادات كبيرة.
وأعلنت أكشاتا في أبريل الماضي، أنها ستدفع الضرائب في المملكة المتحدة عن كامل دخلها، حيث أنه "بات من الواضح أن كثيرين يرون أن أمراً غير ذلك، لا يتوافق مع دور زوجي كوزير للخزانة".
سوناك الذي أعلن أنه طلب من مستشار خاص التحقيق في ملائمة الترتيبات المالية لعائلته، وكونها معلنة بشكل واضح في أبريل، أصر أن زوجته "تدفع الضرائب في الدول التي لديها أعمال فيها"، معتبراً أن أمورها المالية كمواطنة لا تعمل في القطاع العام "لا يجب أن تكون متاحة للنقاش العام".
إقامة أميركية
تعرض سوناك وزوجته لتدقيق إضافي بعدما تم الكشف عن أنه وزوجته كانا يحملان إقامة دائمة في الولايات المتحدة (جرين كارد) حتى عام 2021، ما يعني أنهما أبقيا عليها أكثر من عام بعد تولي سوناك منصب وزارة الخزانة حسبما ذكرت "سكاي نيوز".
وقالت متحدثة باسم سوناك إن وزير الخزانة استخدم البطاقة الخضراء لأغراض السفر، وإنه لدى سفره للولايات المتحدة لأول مرة خلال توليه منصب وزير الخزانة، ناقش سوناك المسار الملائم لاتخاذه مع السلطات الأميركية، وأنهم نصحوه بأنه من الأفضل أن يعيد البطاقة، وهو ما فعله في الحال بحسب المتحدثة.
جزء من فضيحة
فضيحة الحفلات التي كانت بداية لسلسلة أحداث أدت في النهاية للإطاحة ببوريس جونسون، نالت من سوناك أيضاً، إذ تم تغريمه مع جونسون وعدد آخر من المسؤولين لحضورهم حفلات وتجمعات أقيمت خلال فترة الإغلاق التي فرضتها الحكومة بسبب فيروس كورونا.
وأعرب سوناك، بعد تغريمه ونشر صور له مع جونسون أثناء حضورهما الحفلات عن "أسفه العميق" للغضب والأذى الذي كان سبباً فيه.