
قيّم رئيس لجنة الدفاع في البرلمان البريطاني توبياس إلوود، أخيراً، قدرات جيش بلاده بأنها تؤهله "للصمود 5 أيام فقط حال خاض حرباً"، وذلك بالتزامن مع اقتراب إعلان لندن عن ميزانية العام المقبل، وسط مطالب داخلية وخارجية بزيادة الإنفاق العسكري، وتلبية حاجة القوات المسلحة لمواجهة تهديدات تمس الأمن القومي.
وثمة توجه عام في البلاد، لدعم الجيش بالجند والعتاد بعد سنوات من التقليص على المستويين، خاصة أن ما قدمته لندن للأوكرانيين من دعم دفاعي لصد القوات الروسية طوال عام كامل من الحرب، جاء على حساب القدرات العسكرية للمملكة المتحدة، ما خلق خوفاً حقيقياً على أمن البلاد، وفق تحذيرات برلمانية مختصة.
ووفق قراءات وتحليلات مختصة، فإن المملكة المتحدة تحتاج إلى عقد من الزمن لتتمكن من إعادة تأهيل جيشها إلى المستوى المطلوب، ولكن "كلمة السر" تكمن في الميزانية وإنفاق الأموال على هذه المهمة.
وهنا تتجه الأنظار إلى المراجعة الجديدة للأمن والدفاع التي سيعلن عنها الأسبوع المقبل، وستحدد حجم الإنفاق العسكري.
وتتوقع تقارير أن يعلن وزير الخزانة جيرمي هانت زيادة الإنفاق العسكري، ولكن السؤال، هل تُلبي الزيادة تطلعات وزير الدفاع بن والاس؟ وهل تكفي لتبديد مخاوف البريطانيين من تراجع أمن بلادهم؟ وبعد هذا وذاك، هل ستأخذ بعين الاعتبار التزامات لندن تجاه الحلفاء في القارة الأوروبية بشكل خاص؟
جيش صغير
في حديث مع راديو "LBC" البريطاني، قال توبياس، إن "الحكومة أغدقت الدعم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا إلى درجة تراجع مخزونات الأسلحة بشكل مقلق"، منوهاً إلى أن "إعادة ترميم الإمكانات العسكرية يحتاج لعقد من الزمن، وفق وتيرة التصنيع العسكري الراهنة".
وأضاف إلوود، وهو نائب محافظ وعسكري سابق في الجيش البريطاني، أن "مشكلة تراجع المخزون العسكري لا تخص بريطانيا فقط، وإنما الدول الغربية، التي وقفت إلى جانب كييف في نزاعها مع موسكو منذ فبراير 2022، ولكن ما يزيد حال المملكة المتحدة سوءاً، هو تأثير سنوات التقشف التي سبقت حرب أوكرانيا".
ولفت النائب عن الحزب الحاكم، إلى أن "الجيش البريطاني يعتبر صغيراً مقارنة بما كان عليه بعد انتهاء الحرب الباردة، فمقابل 900 دبابة في مطلع التسعينات، الآن لديه 150 فقط. وبينما كانت القوات الجوية تضم 36 سرباً من الطائرات المقاتلة في الماضي، لا تملك لندن اليوم سوى 8 أسراب".
وأشار إلوود إلى أن "تقوية الجيش الآن تعادل في أهميتها دعم الاقتصاد ومساعدة الناس في كلفة المعيشة، فأمن بريطانيا والقارة الأوروبية ككل بات مهدداً، ولا يمكن تجاهل ضرورة زيادة ميزانية الدفاع بحجة أننا نحتاج إلى الأموال للمدارس، والمستشفيات، ووسائل النقل، وغيرها من مجالات الحياة".
"متأخر 15 عاماً"
ستعلن الحكومة البريطانية مراجعتها الأمنية والدفاعية الجديدة خلال الأسبوع المقبل، وعلى ضوء هذه المراجعة سيتقرر قيمة ما سيتم إنفاقه على تسليح وتعزيز قدرات الجيش خلال السنوات المقبلة.
وبحسب تقرير لصحيفة "التايمز" البريطانية، لن يتجاوز المبلغ 5 مليارات جنيه إسترليني، وهو أقل بكثير مما يريده وطلبه وزير الدفاع.
بن والاس الذي كان يطالب بإنفاق 8 إلى 11 ملياراً على الجيش خلال العامين المقبلين، قال في مؤتمر صحافي، إنه "يتوقع من رئيس الحكومة (ريشي سوناك) ووزير الخزانة، التزاماً طويل الأجل تجاه القوات المسلحة، وتحسين قدرات الدفاع لمواجهة التحديات التي تحيط بالقارة الأوروبية".
ووصف والاس الجيش البريطاني في وضعه الراهن، بـ"المتأخر" 15 عاماً مقارنة بنظرائه في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وحول العالم. وبالتالي لن تكفي حفنة من المليارات لإنجاز المهمة كما يشتهي وزير الدفاع، لكنه يأمل بأن تكون الأوضاع عام 2025 أفضل حالاً، والخزينة أكثر انفتاحاً مقارنة بالفترة الراهنة.
ولفت وزير الدفاع إلى أن تعزيز قدرات الجيش لا تتضمن فقط تسليحه، مشيراً إلى أنه يتوقع أيضاً نقاشاً حول زيادة عدد أفراده بعد أن تقلص المجموع إلى 73 ألف جندي كنتيجة للمراجعة الدفاعية الأخيرة قبل عامين، منوهاً إلى أن "حرب أوكرانيا كشفت عن ضرورة ملحة في هذا السياق (عدد الجنود)، كما كشفت ثغرات بشأن كم وكيفية تسليح الجيش".
احتياجات ومهام
وسيعلن هانت خلال أيام، عن المراجعة الأمنية الجديدة والميزانية التي بنيت على أساسها، ولكن "ثمة امتعاض في بعض الأوساط من تفضيل الدفاع على قطاعات أخرى في زيادة الإنفاق".
وفي مقابل هذا الامتعاض، قال القائد السابق للجيش البريطاني ريتشارد دانت، إن "تقوية الجيش لم تعد رفاهية يمكن تجاوزها أو تجاهل الحاجة الملحة إليها".
وأشار دانت في حديث مع "BBC"، إلى أن "تطوير القدرات العسكرية للبلاد لا يقوم على أساس ما تحتاجه وزارة الدفاع، وإنما على ضوء المهام المطلوبة من الجيش في هذه المرحلة"، مشدداً على أن "الحرب الأوكرانية كشفت حالة الترهل التي تعيشها القوات المسلحة في بريطانيا بسبب سياسات التقشف".
ولفت دانت إلى أن "الجيش يعاني من تداعيات ما يزيد على عقدين من السياسات الحكومية الرامية إلى تقليص عديده وعتاده"، مشيراً إلى أن "الحرب الأوكرانية أظهرت أن هذه السياسات لم تكن ناجحة، والضرر الذي طال القوات المسلحة بسببها كبير، وينطوي على تهديد حقيقي للأمن القومي إن لم يتم معالجة المشكلات التي نجمت عنها فوراً".
ورداً على الدعوات إلى فصل الحاجة لتدعيم الجيش عن تقديم الدعم العسكري لكييف، شدد القائد السابق للقوات البريطانية على أن "بريطانيا منخرطة بشكل مباشر في الحرب الأوكرانية.. ولا يمكن القول إنها تدعم الأوكرانيين لتعزيز نفوذها في أوروبا.. فالتهديد الروسي يمثل خطراً حقيقياً على دول القارة دون استثناء".
انتشار أوروبي
وعلى خلفية الحرب الأوكرانية، أنشأت الحكومة البريطانية أخيراً، قاعدة عسكرية لها في النرويج. وقالت إن "القاعدة الجديدة التي سميت (كامب فايكنج)، ستكون بمثابة مركز لقوات مشاة البحرية.. فتعزز بذلك الحضور العسكري البريطاني في القطب الشمالي، وتدعم التزامات المملكة المتحدة حيال أمن المنطقة خلال العقد المقبل".
بدوره، أوضح الباحث في العلاقات الأوروبية البريطانية بعد "بريكست" سايمون سورن، أن "لندن تمتلك فرصة جيدة جداً لتحسين علاقاتها مع بروكسل من باب تعزيز التعاون في مجالات الدفاع والأمن القومي.. فالحرب الأوكرانية قربت المسافات بين الدول الرافضة لسياسة موسكو في أوروبا، وخففت من حدة الخلافات والتباينات بينها".
وقال سورن لـ"الشرق"، إن "بريطانيا يجب أن تعزز انتشارها العسكري في أوروبا، وتكثف تعاونها الأمني مع دول الاتحاد الأوروبي.. وبالتالي يستحسن أن تتضمن المراجعة المرتقبة لسياسات الدفاع والأمن، توافقاً بين المملكة المتحدة وحلفائها في القارة بشأن جميع التهديدات الداخلية والخارجية".
كما شدد سورن على أن "التحالفات الأمنية والعسكرية تعني الدول الأوروبية كثيراً اليوم.. وتفهم بريطانيا لمطالب وهواجس الاتحاد الأوروبي في هذا الخصوص، يجعل بروكسل أكثر مرونة في بحث جميع الملفات العالقة مع لندن بسبب بريكست.. ناهيك عن أن تلك التحالفات بحد ذاتها، تنطوي على أبعاد اقتصادية هامة جداً للمملكة المتحدة".
آسيا وأفريقيا
ولا يبدو أن الحاجة إلى تعزيز الجيش البريطاني تنحصر في حماية الأمن القومي داخل أوروبا. إذ قالت مديرة الأبحاث الأوروبية في جامعة "كوين ماري"، سارة ولف، إن "زيارة ريشي سوناك إلى باريس الجمعة، ترمي إلى توسيع تعاون فرنسا والمملكة المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
ولفتت البروفيسورة ولف في مقالة متخصصة نشرت على موقع الجامعة، إلى أن "الأنشطة العسكرية الصينية والروسية في إفريقيا، باتت تقلق الاتحاد الأوروبي وعموم الدول الغربية.. وهو ما يقرب المسافة بين باريس ولندن كثيراً، للتعاون وتنسيق العمل مع دول إفريقية في إطار مواجهة ومكافحة التهديدات الأمنية المشتركة".
وأشارت ولف إلى أن "باريس ولندن قادرتان على إظهار القوة العسكرية الأوروبية خارج حدود القارة.. والتعاون الذي يمكن أن يعيشه البلدان في إفريقيا، يمكن أن ينسحب إلى آسيا.. حيث يتزايد القلق الغربي من الهيمنة الصينية على دول القارة.. وتتصاعد المخاوف من استمرار التجارب الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية".
ولفتت البروفيسورة إلى أن "مشاركة القوات البريطانية في الوجود البحري للاتحاد الأوروبي شمال غربي المحيط الهندي، يعزز التعاون وتبا
دل المعلومات بين القوات البحرية الأوروبية.. ويمهد الطريق نحو مبادرات مشتركة مماثلة في الشرق، أي في سنغافورة التي تمتلك المملكة المتحدة منشأة بحرية فيها".
اقرأ أيضاً: