أعمال الحركة التشكيلية العربية خلال 100 عام في معرض فني بالقاهرة

time reading iconدقائق القراءة - 7
مجموعة بورتريهات للفنانة أسماء خوري في معرض "مختارات عربية" بالقاهرة، 29 مايو 2021 - الشرق
مجموعة بورتريهات للفنانة أسماء خوري في معرض "مختارات عربية" بالقاهرة، 29 مايو 2021 - الشرق
القاهرة -ميّ هشام

شهد أتيليه العرب للثقافة والفنون، بالعاصمة المصرية القاهرة، انطلاق معرض "مختارات عربية" الذي يضم أعمالاً تشكيلية متنوعة لـ150 فناناً عربياً، ينتمون إلى أجيال متعاقبة، وتُجسد تجاربهم تمثيلاً لتحولات الحركة التشكيلية العربية خلال 100 عام. 

ويستمر المعرض، الذي بدأت فعالياته السبت، على مدى شهر حتى أواخر شهر يونيو، ويقام بقاعتي "ضي 1" و"ضي 2".

التجربة وامتدادها

"جولة واحدة لا تكفي"، هذا هو الانطباع الأول الذي يتركه معرض "مختارات عربية" لدى زائره، حيث تستضيف القاعتين "ضي 1" و"ضي 2"، بالتزامن مئات الأعمال التشكيلية لعدد من الفنانين العرب، الذين ينتمون لأجيال "الرواد، والوسط، والشباب".

ويعتمد المعرض أسلوباً مختلفاً في العرض، ففي حين يشمل المدى الزمني الذي تنتمي إليه الأعمال قرناً من الزمان بين عشرينيات القرن الماضي والألفية الجديدة، يتنقل "مختارات عربية" بسلاسة بين الأعمال دون النظر لزمن إبداعها.

وتظهر السلاسة في الانتقال الناعم بين لوحات الفنان التشكيلي المعاصر سامي البلشي، بالأبيض والأسود، التي تُعرض جنباً إلى جنب مع أعمال الفنان التشكيلي الراحل جميل شفيق، بالأبيض والأسود هي الأخرى، عاكسة حالة امتداد عابرة للأجيال.

غائبون وحاضرون

ويُبرز المعرض أعمالاً لتشكيليين راحلين، أمثال إنجي أفلاطون، وآدم حنين، وعبد البديع عبد الحي، وأحمد فؤاد سليم، وغيرهم، كما يضم أعمالاً للفنانين حلمي التوني وجورج بهجوري وعادل السيوي، وعاطف الشافعي، ومحمد عبلة، وأسماء خوري.

كما يشهد المعرض حضوراً بارزاً لرموز فن الكاريكاتير، إذ ضم المعرض أعمالاً للفنان الراحل مصطفى حسين، بعضها نشر بجريدة الأخبار المصرية، وبعضها يعكس وجهاً آخر أبعد قليلاً عن كاريكاتير الصحف.

ومن رموز الكاريكاتير الحاضرين بأعمالهم أيضاً، الفنان الراحل أحمد طوغان، فضلاً عن مجموعة من لوحات الفنان جمال قطب، الذي اشتهر بأغلفة الكتب ولوحاته المصاحبة للأعمال الأدبية.

ويعتبر التشكيلي أسامة عمران، الذي تُعرض له مجموعة أعمال تنتمي لآخر معارضه المقام في 2018 بـ"مختارات عربية"، أن المعرض فُرصة جيدة جداً لإنعاش الذاكرة، فضلاً عن أنه من المشرّف لأي فنان معاصر أن يرى أعماله بجانب أعمال أساتذته من جيل الرواد.

وقال عمران في حديثه لـ"الشرق": "أشعر بالفخر والخجل في الوقت نفسه أن تجاور أعمالي أعمال أساتذتي: زكريا الزيني وسيد عبد الرسول وممدوح عمار".

"التناول الواقعي للرموز الشعبية" هو العنوان العريض الذي يضعه عمران لمجموعته المعروضة، والتي تصلح، وفقاً له، أن تكون سفيراً لمجمل أعماله، إذ تجسد بوضوح ولعه الشديد بالرموز الشعبية المميّز لمسيرته الفنية.

وجوه في زمن الحرب

بدوره، يرى النحات طارق الكومي، مدير متحف محمود مختار، والذي يُعرض له في "مختارات عربية" 5 أعمال، أن المعرض يفيد كمدخل معرفي لدارسي الفنون وتاريخ الفن للغوص في رحلة حول الأساليب والتقنيات الفنية وحتى الخامات والألوان التي انتشرت من النصف الأول من القرن العشرين، حتى القرن الذي يليه نظراً لتحقيقه ميزتي التنوّع والتعاقب.

ويدلل الكومي على رأيه بقوله: "المعرض يحاكي زيارة لمتحف الفن الحديث، إذ يضم أعمالاً لأبناء جيل الرواد أمثال عفت ناجي وأحمد نوار وعز الدين نجيب، والجيل التالي أمثال فرغلي عبدالحفيظ وشمس القرنفيلي، وأخيراً أعمالاً لتشكيليين شباب أمثال أحمد صابر ومعاوية حسين".

وعن أحدث أعماله بالمعرض، فيقول: "لديّ عمل هنا هو مجموعة مكونة من 3 بورتريهات وجوه من زمن الحرب، ويجسد العمل حالة المشاعر المتجمدة التي تنتاب البشر سواء كانوا محاربين أو مواطنين وقت الحرب".

ووفقاً للكومي، ساعد أسلوبه المعتمد على اختزال التفاصيل واعتماد نهج تعبيري والمعالجة النحتية البسيطة للعنصر البشري على إبراز مشاعر الحرب واتساع مساحة التأويل فيها.

وأضاف: "أنا أميل لمدرسة السهل الممتنع في الحلول النحتية، الأقرب للفن المصري القديم، خلافاً للفن الإغريقي والروماني الزاخر بالتفاصيل، فكلما سادت حالة التلخيص كان السطح هو البطل، وأعطى مساحة للظل والنور، كما يعطي طاقة للكتلة، فيما تشغل التفاصيل العين وتبدد الطاقة".

أعمال سعودية

بالإضافة للتنوع الزمني الواسع، يعكس المعرض تنوعاً من نوع آخر، فالمعرض يستعرض بثراء تجارب تشكيلية من المحيط للخليج، بحضور لافت للحركة التشكيلية السعودية التي يمثلها 20 فناناً سعودياً، والحركة التشكيلية السودانية، والعراقية والفلسطينية.

ويعتبر هشام قنديل، مدير أتيليه العرب للثقافة والفنون، أن الدورة الحالية لتجربة "مختارات عربية" هي النسخة الأكثر اكتمالاً من حيث التنوع والثراء، بالمقارنة بالدورات العشر السابقة.

ووفقاً لقنديل، استضاف "أتيليه جدة" النسخ الأولى منه، إذ كان حينذاك مقيماً في المدينة السعودية وشاهداً على بواكير الحركة التشكيلية في المملكة.

واحتفى قنديل في حديثه لـ"الشرق"، بإتاحة المعرض التعرف على تجربة متكاملة لعدد من الفنانين العرب، عن طريق عرض مجموعات من أعمالهم بدلاً من العمل الواحد: "لدينا مجموعة للفنان التشكيلي السعودي عمر النجدي عبارة عن 10 أعمال، وكذلك مجموعة لجورج بهجوري، ومجموعة لزكريا الزيني، وغيرهم".

قوة الأسماء المشاركة عربياً، نقطة قوة لـ"مختارات عربية"، وفقاً لقنديل: "هناك أسماء عربية كبيرة، وخير سفراء للحركة التشكيلية لبلدهم، فمن العراق لدينا أعمال سعدي الكعبي، ومن السعودية عبد الله حماس، ومن السودان عمر صبير".

 أقدم عمل

وقال قنديل إن عملية الإعداد الفعلي والإخراج الفني للعرض استغرقت نحو 15 يوماً متواصلة ليحقق حالة التنقل بين الأزمنة والتجارب دون تشويش وتحقيق حسن استغلال المساحات.

وبسؤاله عن أقدم معروضات مختارات عربية، أوضح أن لوحة الفنان التشكيلي الراحل حسين محمد يوسف، ربما تكون ظهرت في العشرينات من القرن الماضي، وبذلك على الأرجح هي الأعرق بين الأعمال، بجانب أعمال التشكيلي صبري عبد الغني والتشكيلي زكريا الزيني.

وفرضت الأسماء التشكيلية العريقة الحاضرة بـ"مختارات عربية" صرامة معيارية في اختيار النماذج الفنية الشابة الممثلة بالمعرض، بحسب قنديل، ويستعين الأتيليه بلجنة استشارية من رموز الحركة التشكيلية الحالية لاختيار الأعمال المعروضة.