استبق مجلس صيانة الدستور بدء تسجيل المرشحين لانتخابات الرئاسة الإيرانية، المرتقبة في 18 يونيو المقبل، بإعلان "شروط" يجب أن تتوافر لدى الراغبين بالمنصب، أثارت انتقادات في طهران، بوصفها تتعارض مع الدستور وتقصي مرشحين محتملين كثيرين، لا سيّما في التيار المُصنّف معتدلاً وإصلاحياً.
وعشية بدء تسجيل طلبات المرشحين، الثلاثاء، ويستمرّ لخمسة أيام، أفادت وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء بأن مجلس صيانة الدستور حدّد وجوب أن يكون عمر المرشح بين 40 و75 عاماً، وحاصلاً على درجة الماجستير أو ما يعادلها على الأقلّ، وشغل مناصب إدارية لأربع سنوات على الأقلّ.
وأشار المجلس إلى إمكان ترشّح الوزراء والمحافظين ورؤساء البلديات في المدن التي يزيد عدد سكانها على مليوني نسمة، والقادة العسكريين برتبة لواء وما فوق، مشترطاً أيضاً عدم وجود "سجل جنائي" للمرشح.
وأفاد موقع "إيران إنترناشيونال" بأن منتقدين لبيان المجلس يرون أنه "غير قانوني"، مشيرين إلى أن المجلس يؤدي بذلك دوراً "تشريعياً"، فيما "ينصّ الدستور الإيراني على أن البرلمان هو الجهة التشريعية الوحيدة في البلاد".
إقصاء مرشحين محتملين
وأشار "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية" إلى أن قرار المجلس يقصي شخصيات، مثل مصطفى تاج زاده، وهو إصلاحي كان نائباً لوزير الداخلية في عهد الرئيس محمد خاتمي، نتيجة سجنه، ووزير الاتصالات محمد جواد آذري جهرمي، بسبب عدم بلوغه الأربعين من العمر، والقائد السابق لمقرّ "خاتم الأنبياء" التابع لـ"الحرس الثوري" سعيد محمد، لأنه برتبة عميد، و14 مرشحاً إصلاحياً آخر، بسبب افتقارهم إلى الخبرة في الوزارات والمحافظات والبلديات في المدن التي يزيد عدد سكانها على مليونَي نسمة.
"الرقابة الاستصوابية"
وانتقد حزب "اتحاد الأمّة" الإصلاحي قرار مجلس صيانة الدستور، معتبراً أنه "غير قانوني". لكن العضو الحقوقي في المجلس، هادي طحان نظيف، دافع عمّا أسماها "الرقابة الاستصوابية" للمجلس في الانتخابات، لافتاً إلى أن رقابته لا تقتصر على مرحلة ما قبل الدعاية الانتخابية، بل يمكن رفض أهلية المرشحين بعد تأكيدها.
وأفاد "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية" بأن التيار الإصلاحي يعترض على "الرقابة الاستصوابية"، معتبراً أن "السلطة في إيران حوّلتها إلى أداة لقمع المعارضة واحتكار السلطة". وأشار المعهد إلى رفض مجلس صيانة الدستور "أهلية مجموعة واسعة من النشطاء السياسيين في الانتخابات المختلفة، سواء البرلمانية والرئاسية وانتخابات مجلس الخبراء، لأسباب مُبهمة، لدرجة أن دائرة رفض الأهليات شملت وزراء ونواباً، وحتى رؤساء سابقين".
وكان المجلس رفض ترشيح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، في عام 2017، والرئيس السابق هاشمي رفسنجاني في عام 2013.
وفي عام 2017، أعلنت وزارة الداخلية أن 1636 شخصاً سجّلوا أسماءهم للترشح للرئاسة، مستدركة أن المجلس وافق على 6 منهم.
رئيس متشدد؟
وفي انتظار قرار المجلس بشأن ترشيح العميد السابق في "الحرس الثوري" سعيد محمد، الذي تحدث عن "إصلاحات قائمة على مبادئ" والحاجة إلى "حكومة قوية"، فإن خطوته تندرج في إطار ترشيحات مرتقبة لقياديين في "الحرس"، في ظلّ تكهنات بأن خليفة الرئيس حسن روحاني سيكون ذا خلفية عسكرية، علماً أن محمد يحمل درجة الدكتوراة في الهندسة المدنية، وهو من قادة "الحرس الثوري" الأكثر توجّهاً نحو التكنوقراطية.
ورجّحت مجلة "فوربس" أن يكون الرئيس المقبل متشدداً، مشيرة إلى أن "أغلبية واضحة (64%) من الإيرانيين تريد أن يكون الرئيس المقبل شخصاً ينتقد الرئيس حسن روحاني وسياساته"، بحسب استطلاع رأي أجري في يناير وفبراير.
وأضافت أن 28.2% من الإيرانيين يأملون بانتخاب رئيس القضاء إبراهيم رئيسي، في مقابل 15.1% لأحمدي نجاد، و6.4% لرئيس البرلمان محمد باقر قاليباف.
"مفاجأة أكتوبر" إيرانية
أما وزير الخارجية محمد جواد ظريف، فلم ينل سوى تأييد 5.3%، علماً أنه كان أعلن عزوفه عن الترشح، كما أن حظوظه باتت في الحضيض بعد العاصفة التي أثارها تسريب تسجيل صوتي لمقابلة غير منشورة معه، أكد فيها تدخل قاسم سليماني، القائد السابق لـ "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري"، في السياسة الخارجية الإيرانية، متحدثاً عن التضحية بالدبلوماسية لمصلحة الميدان والعسكر.
واعتبر الباحث علي واعظ، مدير مشروع إيران في "مجموعة الأزمات الدولية"، نشر التسجيل بمنزلة "المعادل الإيراني لمفاجأة أكتوبر" التي تثير تكهنات قبل انتخابات الرئاسة الأميركية، التي تنظم في نوفمبر، متحدثاً عن "تسريب متعمّد تم توقيته، لمنع القوى المؤيّدة للانخراط (مع واشنطن) في السياسة الإيرانية، من أن يكون لها رأي في الانتخابات المقبلة". ورأى أن كل الدلائل تشير إلى دور لـ "الحرس الثوري"، مضيفاً: "يُحتمل أن يشير ذلك إلى بداية نهاية الحياة السياسية لظريف".
دهقان وقاليباف
وإذا كان سعيد محمد يواجه إقصاءً محتملاً من الانتخابات، بسبب رتبته العسكرية، فإن الأمر لا يسري على وزير الدفاع السابق الجنرال حسين دهقان، الذي كان أول مَن أعلن ترشحه للرئاسة، في 25 نوفمبر 2020. وقال آنذاك: "أعتبر نفسي وطنياً وثورياً بالكامل، وشخصاً سعى حتى الآن لتقديم قدرتي الفكرية والتنفيذية والعقلية، لتعزيز أهداف النظام والثورة ومصالحهما".
دهقان الذي يخضع لعقوبات أميركية، شدد على أنه لا ينتمي إلى أيّ فصيل سياسي، علماً أنه محسوب على المتشددين، ومستشار عسكري لخامنئي، وقائد لقوات "الحرس الثوري" في لبنان وسوريا في ثمانينات القرن العشرين.
وثمة قائد آخر في "الحرس" قد يترشح للمنصب، هو رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف الذي يُعتبر متشدداً، وهو قائد سابق لسلاح الجو في "الحرس"، وقائد سابق للشرطة ورئيس سابق لبلدية طهران. وأفاد موقع "كريتيكال ثريتس" بأن قاليباف "عزّز نشاطاته الانتخابية وهجماته على المعارضين السياسيين، في محاولة للفوز بانتخابات الرئاسة". وأضاف أن "ضباطاً نافذين في الحرس الثوري، مقربين من قاليباف، يضعون شروطاً لخلافته رئيساً للبرلمان، إذا أصبح رئيساً. وقد يكون مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى، يدعم جهود هذه الشبكة لتعزيز نفوذه السياسي قبل وفاة والده".
إبراهيم رئيسي
واستدرك الموقع أن "أكبر عقبة أمام الطموحات السياسية لقاليباف ومجتبى، هو رئيس القضاء إبراهيم رئيسي، الذي يُعتبر رئيساً للجمهورية ومرشداً أعلى محتملاً في المستقبل، ويحظى بتأييد واسع".
وخسر رئيسي أمام روحاني، في انتخابات 2017، لكنه نال 15 مليون صوت، حين انسحب قاليباف لمصلحته. ويُعتبر رئيسي من أبرز شخصيات معسكر المتشددين، علماً أنه كان، في عام 1988، أحد القضاة الأربعة في ما سُمّيت "لجنة الموت" التي أصدرت أحكاماً بإعدام آلاف من الأعضاء المسجونين في "مجاهدي خلق"، أبرز تنظيم معارض للنظام الإيراني.
وأوردت صحيفة "فايننشال تايمز" أن رئيسي سعى إلى مكافحة الفساد، منذ تعيينه رئيساً للقضاء قبل سنتين، ما أكسبه "شعبية لدى السكان الذين سئموا من الكسب غير المشروع". وأضافت أن رئيسي بات شعبوياً، وسافر إلى أقاليم محرومة، حتى أثناء تفشي فيروس كورونا المستجد.
كذلك تُطرح أسماء شخصيات أخرى لتولّي الرئاسة، بينها القائد السابق لـ "الحرس الثوري" محسن رضائي، والرئيس السابق للبرلمان علي لاريجاني، والرئيس السابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون (إيريب)، عزت الله ضرغامي، إضافة إلى "ثوريَين شابين"، هما برويز فتاح، رئيس "منظمة المستضعفين" وعضو سابق في "الحرس الثوري"، وسورينا ستاري، نائب الرئيس الإيراني للشؤون العلمية.