
انكسرت علاقة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع مساعده الأكثر ولاءً له، نائبه مايك بنس، الأربعاء، بعدما تجاهل الأخير دعوة وجّهها إليه الرئيس المنتهية ولايته، لتمكينه من الفوز في الانتخابات التي خسرها أمام خصمه الديمقراطي جو بايدن.
وشنّ ترمب هجوماً على بنس، عبر موقع تويتر، بعدما أعلن نائب الرئيس أنه عاجز عن إلغاء أصوات المجمّع الانتخابي، التي صبّت لمصلحة بايدن. وكتب الرئيس، في إشارة إلى بنس: "لم تكن لديه الشجاعة لفعل ما كان يجب فعله".
وأفادت وكالة "بلومبرغ" بأن ترمب حوّل جلسة لمجلسَي الكونغرس، تخلو عادة من التشويق، للمصادقة على نتائج الانتخابات، إلى اختبار ولاء بالنسبة إلى بنس، في "محاولة يائسة للتشبّث بالسلطة". وأشارت إلى "نتائج كارثية لهذه المغامرة، ليس فقط بالنسبة إلى العلاقة بين الرئيس ونائبه، ولكن أيضاً بالنسبة إلى الانتقال السلمي للسلطة" في الولايات المتحدة.
واقتحم متظاهرون مؤيدون لترمب مقر الكونغرس في واشنطن، بعدما حضّهم الرئيس على "الزحف" إلى المبنى، لدعم مشرعين جمهوريين خططوا للطعن بأصوات المجمّع الانتخابي في ولايات. ووجد بنس نفسه عالقاً في فوضى، واضطر إلى الخروج من قاعة مجلس الشيوخ، بعدما ترأس الجلسة المشتركة.
"مخلص بلا كلل"
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن تحدي بنس لمطالب ترمب برفض أصوات المجمّع الانتخابي، يستند إلى الدستور الذي لا يمنح نائب الرئيس سلطة مشابهة، مستدركة أن ذلك شكّل حتى الآن "أخطر انفصال لنائب الرئيس عن رئيسه"، ومذكّرة بأن بنس "كان مخلصاً بلا كلل لترمب، ولم ينتقده علناً أو يعارض أيّاً من سياساته".
وعندما استأنف مجلس الشيوخ اجتماعه الأربعاء، أدان بنس مؤيّدي ترمب المشاركين في العنف، لكنه لم يذكر الرئيس بالاسم. وتعهد بمحاكمة المتظاهرين الذين اقتحموا مبنى الكابيتول، علماً أن ترمب لم يلمّح إلى ارتكابهم أي خطأ. وقال نائب الرئيس: "إلى الذين أثاروا فوضى في العاصمة اليوم، لم تنتصروا. العنف لا ينتصر أبداً. الحرية تنتصر. ولا يزال هذا بيت الشعب".
ورجّحت "بلومبرغ" أن تكون لأحداث الأربعاء "نتيجة مدمّرة بالنسبة إلى علاقات" ترمب وبنس، وأن تمسّ تداعياتها المستقبل السياسي للأخير، بما في ذلك احتمال خوضه انتخابات الرئاسة في عام 2024.
بنس وانتخابات 2024
وأشارت الوكالة إلى أن استنتاج بنس بأن الدستور لا يمنحه سلطة التدخل في فرز أصوات المجمّع الانتخابي، أثار انتقادات لدى المقرّبين من ترمب. ونقلت عن مصدر قوله إن حلفاء للرئيس يعتقدون بأن بنس قضى على تطلّعاته الرئاسية لعام 2024، بعدما خالف مطالب ترمب. وأضاف أن الموالين للرئيس لن يدعموا أياً من المساعي السياسية لبنس مستقبلاً.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن السنوات الأربع التي قضاها بنس، موالياً الرئيس بشكل مطلق، ستذهب سدىً، وفق "بلومبرغ".
وأضافت الوكالة أن نائب الرئيس "تولّى مهمات شاقة، مثل الإشراف على استجابة البيت الأبيض لفيروس كورونا المستجد، وكان يراعي ترمب بشدة، لدى ظهورهما معاً في الأماكن العامة. ومكّن هذا النهج بنس من الاحتفاظ باستحسان ترمب، من دون أن يردّد مزاعمه الأكثر غرابة".
وتابعت الوكالة أن ارتباط بنس بترمب بشدة، ربما يتيح له استمالة أنصار الرئيس، إذا قرر خوض انتخابات 2024. واستدركت أن ردّ الفعل السلبي لترمب على أحداث الأربعاء، قد يفسد تلك الخطط.
"علامات انقسام"
ولفتت "بلومبرغ" إلى ظهور "علامات انقسام" بين بنس والقاعدة المتشددة لترمب، بعد فترة وجيزة على الانتخابات، إذ سعى نائب الرئيس إلى التركيز على فريق العمل الخاص بكورونا، وانتخابات الإعادة لمجلس الشيوخ في ولاية جورجيا، لا على الاعتراضات على النتائج التي قدّمتها الحملة الانتخابية للرئيس.
وأثار بنس، علناً، مخاوف بشأن الانتخابات، مشيراً إلى وجوب احتساب كل صوت قانوني. لكنه لم يكرّر مزاعم ترامب بتزوير الاقتراع.
لكن دور بنس في ترؤس جلسة الكونغرس، للمصادقة على نتائج أصوات المجمّع الانتخابي، شكّل تحدياً هائلاً لعلاقته بترمب، معرّضاً إياها للخطر. وإصرار الرئيس على فوزه في الانتخابات، أدخل نائبه في مأزق، بين التمسّك بالدستور الذي أقسم على حمايته، أو دعم ترمب الذي كان مخلصاً له، وفق "بلومبرغ".
الفصل بين السلطات
وبوصفه رئيساً لمجلس الشيوخ، يؤدي نائب الرئيس مهمة إجرائية إلى حد كبير، أثناء المصادقة على أصوات المجمّع الانتخابي. ومع ذلك، جادل ترامب طيلة أيام، بأن بنس قادر على رفض المصادقة على تلك الأصوات، وإرسال الأمر مرة أخرى إلى الولايات، لاتخاذ قرار بشأنها. وبعد مشاورات مع فريقه القانوني، وأعضاء مجلس الشيوخ، قرّر بنس أنه لا يستطيع تنفيذ ما يطلبه ترمب.
واعتبر نائب الرئيس أن من صلاحياته تمكين المشرعين من الطعن بالنتائج، علماً بأن الفصل بين السلطات، الوارد في الدستور، يمنع مسؤولاً واحداً من تحديد نتيجة الانتخابات. وأضاف بنس: "إن منح نائب الرئيس سلطة أحادية لاتخاذ قرار بشأن انتخابات الرئاسية، سيكون مناقضاً تماماً لهذا الوضع".
ورأت "بلومبرغ" أن قرار ترمب بالانقلاب على نائبه، يُظهر مدى عزلته، في أيامه الأخيرة في الحكم. وفي خطاب ناري، ألقاه أمام أنصاره خارج البيت الأبيض، قبل الجلسة المشتركة للكونغرس، حضّ ترامب بنس على عدم الانضمام إلى جمهوريين، اعتبر أنهم لن يطعنوا بنتائج الانتخابات، واصفاً إياهم بأنهم "ضعفاء" و"مثيرون للشفقة". وقبل دقائق من خطاب ترمب، أعلن بنس أنه لن يبدّل نتيجة الانتخابات.