
تزامناً مع حالة الجدل التي أثارتها تصريحات مديرة المركز القومي للترجمة بمصر، في شأن "ضوابط وآليات جديدة" للأعمال المترجمة في المركز، علمت "الشرق" أن قراراً سيصدر خلال ساعات بتعيين مديرة جديدة للمركز، هي الدكتورة كرمة سامي، أستاذة الدراما في جامعة عين شمس.
وكانت حالة من الجدل والغضب سيطرت على قطاع كبير من المهتمين بالوسط الثقافي المصري، بعد إعلان المركز في دار الأوبرا المصرية، السبت، عن عدد من الضوابط والآليات الجديدة للجان الفنية لاختيار الأعمال المترجمة، ومنها شرط "مراعاة ألا يتعارض الكتاب مع الأديان أو القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف".
الإعلان المذكور أثار حفيظة المترجمين والمثقفين، ما اضطر علا عادل، بصفتها مديرة المركز، إلى الظهور في مداخلة تلفزيونية على إحدى القنوات الفضائية المصرية، لتؤكد أن "هذا الشرط يخص الأعمال الصارخة والخارجة عن الأعراف، فهناك بعض الكتب تروّج لبعض المظاهر الخارجة عن المجتمع مثل المثلية الجنسية".
ولم تتمكن "الشرق" من الوصول إلى غانم مديرة المركز لاستيضاح الأمر وإبداء تعليق.
القومي للترجمة يوضح ثم يحذف
وبعدما سيطرت حالة الجدل على مواقع التواصل، أصدر المركز القومي للترجمة بياناً، اليوم الأحد، لتوضيح وتفسير الضوابط والشروط الجديدة التي تم الإعلان عنها السبت، ولكنه حذفه لاحقاً بعدما أثار الجدل أكثر.
وقال المركز في المنشور المحذوف على فيسبوك: "إعلاءً لمبدأ الشفافية ورغبة في مشاركة قراء المركز القومي للترجمة ومترجميه في آليات العمل، طرحنا قواعد قبول مقترحات الكتب التي كان معمولاً بها بالفعل مع إضافة بنود التوقيت وسنة إصدار الكتاب، إلا أن الجدل الذي ثار حول هذه الآليات يحتم علينا تفسير بعض بنودها، احتراماً لقرائنا".
وأوضح أن "وضع شرط عدم التعارض مع الأديان أو الأعراف والمثل جاء بعدما وردت إلى المركز مقترحات لكتب تتضمن التطاول على رموز ومؤسسات دينية، من دون أن يكون هناك فكر حقيقي مطروح... وهو ما لا نقبل وضع اسم المركز عليه".
وأكد المركز أن "الأفكار التي لا تتماشى مع قناعاتنا ولكنها لا تتضمن إساءة أو تطاولاً لا نفرض عليها حجراً بل نطرحها في إصدارتنا التي تهدف إلى التنوير والتعريف بثقافة الآخر وفكره، بل نأمل أن يقرأها المفكرون لتحثهم على الرد على الأفكار المغلوطة في كتاباتهم".
وشدد المركز على أنه "لم ولن يتراجع عن دوره التنويري الذي لا يهدف إلى الربح واللجوء إلى مقولة (هذا ما يريده القراء)، ولذلك عملنا على إيجاد وسائل جديدة للترويج لإصدارات المركز مع عدم المساس بأهدافه وثوابته على الإطلاق، ولتصل الأعمال المترجمة إلى جميع فئات القراء".
معايير منفردة.. ومحاولة فاشلة
مؤسس المركز القومي للترجمة ووزير الثقافة المصري الأسبق، الدكتور جابر عصفور، قال لـ"الشرق" إنه تواصل مع وزيرة الثقافة دكتورة إيناس عبد الدايم، لافتاً إلى أن الأخيرة أوضحت له أن هناك قراراً "بندب علا عادل، مستشاراً ثقافياً للسفارة المصرية في النمسا، وأن الوزارة تعكف الآن على إصدار بيان توضح فيه موقفها من الخطة التي أعلنتها مديرة المركز منفردة". وقالت إن "عدداً كبيراً من المترجمين والمثقفين أبدوا اعتراضات كبيرة على ما أعلنته عادل عبر صفحة المركز على الإنترنت".
وأضاف عصفور: "كانت هذه محاولة من محاولات كثيرة لأخونة المركز القومي للترجمة الذى عكفتُ على تأسيسه، وهو فخر للمصريين والعرب جميعاً، وباءت كل محاولات أخونة المركز بالفشل حتى في ظل حكم جماعة الإخوان".
3 آلاف عنوان أصدرها المركز القومي للترجمة في عهد عصفور الذي أكد أن "كل كتاب يحمل بياناً يوضح أن المركز (غير مسؤول) عن مضمون الكتاب، وأن دوره ينحصر في نقل الأفكار للقارئ العربي ليتسنى له معرفتها وليس تقليدها"، مبدياً استغرابه من "الهجوم غير المبرر على الكتب ".
فخر مصري
يتألف المركز القومي للترجمة من مجلس أمناء يضم كبار المثقفين والمترجمين فى الهيئات العلمية المصرية، وله رئيس ينفذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الأمناء. كما أن هناك عدداً من لجان القراءة التي تراجع الكتب وتجيزها، موزعة بحسب المجالات العلمية بين المعارف الإنسانية والآداب وغيرها.
وقال عصفور: "هذا المركز أسسه أكبر عقول مصر، وله سمعة دولية وهو مفخرة من مفاخرنا، وحصلنا على جائزة حصن الإسلام المنيع (جائزة الملك فيصل العالمية). إن هدف المركز الأساسي هو جعل القارئ العربي على علم بما يحدث حوله في العالم من أفكار وتيارات جديدة، ولا يمكن لعقل مثقف واعٍ أن يقبل بممارسة هذا النوع من المصادرة على المعرفة".
غضب أدبي
الشاعر المصري "حسن طلب" أصدر بياناً عبر صفحته الشخصية على موقع فيسبوك يطالب فيه وزيرة الثقافة المصرية بالانتباه إلى ما وصفه بـ"خطورة اللائحة الجديدة التي سيجري العمل بها في المركز. وقال: "لم يفطن واضعو هذا الشرط المعادي للفكر والإبداع إلى أن تعميمه سيجعلنا نحرق (خمريات أبى نواس) و(شطحات ابن الرومي) و(لزوميات المعري).. إلخ، ونلقي بكتب الجاحظ والتوحيدي والفارابي وابن سينا وابن رشد في أقرب صندوق قمامة!".
ووصف المترجم محمد عبدالنبي الشرط الذى أعلنته مديرة المركز بأنه ردة على دور المركز التنويري منذ إنشائه.
وقال لـ"الشرق" إن "صلب عملية الترجمة هو الاطلاع على طريقة تفكير الناس من حولنا، وألا يكون هناك تحفظات، لكن مع مثل هذا الشرط الجديد الذى سينفذه موظفون خائفون، لن يكون مسموحاً لنا ترجمة مسرحية لجان جينيه لأن فيها شخصاً مثليّ".
وتابع عبدالنبي:"لا أقول إن كل الكتب لابد أن تتصادم مع التابوهات، لكن تبعات تطبيق مثل هذه السياسة ستفسد سمعة المركز والمترجم معاً، إذ إن ذلك يقضي على مفهوم أمانة الترجمة، فالفيصل هو أهمية الكتاب وجودته وجودة الترجمة".
وأضاف: "بعد وقت، سيذهب المترجمون إلى العناوين الطيبة إيثاراً للسلامة، وسيحدث مثلما حدث في كل مشروعات النشر الحكومي في مجال الأدب، والتي خافت النقد وهجوم المتطرفين، فهربت العناوين إلى دور النشر الخاصة والمستقلة، وصارت الأعمال التجريبية والجريئة تصدر فيها".
كرمة سامي
عملت المديرة الجديدة للمركز القومي للترجمة والكاتبة المصرية كرمة سامي أستاذة للدراما في قسم اللغة الإنجليزية في كلية الألسن في جامعة عين شمس. ولها عدد من المسرحيات، منها: "خمسة وجوه مصرية" (2013)، زهور المرج (2005)، أنغام ديسمبرية (2008)، حكاية مرج صغير (2005)، مريم (2002)، علامات الحضور والغياب (2004)، قمرية (2008)، وتقارير «الآنسة» راء - مسرحة الأنساق الثقافية في اسمي راشيل كوري (2012).
يذكر أن فكرة إنشاء المركز القومي للترجمة في مصر ولدت عام 2006، خلال احتفالية المشروع القومي للترجمة بإصدار 1000 كتاب على مدار 10 سنوات سبقت هذا التاريخ.
خلال سنوات،استضاف المركز عدداً من الكتاب الذين طبعت كتبهم ضمن إصدارات المشروع مثل جاك دريدا وإمبرتو إيكو، وبيتر جران وجوست سمايرز وبرويز أمير علي وروبرت يانج وروي متحدة وغيرهم، كما عقدت لهم ندوات خاصة، وأجريت معهم حوارات حول أعمالهم.