"بيروت 2020" لشريف مجدلاني.. حين يغير "الانفجار" مسار الرواية

time reading iconدقائق القراءة - 9
الروائي اللبناني شريف مجدلاني - الجامعة اليسوعية
الروائي اللبناني شريف مجدلاني - الجامعة اليسوعية
بيروت- رنا نجار

فاز الروائي اللبناني الفرانكفوني شريف مجدلاني بجائزة "فيمينا" (Femina) في فئة "لجنة التحكيم الخاصة"، عن كتابه "بيروت 2020" الصادر في أكتوبر الماضي عن داري "أكت سود" في باريس و"شرق الكِتاب" في لبنان.

و"فيمينا" جائزة أدبية فرنسية مرموقة تمنح للرواية المكتوبة باللغة الفرنسية، تأسست عام 1904 من طرف صحفيي مجلة "الحياة السعيدة" في فرنسا. 

ويقول مجدلاني، لـ"الشرق"، إن هذا الفوز "يمثّل بصيص أمل وشعاعاً مضيئاً للبنان"، متمنياً لو كانت الجائزة تُمنح لكتاب آخر "لا يتناول مآسينا".

 وفاز بالجائزة إلى جانب مجدلاني هذا العام، عن فئة الرواية الفرنسية سيرج جونكور عن روايته "الطبيعة البشرية"، وعن فئة الرواية الأجنبية الكاتبة البريطانية من أصل جنوب أفريقي ديبورا ليفي عن سيرتها الذاتية "تكلفة المعيشة" و"ما لا أريد أن أعرفه"، فيما فاز كريستوف غرانجر عن «جوزيف كابريس أو إمكانيات الحياة»، بجائزة المقالة. 

روائي مشغول بالتأويل

يعتبر مجدلاني المولود عام 1960 من أبرز الروائيين اللبنانيين الذين يكتبون بالفرنسيّة، وهو صاحب أسلوب أدبي يحاول الحفر في الماضي لإعادة تأويل وتفسير الأحداث التاريخية.

مجدلاني مشغول في أدبه باللغة السردية البسيطة، بالأرض والحرب والتحوّلات الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية للبنان المعاصر، التي يربطها من خلال شخصياته بتغيرات الجغرافيا البشرية وتبدلات الأحياء والمدن وعماراتها. فتغدو رواياته ملحمية، وليست تاريخية كما يقول.

 

مذكرات أدبية

هذا الانشغال الاجتماعي السياسي لمجدلاني، الذي يدرّس الآداب الفرنسيّة في جامعة القدّيس يوسف ببيروت، بدا أكثر التصاقاً بالواقع في كتابه "بيروت 2020" المتحرّر من التصنيف التقليدي للرواية. فأين يصنّف رئيس جمعيّة "بيت الكتّاب" في العاصمة اللبنانية، منذ عام 2012، كتابه الجديد؟ 

يجيب مجدلاني "الشرق": "يهمّني التأكيد أن الكتاب أدبي قبل كل شيء، ويأتي على شكل يوميات. وهذه اليوميات ليست أي كلام يُكتب على عجلة، ولكنني عملت مطولاً على النص واللغة والأسلوب، كأي مؤلَّف أدبي أكتبه بعناية وشغف".

ويضيف: "إنه نوع من المذكرات أيضاً، على طريقة كبار كتّاب هذا النوع، مثل الفرنسي فرانسوا-رينيه دو شاتوبريان، الذين يذوّبون قصصهم الشخصية بالسياسية وما يحدث في العالم. من هنا أتت فكرة تشابك حياتي اليومية مع يوميات الناس من وجهة نظر سياسية وتاريخية". 

"الأنا"

يكتب مجدلاني في "بيروت 2020"، كشاهد وراوٍ ومواطن يختصر معاناة شعب ووطن، فلماذا قرر الكتابة بلغة الأنا؟ 

يقول إنه "من المؤكد أني قررت الكتابة بصيغة المتكلّم لأنني أردت مراقبة العالم من حولي، ولبنان على وجه الخصوص، فالفكرة كانت رواية الحياة اليومية لكل اللبنانيين في هذا الوضع العبثي والسريالي".

ويتابع: "الهدف أن نخبر يومياتنا وما يتضمنها من أعمال وأيام كارثية كما نعيشها في زمن الانهيار، تماماً مثلما كتب باسكال كوينارد (الملذات والأيام) في روما عشية انهيار الإمبراطورية الرومانية، وكما كتب الشاعر الإغريقي هسيودوس - الذي أثّر في بقصيدته (الأعمال والأيام)، ودفعني إلى نوع من التقليد".

ويفيد مجدلاني الذي ترجمت أعماله إلى أكثر من لغة بأنه أراد أن يروي "إلى أي مدى خسرنا كل شيء، وكيف كانت الحالة تتدهور بسرعة، وكيف تتهاوى المصارف مع ذوبان الدولة، أردت أن أكتب أننا لا نزال أحياء لكننا نعيش حياة سريالية، مصنوعة من أشياء لا يُصدّقها عقل، ولكننا ننجو ونستمر، وذلك من خلال تجربتي الشخصية ووجهة نظري".

ويتابع: "الكتاب في النهاية يرسم صورة عامة ليوميات اللبنانيين، وأصرّ على تسميتها يوميات، لأنها مشبعة بأمور معقدة لا تصدق".

الحاضر هو البطل

تعوّد متابعو مجدلاني على كتابته الرشيقة التي تنطلق من وقائع تاريخية، كما في رواية "فيلا النساء" (2015) الحائزة على جائزة "جان جيونو". لكن اليوم في هذا الكتاب، الحاضر هو البطل، لماذا؟

يجيب مجدلاني، الحائز على جائزتي "فرانسوا مورياك" من الأكاديمية الفرنسية و"تروبيك" عن روايته الصادرة في 2007 "كرفان سراي": "خلال مسيرتي الأدبية، استخدمت التاريخ والماضي كديكور أو إطار عام لأمور وقعت في الماضي الحديث، أي خلال الحرب الأهلية اللبنانية وما قبلها وما بعدها".

ويوضح مجدلاني الأمر بروايته "الإمبراطور مترجّلاً" التي وصلتُ إلى مرحلة أزمة النفايات المنتشرة في الشوارع بعام 2015. فهو يرفض تصنيف رواياته كلها على أنها تتناول الماضي، "بل هي تحكي عنه لتعبّر عن الحاضر"، كما يقول.

 ويضيف: " حين أحكي عمّا قبل الحرب الأهلية أجرب أن أصف كيف كنا نعيش تحت بركان نسمعه يهوج ويضجّ ويكاد ينفجر، ونحن لا نبالي، غير آبهين بما يحصل، حتى انفجر". ويتابع: "سُئلت عندما كتبتُ (سنوات مجدنا القصيرة) لماذا لا تحكي عن الحاضر، كان جوابي أنني أتناول زمن ما قبل الحرب وخلالها وفترة ما بين الاثنين التي هي الفترة التي نعيشها اليوم. بلد يعيش حياة مرفّهة صاخبة في ظلّ لامبالاة تجاه أزمة سياسية واقتصادية خطرة وتجاه أزمة يشكلها حزب مسلّح". 

ما يريد مجدلاني قوله في "بيروت 2020" إن "التاريخ يعيد نفسه بعد 30 سنة من الحرب والاقتتال، فالكتاب يتحدث عن حاضرنا، لكن لم يحصل أن نكون بصدد الكتابة عن الحاضر ويفاجئنا كابوس مثل انفجار 4 أغسطس، ليصبح هو الحدث". 

ويلفت إلى أن "هذا الأمر يصادف مرّة في التاريخ، إلا إذا كنا بصدد كتابة سيرة ذاتية تتناول مسيرة 20 سنة مثلاً، فهي ستكون مليئة بالأحداث التي تنقل جواً معيّناً يعيشه الكاتب". 

التراجيديا والنص الهادئ

قبل شهر من انفجار بيروت، كان مجدلاني بدأ كتابة يومياته، يوليو، ليؤكد صاحب رواية "سيّد المرصد الأخير" أن انفجار 4 أغسطس غيَّر المخطط الأدبي لكتابه. ويشرح: "كنت أكتب يوميات الانهيار عبر خلفية تاريخية تحليلية بإيقاع هادئ، ينسجم مع الثقل والبطء الذي كان يتطوّر فيه الانهيار في لبنان، وفجأة تسارعت الأحداث، فصار كتاباً عن الحاضر الحاد والأليم".

ويفيد مجدلاني بأن "الانفجار كثّف بشكل صلب وخلال 5 ثوانٍ كل ما كان يمكن أن يحدث خلال سنة أو سنتين، غيّر المسار والمخطط، إذ كنت أكتب قصصاً هادئة سلسلة تحمل قليلاً من الخفّة وروح النُكتة، وفجأة تغيرت الوتيرة، إذ فرض الانفجار نوعاً من التراجيديا في النص وتحولت الوتيرة إلى جو ثقيل وكئيب"، كما يقول. 

 30 عاماً من الإنكار

ولمجدلاني تحليل يتّفق معه كثير من اللبنانيين وإن سرده من وجهة نظر أدبية قصصية، فهو يعتبر أن "كل ما عشناه خلال الثلاثين السنة الماضية من فساد وحكم سيئ (مافيوي)، أضف إليها 15 سنة من الحرب، كان سيؤدي بنا حتماً إلى كارثة". 

يعتقد مجدلاني أن الشعب اللبناني كان يعلم ذلك، "كان الانهيار منتظراً، ولكن (طنّشنا) أو أدرنا آذاناً لما قد يحدث، وهذه غلطتنا كلنا كشعب كان يعيش في حالة إنكار. لكن لم يتوقّع أحد أن تحصل الكارثة الاجتماعية الاقتصادية السياسية بهذه الفظاعة وهذه السرعة ومرّة واحدة وأن يصفعنا انفجار 4 آب ويباغتنا ليدمّر عاصمتنا. إنها النتيجة الحتمية لكل ما سبق من سواد".

يوميات مجدلاني مشبّعة بالغضب والمرارة والقلق، فهل كتبها لينتصر على الواقع الأليم، أم كانت الكتابة هنا فعل علاج؟ يرى صاحب "حكاية البيت الكبير" أن "الكتابة تصبح مع الوقت مثل العلاج. لا أدري إذا كان التوصيف دقيقاً ولكنها تساعدنا لنتحمّل الواقع الصعب والتعبير عنه والتعاطي معه بشكل مرِن، وتسمح بالتحليل والتفكّر، لفهم لماذا وصلنا إلى هذا الوضع المأسوي؟".

كتابة تحليلية

في ختام "بيروت 2020" هناك ما يشبه البيان أو الموقف السياسي الصريح الذي يجاهر به مجدلاني في اتّهام الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان بالانهيار والانفجار. فهل يعتقد أن للكاتب مهمّة سياسية؟

يؤكد مجدلاني أن "الكتابة في الأصل سياسية، وكل كتابة هي تحليل ومحاولة لفهم معنى الأشياء من حولنا، وإعطاء معنى لحاضرنا ولماضينا كي نفهم كيف سيكون المستقبل وكي نفهم علاقتنا بالغير وعلاقتنا بالله. نحن نكتب للناس، وينشأ من خلال هذه الكتابة نقاشات وآراء وحوارات. إلا إذا كان الكاتب يريد تسلية الناس ويبدّد وقتهم، فليبتعد عن هذا النوع".

ولكن هل مجدلاني متفائل بهذا المستقبل الذي يحاول فهمه؟ يجيب: "لا أعتقد أن هناك شخصاً يمكنه أن يكون متفائلاً بمستقبل لبنان، إلا إذا كان تفاؤلاً أيديولوجياً أو تفاؤلاً وهمياً عبثياً. الوضع الحالي كابوسي كارثي على الأصعدة كافة".

ويسرّ مجدلاني أنه من النوع المتفائل بطبيعته، "أحب أن أكون متفائلاً لأننا نريد أن نعيش في هذا البلد، لا يمكننا تركه وهجرانه ونريد إصلاحه. يوماً ما ستصطلح حاله، لكن في الوقت الحاضر لا شيء يدعو إلى التفاؤل".