تجنّبت شركات طيران أوروبية دخول المجال الجوي لبيلاروسيا، كما اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على حظر شركات الطيران البيلاروسية في نطاق الاتحاد، بعد تحويل مسار طائرة مدنية إلى مينسك، حيث اعتُقل صحافي معارض لنظام الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، كان من بين ركابها.
وكانت زعيمة المعارضة البيلاروسية، سفيتلانا تيخانوفسكايا، قد طالبت في وقت سابق بـ"عزل النظام والضغط عليه، من خلال عقوبات".
وأثارت مينسك غضباً دولياً، بعدما أرغمت طائرة تابعة لشركة "راين إير"، على الهبوط في العاصمة البيلاروسية، فيما كانت متجهة من أثينا إلى فيلنيوس الأحد. واعتقلت السلطات الصحافي البيلاروسي المعارض رومان بروتاسيفيتش، وصديقته الروسية صوفيا سابيغا.
وأفادت وكالة "رويترز" بأن هيئة الطيران في وزارة النقل البيلاروسية أصدرت الثلاثاء، نصاً من محادثة جرت الأحد بين مراقب جوي وقبطان طائرة "راين إير". وأشارت الوكالة إلى أن النص يختلف عن مقتطفات نُشرت سابقاً على التلفزيون البيلاروسي الرسمي، ويبدو أنه يتعارض أيضاً مع تصريحات أدلى بها مسؤولون في مطار مينسك.
وأفادت وكالة فرانس برس بأن المراقب قال للقبطان: "لدينا معلومات من أجهزة خاصة، (تفيد) بأن لديكم قنبلة في الطائرة ويمكن تفعيلها فوق فيلنيوس". وسأل الطيار عن مصدر التهديد بوجود قنبلة، فأجابه المراقب أن جهاز أمن المطار تلقاه عبر البريد الإلكتروني. واقترح المراقب مرات أن تهبط الطائرة في مينسك، قائلاً: "هذا ما نوصي به".
بيلاروسيا و"حماس"
وتصرّ بيلاروسيا على تلقيها إنذاراً من حركة "حماس" الفلسطينية، بوجود قنبلة على الطائرة، ما أدى إلى تحويل مسارها إلى مينسك.
وتلا رئيس إدارة الطيران في وزارة النقل البيلاروسية، ما قال إنه نصّ التهديد بتفجير قنبلة، ورد فيه: "نحن، جنود حماس، نطالب بأن توقف إسرائيل إطلاق النار في قطاع غزة. نطالب الاتحاد الأوروبي بسحب دعمه لإسرائيل في هذه الحرب. هناك قنبلة على الطائرة. إذا لم تذعنوا لمطالبنا، فستنفجر فوق فيلنيوس في 23 مايو".
ونفى الناطق باسم "حماس" فوزي برهوم أي علاقة للحركة بالأمر، مؤكداً أن حماس "لا تلجأ لتلك الأساليب، والتي يبدو أنها من فعل جهات مشبوهة تستهدف شيطنة حماس، وإفشال التعاطف العالمي مع الشعب الفلسطيني ومع مقاومته المشروعة".
مقاطعة جوية
وأعلنت هيئة الطيران في وزارة النقل البيلاروسية، الثلاثاء، أن مجموعات طيران دولية، بما في ذلك المنظمة الدولية للطيران المدني، دعوا "إلى مزيد من التحقيقات في ظروف" الحادث.
وانضمت "إير فرانس" و"فين إير" و"سينغابور إيرلاينز" الثلاثاء، إلى شركات طيران أوقفت رحلاتها فوق بيلاروسيا، بعد "ساس" الاسكندينافية و"لوفتهانزا" الألمانية و"إير بلتيك"، التي تتخذ من لاتفيا مقراً. كذلك أعلنت أوكرانيا أنها ستجمّد الرحلات الجوية المباشرة مع بيلاروسيا، وفوق أراضيها.
وتعقد المنظمة الدولية للطيران المدني، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة، اجتماعاً طارئاً الخميس، علماً أن الاتحاد الأوروبي طالبها بفتح تحقيق في الحادث. واعتبرت المنظمة أن الهبوط القسري للطائرة "يمكن أن يشكّل انتهاكاً لاتفاقية شيكاغو للطيران المدني" التي ترعى سيادة المجال الجوي للدول، والمُبرمة في عام 1944.
"جواسيس" مفترضين
وأعلن وزير الدفاع الليتواني أرفيداس أنوسوسكاس، أن بيلاروسيا دفعت بمقاتلة الأحد، فيما كان قبطان طائرة "راين إير" لا يزال يدرس مسألة تحويل مسارها. وأضاف أن المقاتلة بقيت في الجوّ لمدة 13 دقيقة، على بعد 40 كيلومتراً عن الطائرة، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".
وأشارت "رويترز" إلى أن ما لا يقلّ عن 3 أشخاص آخرين، إضافة إلى بروتاسيفيتش وصديقته، نزلوا من الطائرة في مينسك، ممّا دفع دولاً غربية إلى افتراض أنهم جواسيس، ساعدوا في تنسيق عملية اعتقال الصحافي المعارض. ونقلت الوكالة عن مسؤول ليتواني أن الركاب الثلاثة الذين نزلوا من الطائرة، هم مواطنان بيلاروسيان ومواطن يوناني.
وبروتاسيفيتش (26 عاماً) مقيم بين بولندا وليتوانيا، وهو مؤسس مشارك لقناة "نكستا" على تطبيق "تلغرام"، التي ساهمت في تنظيم الاحتجاجات في بيلاروسيا العام الماضي، بعد إعادة انتخاب لوكاشينكو، في اقتراع اعتبرته المعارضة مزوّراً.
تسجيل مصوّر
وبث التلفزيون البيلاروسي، الاثنين، تسجيلاً مصوّراً مدته 30 ثانية لبروتاسيفيتش، بدت خلالها علامات داكنة واضحة على جبهته، قائلاً: "فريق (التحقيق) يتعامل معي في شكل مناسب تماماً، ومع احترام القانون. أواصل تعاوني مع المحققين، وأدلي باعترافاتي في ما يتعلّق بتدبير اضطرابات ضخمة".
واعتبرت تيخانوفسكايا أن "رومان كان يتعرّض لتعذيب في السجن"، فيما قال ديمتري بروتاسيفيتش، والد الصحافي المعارض، وهو مقيم في بولندا، إنه لم يتمكن من الاتصال بنجله منذ السبت. وأضاف: "واضح أنه تعرّض لأذى جسدي، إذ يمكن رؤية علامات ضرب على وجهه. إنه لا يتكلم هكذا عادة. لم تكن هذه كلماته... كان يقرأ شيئاً طُلب منه قراءته".
ورجح الرئيس الأميركي جو بايدن إعداد التسجيل المصور بـ"الإكراه"، فيما دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى "الإفراج فوراً" عن بروتاسيفيتش، معتبراً أن التسجيل "مؤلم جداً".
والصحافي مُلاحق في بيلاروسيا بتهمة "إثارة اضطرابات كبرى"، التي تصل عقوبتها إلى السجن 15 سنة، علماً أن أجهزة الأمن أدرجت اسمه على لائحة الإرهاب.
"إرهاب دولة"
وكتبت تيخانوفسكايا على "تويتر" أنها طلبت من الولايات المتحدة "عزل النظام (البيلاروسي) والضغط عليه، من خلال عقوبات"، وذلك في اتصال هاتفي مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان.
تيخانوفسكايا المقيمة في ليتوانيا، ذكرت على "تلغرام" أنها طلبت دعوة المعارضة البيلاروسية لحضور قمة مجموعة الدول السبع الكبرى، المرتقبة في بريطانيا الشهر المقبل.
وأضافت أن "الوضع المتعلّق بخطف الطائرة لا يمكن النظر إليه بمعزل عن حملات القمع والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في بيلاروسيا". وأيّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوة المعارضة البيلاروسية إلى حضور القمة.
وكانت تيخانوفسكايا قالت خلال مؤتمر صحافي في فيلنيوس الاثنين: "حصل نموذج عن إرهاب الدولة. الآن سيكون جميع الركاب الذين يعبرون في طائرات تابعة لشركات مدنية فوق بيلاروسيا في خطر. النظام حوّل بلدنا إلى ما يشبه كوريا الشمالية، في وسط أوروبا".
وأشارت وكالة "فرانس برس" إلى صدور أحكام الثلاثاء، بسجن القيادي المعارض في بيلاروسيا بافيل سفرينتس، وستة ناشطين آخرين، ما بين أربع وسبع سنوات.
"روليت روسية"
واتفق قادة الاتحاد الأوروبي الاثنين، على حظر شركات الطيران البيلاروسية في نطاق الاتحاد، ودعوا شركات الطيران التي تتخذ دول الاتحاد مقراً، إلى تجميد عملياتها في المجال الجوي البيلاروسي.
وطالب قادة الاتحاد بـ "الإفراج فوراً" عن بروتاسيفيتش وصديقته، محذرين من أنهم سيفرضون مزيداً من "العقوبات الاقتصادية المستهدفة" ضد السلطات البيلاروسية، لتُضاف إلى 88 شخصية موالية للنظام وسبع شركات مدرجة على لائحة سوداء، نتيجة دورها في قمع المعارضة.
ونقلت "بلومبرغ" عن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال قوله: "نحن لا نتسامح مع محاولة لعب الروليت الروسية مع حياة مدنيين أبرياء".
وأعرب الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عن "أسف" بلاده لقطع أوروبا روابطها الجوية مع بيلاروسيا، وتجنّبها مجالها الجوي. واستدرك: "الالتفاف حول بلد كبير إلى حدّ ما، يقع في وسط أوروبا، مكلف جداً بالنسبة إلى كل شركات الطيران".
أما الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، فتحدث عن عملية "خطف تنفذها دولة"، معتبراً أنها "تُظهر كيف يهاجم النظام في مينسك الحقوق الديمقراطية الأساسية، ويقمع حرية التعبير والإعلام المستقل". وأضاف: "يجب أن يكون هناك تحقيق دولي عاجل. ويجب إطلاق الصحافي رومان بروتاسيفيتش ورفيقته صوفيا سابيغا فوراً".