"أبل" نحو مزيد من الإعلانات.. هل نودع عصر الخصوصية على آيفون؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
شعار أبل على أحد متاجرها في نيويورك. - REUTERS
شعار أبل على أحد متاجرها في نيويورك. - REUTERS
القاهرة- الشرق

خلال حفل إطلاق أبل لهاتف آيفون 4 في 2010، وقف الراحل ستيف جوبز، مؤسس أبل ومديرها التنفيذي السابق، ليعلن إطلاق أول منصة إعلانية للشركة iAd، والتي كانت تسمح بإظهار الإعلانات داخل تطبيقات الآيفون.

كانت أبل تستهدف في ذلك الوقت حصد 50% على الأقل من سوق الإعلانات على الهواتف. ورغم تعثر خطوات الشركة في هذا السوق، فإن من الواضح أن حلم دخول سوق الإعلانات بدأ يراودها من جديد مؤخراً.

ونشرت "بلومبرغ" تقريراً يكشف بعض التفاصيل عن خطة أبل لتوسيع وجودها داخل سوق الإعلانات، وذلك عبر اتجاهها لإظهار مساحات إعلانية داخل بعض تطبيقاتها على أجهزة ماك الحاسوبية وهواتف آيفون وأجهزة آيباد اللوحية، إضافة إلى متجرها للتطبيقات آب ستور.

وربطت أبل الصورة الذهنية لهواتف آيفون داخل السوق التقني بـ"خصوصية بيانات المستخدمين وعدم استغلالها" طوال سنوات، ولكن علامات استفهام كبيرة تظهر على تلك الصورة مع اتجاه الشركة بشكل أكبر نحو زيادة عوائدها الإعلانية.

"الخصوصية أولاً"؟

قدمت شركة الآيفون مع تحديث iOS 14.5 سياسة شفافية تتبع التطبيقات App Tracking Transparency، المعروفة اختصاراً بـ"ATT"، والتي جعلت موافقة المستخدم واجبة على قيام كل تطبيق بجمع بيانات استخدامه لمختلف التطبيقات.

وجعلت سياسة ATT الإعلانات الموجهة تواجه صعوبة أكبر، لأن مستخدمي أجهزة آيباد وآيفون أصبحوا يميلون أكثر لرفض الإشعارات التي تظهرها التطبيقات لتحصل على الموافقة على تتبعهم، بحسب تقرير مؤسسة Flurry الإحصائية.

ومنذ 2020، عندما قدمت أبل سياسة ATT لأول مرة، تعرضت الشركة لهجوم شديد من مختلف الشركات، وأبرزها ميتا وجوجل وسناب، التي تكبدت خسائر فادحة تُقدر بنحو 17.5 مليار دولار خلال العام الجاري حتى الآن.

وانتقدت الشركات الصغيرة أيضاً ممارسات "أبل" نظراً لأنها ستؤثر على وصول إعلانات تلك الشركات إلى عملاء جدد، مما سيؤثر على مبيعات منتجاتها وخدماتها سلبياً، وذلك ما سعت إليه "ميتا" عبر حشد مؤسسي الشركات الصغيرة للضغط على أبل.

ولكن "أبل" ظلت صامدة في وجه الانتقادات، انطلاقاً من مبدأ الحفاظ على خصوصية المستخدمين، ووضع قرار التحكم في وصول أي تطبيق لبيانات المستخدمين والتطبيقات المثبتة عليها، وكذلك مواقع الويب التي يزورونها، لتدعم مبدأها الدائم "الخصوصية أولا Privacy First".

وتروج أبل دوماً إلى مبدأ "الخصوصية أولا" ودعمته مؤخراً بإعلان جديد تصور خلاله سعي مختلف الجهات الساعية وراء شراء بيانات المستخدمين لاستهدافهم بالإعلانات بأنه أشبه بالمزاد العلني.

وربطت أبل الصورة الذهنية لهواتف آيفون داخل السوق التقني بالخصوصية طوال سنوات، ولكن علامات استفهام كبيرة تظهر على تلك الصورة مع اتجاه الشركة بشكل أكبر نحو زيادة عوائدها الإعلانية.

"الأرباح أكثر أهمية"

تقرير جديد نشره موقع وول ستريت جورنال، أفاد بأن شركة أبل دخلت في مفاوضات مع فيسبوك بين عامي 2016 و2018، بشأن طرح المنصة الزرقاء لإصدار جديد يتضمن اشتراكاً شهرياً، ليكون خالياً من الإعلانات، لتتمكن أبل حينها الحصول نسبة من الاشتراكات تتراوح بين 15% و30%، إلا أن فيسبوك رفضت العرض.

وحاولت أبل الحصول على نسبتها من عوائد ميتا الإعلانية، من خلال اقتطاع أبل لنسبتها مباشرة من نفقات أصحاب الصفحات الترويجية على توسيع انتشار منشورات صفحاتهم عبر استخدام زر Boost a Post، باعتبار أن تلك النفقات تُجرى مباشرة من داخل التطبيق على هواتف آيفون وآيباد، والذي يتم تحميله من الأساس عبر متجر آب ستور.

حرص أبل على تحقيق الأرباح حتى وإن كان ذلك من خلال شبكة إعلانات ميتا يعكس أن أبل، كأي شركة تجارية، ينصب تركيزها في المقام الأول على الأرباح، وليس على مصلحة المستخدمين كما تصدّر شركة الآيفون دائما، وبالتالي ذلك يُظهرها في موضع المواقف المتضاربة وتغير المبادئ، وهذا ما عرضه مارك جورمان محرر بلومبرغ التقني في تقريره.

عرض تقرير بلومبرغ خطوات مستقبلية من المرجح أن تتخذها أبل لتوسيع إظهار الإعلانات داخل خدماتها وتطبيقاتها المختلفة، وذلك امتداداً لما بدأته الشركة بالفعل من إظهار إعلانات داخل نتائج البحث على متجرها للتطبيقات AppStore، وكذلك الإعلانات داخل تطبيقي الأخبار News والبورصة Stock.

وفي الوقت الذي حاربت فيه أبل سعي الشركات الأخرى وراء بيانات مستخدمي آيفون وآيباد لتوجيه الإعلانات، تتبع الشركة الطرقة ذاتها مع مستخدمي أجهزتها، ولكن الفرق هنا أن أبل لا تجمع بيانات تصفح المستخدمين واستخدامهم للتطبيقات المختلفة، وإنما تحصد بيانات استخدامهم لتطبيقاتها فقط وما يتصفحونه داخلها لتوجه إليهم إعلانات تناسب اهتماماتهم وتفضيلاتهم، وذلك يفسر عدم إلزام أبل لتطبيقات خدماتها بسياستها الجديدة ATT.

وحتى في حال قام المستخدم بتعطيل الإعلانات الموجهة Personalized Ads من إعدادات هواتفهم، مثلما أوضحت أبل أن 78% من مستخدمي iOS 15 قاموا بذلك بالفعل، فستظل الشركة قادرة على جمع بيانات من هواتفهم مثل مقدم خدمات الاتصالات، وكذلك نوع إصدار الهاتف، وما يقرأونه على متصفح سفاري وداخل تطبيق أبل نيوز، وفقا لعروض معلوماتية أرسلتها أبل لبعض المعلنين وحصل عليها موقع 9to5Mac.

ويرجح تقرير "بلومبرغ" اتجاه أبل لإظهار الإعلانات خلال الفترة المقبلة داخل مساحات جديدة، مثل تبويب Today على متجر آب ستور، وكذلك داخل تطبيق الخرائط Maps، بحيث تتمكن المحال التجارية إظهار نفسها أمام المستخدم لدى بحثه عن أماكن تتعلق بموضوع معين.

وكذلك في تطبيق الكتب Apple Books إذ يمكن للناشرين تمييز كتبهم أمام المستخدمين داخل نتائج البحث، أو في نقاط مميزة جاذبة للنظر داخل التطبيق، وأضف لذلك أيضاً تطبيق العروض المسموعة Apple Podcasts.

ولن تبتعد الإعلانات عن خدمة بث المحتوى Apple TV+، فمن المتوقع تقديم "أبل" باقة باشتراك شهري أقل، مقابل الحصول على وصول لمحتوى جديد محدود ومكتبة من المحتوى القديم، إلى جانب إظهار الإعلانات داخلها.

تركيز إداري

وكشف تقرير في مايو الماضي، نشرته بيزنس إنسايدر، عن إجراء تغييرات إدارية في هيكل شركة أبل لزيادة التركيز على القطاع الإعلاني بالشركة.

وقالت مصادر إن مدير قطاع الخدمات بشركة "أبل" إيدي كيو، يعمل على إعادة هيكلة القطاع، سعياً نحو التركيز على تنمية عمل الشركة في خدمات بث المحتوى والإعلانات، كما تم تمرير مهام الإشراف على القطاع الإعلاني داخل خدمات أبل إلى تود تيريسي (نائب رئيس قطاع الإعلانات)، والذي يشغل هذا المنصب منذ أكثر من 10 سنوات.

وأضافت المصادر إلى أن النمو السريع لقطاع خدمات "أبل" جعل من قطاع الإعلانات داخل خدماتها عبئاً يتطلب أن يتم فصله عن قطاع الخدمات، ليصبح بذلك قطاع مستقل بذاته.



يُذكر أن قطاع الإعلانات داخل "أبل"، شهد زيادة في العوائد السنوية، إذ حقق معدل نمو نسبته 238% خلال 2021 مقارنة بعام 2020، بإجمالي عوائد 3.7 مليار دولار، وذلك بحسب تقرير شركة "أوميدا" البحثية، التي توقعت وصول عوائد القطاع إلى 5.5 مليار دولار خلال العام الجاري.

ولفتت أبل الانتباه إلى اهتمامها البالغ بتنمية قطاعها الإعلاني من خلال اهتمام مديرها التنفيذي تيم كوك، بالحديث عن مدى أهمية الإعلانات داخل متجر أبل، باعتبارها "أداة اكتشاف مميزة" يستخدمها المطورون لزيادة مستخدمي تطبيقاتهم، إلى جانب تركيز "تيريسي" على سعي الشركة نحو رفع عوائدها الإعلانية السنوية بمعدل أكثر من الضعف، والتي كانت بلغت قيمتها في الربع الثاني 4 مليارات دولار.

إصرار كبير تقوم به أبل للتوسع في السوق الإعلاني، إلا أن مستقبله ما يزال ضبابياً، وتتحكم في مصيره متغيرات كثيرة. فمن ناحية قد يغضب مستخدمو أجهزة أبل من هذا الاتجاه الجديد نحو الإعلانات، والذي لطالما عارضته الشركة.

ومن ناحية أخرى فإن تجربة أبل الأولى مع منصتها لإعلانات الموبايل iAd باءت بالفشل وكان مصيرها الإغلاق النهائي في يونيو 2016، ولكن توسع قطاع خدمات الشركة بشكل ضخم مؤخرا قد يمثل الفرس الرابح الذي لابد أن تراهن أبل عليه لزيادة عوائدها الإعلانية خلال الفترة المقبلة.

تصنيفات