
يعكس التوتر المتصاعد بين الهند وباكستان، طبيعة علاقاتهما الشائكة منذ استقلالهما في عام 1947. إلا أن عاملاً ثالثاً دخل المعادلة، وهي الصين حليفة إسلام آباد، والتي تمارس ضغوطاً متزايدة على نيودلهي.
دفع ذلك إسلام آباد إلى اتهام نيودلهي بافتعال أزمة معها أخيراً، بعد "مهادنتها" بكين، إثر صدام حدودي عنيف بين الجيشين الصيني والهندي، أسفر عن مقتل 20 جندياً هندياً. كذلك واجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي انتقادات عنيفة في بلاده، إذ اتُهم بالتساهل مع بكين.
وأصدرت الهند الثلاثاء قراراً يلزم باكستان بتقليص عدد موظفي سفارتها في نيودلهي إلى النصف، خلال أسبوع، معلنة أنها ستفعل الأمر ذاته في إسلام آباد. وبرّرت ذلك بـ"خطف" مسؤولَين هنديَين تحت تهديد السلاح في باكستان، كما اتهمت مسؤولين في المفوّضية العليا الباكستانية في نيودلهي بـ"التورط بأعمال تجسّس، وإجراء تعاملات مع تنظيمات إرهابية".
في المقابل، رفضت وزارة الخارجية الباكستانية الاتهامات الهندية التي وصفتها بـ"مزاعم بلا أساس"، معتبرة أنها ذريعة لخفض عدد موظفي سفارتها في نيودلهي إلى النصف.
تصعيد باكستاني
ونبّه وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي إلى أن الهند كانت تخطط لشنّ هجوم على بلاده، من أجل تحويل الانتباه عن صدامها الحدودي مع الصين في جبال الهيمالايا.
وقال قريشي لشبكة "جيو" الباكستانية، إن "الهند كانت تحاول إيجاد عذر لعملية عسكرية ضد باكستان، بعد تعرّضها لضرب وحرجٍ من الصين في الهيمالايا". وأكد أن "إسلام آباد ستردّ بكل قوة، إذا نفذت نيودلهي أي مغامرة"، علماً أن الجانبين خاضا ثلاث حروب، ونزاعات مسلحة عدة.
وفيما كان قريشي يرفع لهجة التحذير الباكستانية للهند، جدّدت بكين اتهامها لنيودلهي اليوم الأربعاء، بالتسبّب في الصدام الحدودي بينهما في 15 يونيو الجاري، والذي شهده وادي غالوان، الذي يشكّل جزءاً من منطقة لاداخ المتنازع عليها بين البلدين. ولم تُستخدم أسلحة في الصدام، لكنه كان الأكثر دموية بين الطرفين منذ نصف قرن.
وأشار الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، إلى أن الصدام حصل على الجانب الصيني ممّا يُسمّى "خط السيطرة الفعلي"، الذي حُدِّد بعد الحرب الهندية - الصينية في عام 1962. واعتبر الناطق، في مؤتمر صحافي، أن "الممارسات المتهوّرة للجيش الهندي، انتهكت بشكل خطر الاتفاقات المُبرمة بين البلدين، والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية".
وأعلن تشاو أن محادثات أجرتها بكين ونيودلهي الاثنين والثلاثاء، أدت إلى موافقتهما على "اتخاذ التدابير اللازمة لتهدئة الوضع"، معرباً عن أمله بأن "تلتقي الهند والصين في منتصف الطريق، ومن خلال تدابير عملية واستعادة السلام والاستقرار في المنطقة الحدودية".
انتقادات لمودي
لكن مودي قد يجد صعوبة في ملاقاة بكين "في منتصف الطريق"، إذ تعرّض لانتقادات عنيفة، وجّهتها إليه المعارضة في بلاده، معتبرة أن ردّه كان خجولاً خلال الصدام مع بكين، ومندّدة بتأكيده أن القوات الصينية لم تتوغّل في أراض هندية أو تحتلّ بعضها.
ونقل موقع "إيجا تايمز" عن مانموهان سينغ، رئيس الوزراء الهندي بين عامَي 2004 و2014، قوله إن "الصين تسعى بوقاحة وبشكل غير قانوني، إلى المطالبة بأجزاء من الأراضي الهندية، مثل وادي غالوان وبحيرة بانغونغ تسو".
وحضّ مودي على أن "يدرك دوماً تأثير كلماته وتصريحاته على أمن أمّتنا، وفي مصالحها الاستراتيجية والإقليمية"، وأضاف: "نقف عند مفترق طرق تاريخي، وسيكون لقرارات حكومتنا وأفعالها تأثير خطر، في كيفية تصوّر الأجيال المقبلة لنا".
وترى المعارضة الهندية تناقضاً في تعامل مودي "المتساهل" مع بكين، و"الصارم" مع إسلام آباد، إذ أمر مودي في فبراير 2019، بشنّ غارات جوية في الشطر الباكستاني لكشمير، بعد مقتل 41 شرطياً هندياً بهجوم نفذه تنظيم متشدد قرب سريناغار، أبرز مدن الجزء الهندي من الإقليم.
وقدّم مودي نفسه بطلاً قومياً لا يخشى دولاً منافسة، ومكّنته تلك الغارات من الفوز في الانتخابات النيابية في عام 2019.
تبادل تجاري ضخم
لكن مودي لا يحظى الآن بهامش كبير للمناورة، نتيجة فيروس "كورونا" المستجد المستشري في الهند، وتراجعها الاقتصادي، وسيتجنّب حرباً مع الصين يرُجّح أن تنتهي بهزيمة لبلاده. كما أن للجانبين علاقات تجارية متنامية، إذ بلغت واردات الهند من الصين 70 مليار دولار في عام 2019، بعدما كانت لا تتجاوز 1.3 مليار في عام 2000، إضافة إلى استثمارات صينية في الهند قيمتها 26 مليار دولار، وفق "إيجا تايمز".
ولفت الباحث في معهد "بروكينغز" بروس ريدل، إلى أن الجيش الباكستاني "يراقب عن كثب" النزاع الحدودي في لاداخ، مضيفاً أن "أجهزة الاستخبارات الباكستانية استضافت اجتماعاً استثنائياً لقيادة الجيش، في مقرّها في روالبندي، بعد شيوع أنباء الصدام".
وأشار إلى أن الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي منع إسلام آباد من السيطرة على مزيد من الشطر الهندي في كشمير، خلال الحرب الصينية – الهندية عام 1962، التي انتهت بهزيمة وصفت بـ"المذلّة" لنيودلهي.
"اتفاق دفاع مشترك"
وقبل سنوات من تلك الهزيمة، "اقترح" الماريشال أيوب خان، أول حاكم عسكري لباكستان، بعدما نفّذ انقلاباً في عام 1958، "اتفاق دفاع مشترك" مع الهند، نتيجة توجّسه من توسّع الصين.
وأوردت مجلة "ذي ويك" الهندية أن جاي إن ديكسيت، الذي كان مستشاراً للأمن القومي في الحكومة الأولى (الهندية) لمانموهان سينغ، ذكر في كتاب أصدره في عام 2002، بعنوان "الهند وباكستان في الحرب والسلام"، أن "أيوب قدّم اقتراحه في 24 أبريل 1959، بعد أسابيع على فرار الدالاي لاما من التيبت، في ظلّ هجوم صيني، ولجوئه إلى الهند".
ونقل ديكسيت عن السفير الباكستاني في طوكيو محمد علي، قوله في 20 أبريل 1959، إن "ملف التيبت يجب أن ينبّه آسيا إلى خطر الإمبريالية الحمراء" في إشارة إلى الصين. لكن جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند، رفض اقتراح أيوب، قائلاً: "لا نريد أن تكون لدينا سياسة دفاعية مشتركة، وهي تقريباً نوع من تحالف عسكري".
وكتب المعلّق شاناكيا (يستخدم اسماً واحداً) في صحيفة "هندوستان تايمز" الهندية أن "المجتمع الاستراتيجي الهندي لطالما اعتبر الصين تهديداً"، مستدركاً أن "اقتصاد الهند أضعف بكثير، وقدراتها العسكرية والتكنولوجية لا تضاهي تلك الصينية (..) كما أن الصين لاعب أكثر أهمية".
وأضاف أن الصدام في لاداخ "أيقظ فجأة عدداً كبيراً من المواطنين، إلى حقيقة أن باكستان تشكّل تحدياً أمنياً مهماً، ولكن ربما ليس الأهم، الذي تواجهه الهند". وتابع: "استعداد الصين لتأكيد نفسها في الخارج، في ظلّ الرئيس شي جينبينغ، وتفاوت قوتها مع الهند، يجعلها خصماً أكثر جدية".
وختم أن "لاداخ 2020 أدخل عامل الصين في السياسة الهندية، وعواقبه ستكون بعيدة المدى".