
في العاشر من أكتوبر الجاري، اختار العراقيون 329 نائباً جديداً في انتخابات تشريعية سجلت المشاركة فيها نسبة 41%، وصدرت نتائج لا تزال حتى الساعة أولية، نظراً إلى الخلافات التي نشبت على النتائج، ما دفع إلى إعادة فرز بعض المحطات.
وحقق "التيار الصدري"، الذي يتبنى خطاباً مناهضاً لإيران، أكبر المكاسب وفق النتائج الأولية، مقابل تراجع الفصائل الشيعية الموالية لإيران. لكن لا يُنتظر أن تغير هذه المكاسب لعبة المفاوضات بين مختلف القوى التي لطالما هيمنت على السياسة العراقية، بحسب وكالة "فرانس برس".
مكاسب التيار الصدري
أعلن التيار الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والذي يحظى بقاعدة جماهيرية واسعة، تصدره النتائج بأكثر من 70 مقعداً في البرلمان الجديد، مقابل 54 في عام 2018، وفق تعداد لعدد المرشحين الفائزين والنتائج الأولية للمفوضية العليا للانتخابات.
ويقدّم الصدر، الذي تزعّم أبرز فصيل مسلح قاتل القوات الأميركية بعد عام 2003، نفسه كرافض للفساد ومكافح لسوء الإدارة.
وإذا تأكدت هذه النتائج، يصبح للتيار الصدري قدرة على الضغط في تشكيل الحكومة، علماً بأنه أعرب مراراً عن طموحاته في اختيار رئيس للوزراء.
الموالون لإيران
مع نحو 20 مقعداً، سجل تحالف "الفتح" الذي يمثل "الحشد الشعبي" في البرلمان ويضم فصائل شيعية موالية لإيران، تراجعاً قوياً بحسب النتائج الأولية، بعدما كان القوة الثانية (48 نائباً) في برلمان 2018 الذي دخله مدفوعاً بالانتصارات ضد تنظيم "داعش".
وأعلن التحالف وفصائل موالية لإيران نيتها الطعن بالنتائج، قائلة إنه شابها "احتيال".
في المقابل، اتهم فصيل نافذ في "الحشد الشعبي" رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بأنه "عراب التزوير". وصعّدت تنظيمات تعدّ مقربة من إيران وغير منضوية في "الحشد" تهديداتها ضد الأمم المتحدة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويرى خبراء، وفق "فرانس برس"، أن لعبة التفاوض قد تسمح لـ"الحشد" الذي يطالب بانسحاب القوات الأجنبية من العراق، بالاحتفاظ ببعض المكاسب. ومع دعم حليفته إيران، يبقى قوة لا يمكن تفاديها في السياسة العراقية، بحسب الوكالة.
وحقق تحالف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي رئيس حزب "الدعوة" الذي هيمن على موقع رئاسة الوزراء لمدة 13 عاماً، والموالي لإيران أيضاً، خرقاً في هذه الانتخابات مع نحو 37 مقعداً، مقابل 24 فقط في الدورة السابقة.
تحالف "قوى الدولة الوطنية"
سجل تحالف "قوى الدولة" برئاسة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ويضم أيضاً "تيار الحكمة" بزعامة رجل الدين الشيعي عمار الحكيم الذي يقدم نفسه كتيار شيعي معتدل، تراجعاً ملحوظاً إلى 5 نواب فقط. وكان تيار الحكمة يملك 19 نائباً في البرلمان السابق، وائتلاف العبادي 42 نائباً.
الحلبوسي القوة الثانية في البرلمان
نجح رئيس البرلمان والسياسي السُّني الصاعد محمد الحلبوسي، على رأس تحالف "تقدم"، بتحقيق نتائج قوية مع نحو 40 مقعداً، ما قد يجعل منه القوة الثانية في البرلمان.
وتمكّن الحلبوسي البالغ من العمر 40 عاماً من التحول إلى لاعب مهم في السياسة العراقية خلال فترة قصيرة، لا سيما من خلال عمله على استثمارات في مناطق مثل الرمادي في محافظة الأنبار غرباً، وتوسيع علاقاته الإقليمية.
ولم يتمكن منافسه الرئيسي تحالف "عزم" من تحقيق سوى نحو 12 مقعداً، وفق النتائج الأولية، وهو يضم عدداً كبيراً من السياسيين السُّنة الموجودين على الساحة منذ زمن، بزعامة خميس الخنجر الخاضع لعقوبات أميركية على خلفية "فساد".
امتداد والمستقلون
تمكنت حركة "امتداد"، التي تقول إنها منبثقة من الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في أكتوبر 2019، من كسب نحو 10 مقاعد وفق النتائج الأولية، منها 5 في الناصرية جنوب البلاد، حيث تركزت التظاهرات قبل عامين.
وتُعرّف الحركة عن نفسها على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها "حركة سياسية عراقية لا طائفية لا قومية لا عنصرية تهدف إلى بناء دولة المواطنة والمؤسسات".
وبُعيد إعلان النتائج الأولية، قال أمينها العام علاء الركابي في تصريح لقناة محلية إن "هذه نهاية صفحة سيئة في تاريخ العراق".
وفاز كذلك عدد ممن يقدمون أنفسهم على أنهم مستقلون، لكن هؤلاء قد ينضوون لاحقاً في تحالفات حزبية، ما من شأنه تغيير حجم التكتلات النهائية في البرلمان.
الأحزاب الكردية
لا يزال الحزبان الرئيسيان، "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" برئاسة نجل وابن شقيق رئيسه الراحل جلال طالباني، مهيمنان على المشهد السياسي الكردي في العراق عموماً وإقليم كردستان الذي يتمتع باستقلال ذاتي ويدعم الوجود الأميركي في العراق.
وأعلن "الديمقراطي الكردستاني" حيازته نحو 33 مقعداً، أي أكثر بنحو 7 مقاعد عن الدورة السابقة، مقابل 16 لطالباني وفق ما أعلن حزبه.
وبالنسبة إلى الأحزاب التي تمثل المعارضة في الإقليم، فقد زاد عدد مقاعد "حزب الاتحاد الإسلامي" من 2 إلى 3. وحققت حركة "الجيل الجديد" تقدماً من 4 إلى 9 مقاعد، وفق ما أعلنت.
لكن حزب "كوران" أو "التغيير" الذي كان يملك 8 مقاعد في البرلمان السابق، لم يحظَ حتى الآن بأي مقعد كما قال، وأعلنت قيادته استقالتها إثر النتائج.
انتقادات
وانتقد أعضاء في كتل سياسية عراقية أسلوب الفرز الإلكتروني في الانتخابات التشريعية، إذ قال عادل المانع العضو في ائتلاف دولة القانون إن مليون و600 الف بطاقة بايومترية لم تسلم الى المواطنين، و"استخدمت من قبل متنفذين".
وأضاف في تصريحات لـ"الشرق"، أنه لم يقل أن مفوضية الانتخابات استخدمتها، وتابع قائلاً: "قد تكون تعرضت للبيع والشراء من قبل المرشحين والكيانات السياسية، وهو ما يعتبر تزوير بأصوات الناخبين"، على حد وصفه.
ودعا المانع إلى إعادة عد وفرز الأصوات "يدوياً" لجميع النتائج، مع إلغاء النتائج الإلكترونية، واصفاً ذلك بـ"الحل الأمثل"، مؤكداً أن النتائج المعلنة حتى الآن "مشكوك فيها".
ومن جانبه، قال مختار الموسوي عضو تحالف الفتح إن النتائج المعلنة غير مقبولة، وأن "الفرز اليدوي" من المفترض أن يتم، بحضور مراقبي الكيانات السياسية والأحزاب دون منعهم، مشيراً إلى منع المراقبين من الدخول إلى بعض مراكز فرز الأصوات.
وقال الموسوي لـ"الشرق"، إنه "لا يعلم أين ذهب أصوات التصويت الخاص"، مشيراً إلى أن هناك 1200 صوت من القوات الأمنية ذهبت لـ"الفتح"، و"إلى الآن لا أعرف أين ذهبت".
وقال الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، إنه قد يمتلك قريباً "معلومات تثبت بالدليل القطعي تزوير الانتخابات"، ودعا في بيان إلى ترقب تلك المعلومات.
وأشار مناف الموسوي المحلل السياسي العراقي، إلى وجود "إرباك حدث في عمل مفوضية الانتخابات"، لكنه لا يعتقد أن هناك تغيير قد يحدث في النتيجة النهائية للتصويت إذا اعتمدت المفوضية نظام العد والفرز اليدوي.
ووصف الموسوي الانتخابات التي جرت، الأحد، بانها من أفضل الانتخابات منذ عام 2003، مؤكداً أن الإسراع في إعلان الانتخابات، رغم حدوث ارتباكات فيه، إلا أنه أغلق الباب أمام التدخل السياسي، وعمليات التزوير التي كانت تحدث في السابق، على حد قوله، حين كان الإعلان عن النتائج يستغرق 10 أيام، "يتم فيها التغيير حسب الرغبات السياسية"، مضيفاً أن" اليوم التجربة أصبحت أكثر نضوجاً".