هل يقف الفلسطينيون على أعتاب انتفاضة مسلحة؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
متظاهرون في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية - 30 سبتمبر 2022 - REUTERS
متظاهرون في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية - 30 سبتمبر 2022 - REUTERS
مخيم الجلزون-محمد دراغمة

اعتاد الشاب الفلسطيني خالد عنبر البالغ من العمر 20 عاماً، في الأسابيع الأخيرة، أن يخرج من بيته في مخيم الجلزون، قرب رام الله، عند منتصف الليل، ويعود في ساعات الفجر.

ولكن في الثالث من الشهر الجاري، خرج  خالد ولم يعد، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أطلق عليه النار مع رفيقه لدى محاولته دهس جنود بسيارته على مدخل المخيم، قبالة مستوطنة "بيت إيل".

وقالت رنا، والدة خالد، وهي تستقبل المعزين في بيتها الصغير الواقع على أطراف المخيم، إنها "كانت تعلم أن خالد ماضٍ إلى هذا المصير". وأشارت إلى أنها طلبت منه أن يُعد نفسه للزواج، لكنه رد قائلاً: "زوّجي أخي محمد (الأصغر منه سناً) فأنا أريد أن أستشهد".

مجموعات ومواجهات

خالد، واحد من الشبان الفلسطينيين اليافعين الذين يخرجون هذه الأيام للمواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، في مختلف مناطق الضفة الغربية، البعض منهم شكل مجموعات مسلحة أخذت تشن هجمات على أهداف إسرائيلية.

أولى هذه المجموعات المسلحة ظهرت في مخيم جنين، وسرعان ما تشكلت مجموعات مماثلة في نابلس وطولكرم وطوباس.

وقال الكاتب الفلسطيني هاني المصري، إن هذه "المجموعات مرشحة للنمو والتمدد في ظل الممارسات الإسرائيلية، خاصة الاستيطان الذي يسيطر على غالبية مساحة الضفة الغربية ويحاصر التجمعات الفلسطينية ويحيلها إلى كانتونات (تقسيم إداري)، وفشل خيار الحل السياسي".

وأضاف المصري لـ"الشرق"، أن "عمل هذه المجموعات كان في البداية الدفاع عن المدن والمخيمات في وجه الاجتياحات الاسرائيلية. أما اليوم، فأصبحت تشن هجمات خارج هذه التجمعات"، لافتاً إلى أن ذلك "يدل على أنها أصبحت أكثر قوة".

"انفجار كبير"

ورأى شعوان جبارين وهو مدير "مؤسسة الحق"، وهي منظمة فلسطينية مستقلة لحقوق الإنسان، أن "الممارسات الإسرائيلية مثل الاستيطان والقتل الميداني لأبسط الأسباب، وسلب الأرض والمياه والحصار كلها تدفع الجيل الجديد من الفلسطينيين إلى الرد".

وقال جبارين لـ"الشرق"، إنه من الواضح "أننا مقدمون على انفجار كبير بسبب الممارسات الإسرائيلية التي تدفع الناس للانفجار".

تحدٍ للسلطة

ويشكل تنامي هذه المجموعات تحدياً كبيراً للحكومة الفلسطينية، إذ تؤدي سيطرتها على الشارع إلى تآكل سلطة الحكومة، خصوصاً من التعاطف الشعبي لهذه المجموعات التي تعرب عن استعدادها للتضحية بحياتها في مواجهة الاحتلال وممارساته القمعية.

وتتعرض السلطة الفلسطينية لضغوط إسرائيلية أميركية، للعمل على تفكيك هذه المجموعات. وقال مسؤولون فلسطينيون لـ"الشرق"، إن السلطة "رفضت الاستجابة لطلبات إسرائيلية بالعمل على ملاحقة المسلحين واعتقالهم، لكنها في الوقت نفسه، قلقة من محاولة جهات خارجية استغلالهم لتقويضها (السلطة)".

وأوضح  مسؤول أمني كبير لـ"الشرق"، أن "السلطة ضبطت قنوات تمويل خارجية لمجموعات مسلحة"، معلناً اعتقال "عدداً ممن يقومون بتسهيل عمليات نقل الأموال".

تمويل إيراني

وقال المسؤول الأمني إن "أحد المعتقلين قام بتحويل أكثر من مليون دولار لمجموعات مسلحة في جنين ونابلس"، لافتاً إلى أن "مصدر هذه الأموال كان إيرانياً".

وأضاف أن التحقيقات بينت أن لدى حركة "حماس" خطة لخلق حالة من الفوضى الأمنية في الضفة الغربية، بهدف السيطرة على الشارع وإضعاف السلطة، مؤكداً أن "أجهزة الأمن ستلاحق من يخدم خطة حماس هذه".

من جانبها، نفت مصادر في "حماس" الأمر، وقال مسؤول في الحركة لـ"الشرق"، إن "حماس لم تتوقف يوماً عن العمل بكل الوسائل المتاحة ضد الاحتلال"، لافتاً إلى أن "العمل على دعم العمل العسكري في الضفة الغربية هو استراتيجية قديمة للحركة طالما بقي الاحتلال".

مسؤولون أمنيون وسياسيون قالوا لـ"الشرق"، إن "الأجهزة الأمنية تجري حواراً مع أنصار حركة فتح في المجموعات المسلحة بهدف استيعابهم وثنيهم عن العمل العسكري الذي سيؤدي، في حال استمراره، إلى قيام إسرائيل باجتياح شامل مماثل للاجتياح الذي جرى عام 2002".

وذكّروا بأن إسرائيل قامت عام 2002 بـ"قتل واعتقال الآلاف، وتدمير مقار أجهزة الأمن والبنى التحتية من شبكات مياه وكهرباء وهاتف وطرق وغيرها".

وقال أحد المسؤولين الأمنيين: "نحن على اتصال مع جميع أعضاء وأنصار فتح الذين يشكلون أغلبية في هذه المجموعات، ولا نرى خياراً آخر سوى وقفها لأن استمرارها يقود إلى عودة الاجتياح الإسرائيلي الذي لا قبل لهذه المجموعات بمواجهته".

حاضنة شعبية

ولقي 113 فلسطينياً مصرعهم في الضفة الغربية على يد الجيش الإسرائيلي، سقط عدد كبير منهم أثناء اقتحامات استهدفت مجموعات مسلحة. ومن بين الضحايا: 37 في مخيم جنين ونحو 10 في نابلس اللتين تشكلان المعقلين الأساسيين للمجموعات المسلحة.

واعتبرت مؤسسات لحقوق الإنسان، أن "هذا العدد من الضحايا الذي سقط برصاص الجيش الإسرائيلي هو الأعلى منذ 7 سنوات".

وعن تمتع المجموعات المسلحة بحاضنة شعبية واسعة في الشارع الفلسطيني، قال جمال حويل، أحد كوادر حركة "فتح" في مخيم جنين لـ"الشرق"، إن "ظاهرة العمل المسلح في المخيم جاءت رداً على الممارسات الإسرائيلية".

وأشار إلى أن "الغالبية العظمى من النشطاء هم من حركة فتح، وأنهم يرفضون الانضمام إلى مجموعات أخرى بسبب عمق انتمائهم للحركة".

وزاد: "هناك بعض القوى التي تحاول استقطابهم من خلال الاستعداد لتزويدهم بالسلاح والمال، لكنهم يفضلون البقاء في فتح التي لا تمدهم بأي مال ولا سلاح، بسبب انتمائهم العميق للحركة القائم على إرثها الكفاحي الطويل".

لكن حويل أشار إلى أن "هناك وحدة ميدانية بين جميع المسلحين الذين يهبون للتصدي للجيش الإسرائيلي في كل مرة يقتحم فيها المخيم والمدينة".

ضغط أميركي

وكشف مسؤولون فلسطينيون لـ"الشرق"، أن الجانب الأميركي أثار قضية المسلحين في لقاءات يعقدها وفد فلسطيني رفيع مع مسؤولين أميركيين في واشنطن هذا الأسبوع.

وقال أحد المسؤولين: "طلب منا الجانب الأميركي العمل على اعتقال المسلحين وتفكيك المجموعات المسلحة، وكان ردنا بأن هذا غير ممكن في ظل الاجتياحات الإسرائيلية".

وتابع: "قلنا لهم إن على إسرائيل الانسحاب من كل مناطق السلطة الفلسطينية التي حددها اتفاق أوسلو، والتي تشمل جميع المدن والبلدات الكبرى في الضفة، والتوقف عن اجتياحها، عندها فقط يمكن للسلطة الفلسطينية أن تطالب الجميع بإلقاء السلاح، لكن من دون ذلك سنظهر وكأننا نعمل وكيلاً أمنياً لإسرائيل، وهذا ما لا يمكننا عمله". وأضاف: "سنعمل وفق أولوياتنا وليس وفق أولويات إسرائيل".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات