شهدت مصر مؤخراً عدداً من الحوادث، بين اصطدام قطارين، وتعطل الملاحة في قناة السويس إثر جنوح سفينة شحن ضخمة، وصولاً إلى انهيار مبنى في القاهرة، وأجزاء من جسر قيد الإنشاء، فضلاً عن اندلاع حريق كبير قرب محطة قطارات في إحدى مدن الدلتا.
وبينما يتابع الجانب الأكبر من المصريين تداعيات الحوادث المتعاقبة، انهمك جانب منهم في ربط الأمر بـ"الرحلة الذهبية"، المنتظرة، والتي تتعلق بنقل المومياوات الملكية من المتحف المصري في وسط القاهرة، إلى المتحف القومي للحضارة في الثالث من أبريل، ولسان حالهم يسترجع إحدى أكثر الأساطير شهرة وارتباطاً بالحضارة المصرية القديمة، وهي "لعنة الفراعنة".
ويأتي الاعتقاد الذي بات حديث مواقع التواصل بأن مسلسل الحوادث المتعاقب ما هو إلا ترجمة لـ"غضب الفراعنة"، بسبب عملية نقل المومياوات المزمعة، مطالبين المسؤولين بالتراجع عن قرار النقل حتى تتوقف "اللعنة".
ورغم رواج هذا الاعتقاد، إلا أنه في المقابل هناك من استنكروا ربط ما يجري بـ"لعنة الفراعنة" مطالبين بمواصلة العمل والكف عن هذه الاعتقادات، لا سيما أن البلاد تحتاج إلى العمل الجاد ومحاولة تلافي الحوادث بعيداً عن أي اعتقادات.
حقيقة أم خرافة؟
وعلى الرغم من تعامل الكثيرين مع مصطلح "لعنة الفراعنة" كحقيقة مسلمة، ينفي علماء المصريات أن يكون للأمر أساس من الصحة.
وقال الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير البحث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بوزارة الآثار المصرية، في تصريحات لـ"الشرق": "على الرغم من وجود عدد من النصوص التحذيرية على مقابر الملوك، إلا أن التاريخ الفرعوني لم يتضمن أي نقوش أو إشارة لما عُرف حديثا بـ"لعنة الفراعنة"، وإنما كان الغرض منها إبعاد اللصوص، نظراً لانتشار سرقات المقابر في حقب مصر القديمة".
وأضاف: "الربط بين الأحداث المؤسفة التي وقعت مؤخراً، وحدث نقل المومياوات المرتقب، غير منطقي ويعود إلى الترويج لموضوع لعنة الفراعنة للدرجة التي جعلت الكثير من الناس يؤمن بوجودها".
وأشار ريحان إلى أن ظهور مصطلح "لعنة الفراعنة" يعود إلى وفاة عدد من العمال المساهمين في فتح مقبرة توت عنخ آمون، على يد عالم المصريات الشهير هوارد كارتر عام 1922
تفسير علمي
وتابع المسؤول المصري: "من الطبيعي لمقبرة مغلقة من آلاف السنين، وتتضمن طعاماً وشراباً وأدوات تم دفنها مع الميت ليستخدمها في الحياة الآخرة وفقاً لمعتقدات الفراعنة الخاصة بالبعث والخلود، أن تتحلل وتنبعث منها غازات سامة وبكتيريا قاتلة".
وأوضح ريحان أنه بعد هذه الواقعة أصبحت هناك تدابير احترازية تتخذ قبل دخول المقابر المكتشفة "كالتهوية الجيدة للمكان لفترة كافية"، و"ارتداء ملابس واقية للفريق" وغيرها من الإجراءات لحماية من يدخل.
ولفت ريحان إلى أن عدداً من الكتاب ساهموا بعد واقعة توت عنخ آمون في الترويج لفكرة "لعنة الفراعنة" ونشرها على نطاق واسع مثل الكاتب أنيس منصور في كتابه "الذين نزلوا من السماء" واستغلوا النصوص المنقوشة على المقابر مثل "من يقترب من هذا الجسد سيلقى حتفه" و"سيضرب الموت بجناحيه السامين من يعكر صفو الملك"، وغيرها من النصوص.
وأشار ريحان إلى أن بعض المتاحف الغربية تروج من وقت لآخر لهذه الفكرة بهدف الدعاية للآثار المصرية الموجودة لديهم، مشيراً إلى أن متحف جامعة "مانشستر" البريطانية زعم أن هناك تمثالاً مصرياً قديماً تحرك ببطء لنصف دورة ليعطي ظهره للزوار قبل سنوات عدة.
حوادث بلا دليل
من جانبه، قال مجدي شاكر، كبير الأثريين في وزارة الآثار لـ"الشرق" إن ربط الأحداث الأخيرة بالسحر الأسود ولعنة الفراعنة يعود إلى الثقافة الشعبية التي يترسخ فيها الإيمان بقوة السحر على مر العصور.
وأشار شاكر إلى أن هناك تمثالاً في المتحف المصري يدعى "جد حور" اشتهر باسم "التمثال المسحور" بسبب النقوش المحفورة عليه، والتي كان الغرض منها الوقاية من لدغات الحيات والعقارب والزواحف السامة.
ولفت شاكر إلى أن هناك عدداً من الحوادث التاريخية ساهمت في تعزيز فكرة "لعنة الفراعنة" لدى عموم الناس، مذكراً بالمزاعم التي ربطت بين غرق "السفينة تايتانك" ووجود مومياء فرعونية على متنها، وغيرها من الحوادث المشابهة.
وأشار كبير الأثريين في وزارة الآثار المصرية، إلى أنه عند اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون كانت هناك مفارقات غريبة ساهمت في ترسيخ اعتقاد "لعنة الفراعنة"، عندما توفي ممول حملة التنقيب عن المقبرة في القاهرة في ظروف غامضة، وانقطعت الكهرباء عن العاصمة في أمر نادر الحدوث.
وأضاف: "مسلسل الوفيات الغامضة لم يتوقف آنذاك، إذ شمل سكرتير مكتشف المقبرة كارتر ومساعده، وحين علم والد السكرتير بالحادثة انتحر، وعند دفنه في لندن تسبب الحصان الذي ينقل جثمانه في قتل طفل، ناهيك عن العمال الذين توفوا خلال فتح المقبرة، وهو ما جعل الصحف الأجنبية وقتها تتحدث عن (لعنة الفراعنة) وتنشر الفكرة على نطاق عالمي".
تأجيل متوقع
وتابع شاكر: "رغم هذه الحوادث التي رسخت إيمان الكثيرين بلعنة الفراعنة إلا أنه لا يوجد دليل علمي على وجودها، ومكتشف مقبرة توت عنخ أمون ذاته عاش بعد اكتشاف المقبرة 17 عاماً وهناك "بردية" وهو نوع قديم من الورق بعنوان (سرقات المقابر) لم تشر إلى وجود لعنة أو عقاب للسارقين أو مدنسي المقابر الفرعونية، ولذلك لا نريد أن نحمّل الأمور أكثر من حجمها ونربط ما يجري بلعنة الفراعنة".
وألمح شاكر إلى أن الرحلة الذهبية من الممكن أن يتم تأجيلها، ولكن ليس بسبب الخوف من لعنة الفراعنة، وإنما بسبب "حالة الحداد على الضحايا الذين راحوا في حادثة قطار سوهاج".