Open toolbar

رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك خلال جلسة لمجلس العموم بالعاصمة لندن. 18 يناير 2023 - REUTERS

شارك القصة
Resize text
لندن-

على الرغم من تجاوزه القراءة الثانية بمجلس اللوردات في بريطانيا، إلا أن مشروع قانون "سلامة الإنترنت" لم يُحسم بعد، إذ لا تزال هناك مطالب بتشديد بعض بنوده، و تسهيل أخرى، لكن من دون ضمانات بأن يقبل البرلمان أو الحكومة أي تعديلات على الصيغة التي أُقرت الشهر الماضي، بعد أن تغيرت مرات عدة منذ النصف الثاني من 2022.

وُيعد مشروع القانون المذكور، ضمن تشريعات ومراجعات عدة تأجلت منذ العام الماضي، بسبب أزمة الحزب الحاكم. ومن بوريس جونسون، مروراً بأيام ليز ترس القليلة، وصولاً إلى ريشي سوناك، رضخت حكومات المحافظين للتعديلات "المقترحة" من نواب الحزب، حتى بات التشريع "عبئاً" على صانعي وناشري المحتوى الإلكتروني.

ومن بين أبرز مواد القانون الجديد عقوبة السجن عامين لأصحاب المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، إذا فشلوا في منع نشر أي محتوى يضر بالأطفال.

لكن إلى أي مدى يمكن فعلاً التحكم في الشبكة العنكبوتية؟ وهل ينطوي القانون على تقييد لحرية الرأي والتعبير في المملكة المتحدة، كما يقول منتقدوه؟

تجريم المواقع والمنصات

مقارنة مع صيغته الأولى التي كان يتوجب التصويت عليها في البرلمان خلال يوليو الماضي، شهد مشروع القانون بعض التغييرات، إذ أصبح أكثر تشدداً مما كان منتظراً ، كما أنه يمنح هيئة مراقبة المحتوى الإعلامي والمعروفة باسم "أوفكوم"، صلاحيات واسعة لتنظيم الإنتاج الرقمي عبر المواقع ومنصات التواصل.

التعديل الأخير الذي طاول مشروع قانون "سلامة الإنترنت" قبل إقراره في مجلس العموم، رضخت فيه الحكومة لرغبة 50 نائب محافظ، من بينهم أندريا ليدزوم، وبيل كاش، وبريتي باتيل، وإيان سميث، ففرضت عقوبة السجن على المديرين التنفيذيين للمواقع والمنصات الإلكترونية الذين يتقاعسون عن حماية الأطفال من "المحتوى الضار".

وصنّف المشروع السماح أو التغاضي أو عدم الانتباه عن نشر المعلومات المؤذية للأطفال، حتى ولو كانت قانونية، على أنه جريمة جنائية عقوبتها السجن. لكن قانونيين يقولون إن تجنب الوقوع في مثل هذه الجريمة أمر صعب.

ولم تُصدر هيئة الرقابة على المحتوى الإعلامي إلى الآن أي دليل أو إرشادات تُساعد مدراء المواقع والمنصات على تحديد كيفية حجب "المحتوى الضار" عن الأطفال، لكن في رأي المدير الشريك لـ"بينسينت ماسونس" للشؤون القانونية، فإن التعليمات التي سوف تصدرها "Ofcom" (أوفكوم)، قد تدفع مؤسسات كبيرة في مجال المحتوى الإلكتروني إلى مغادرة السوق البريطانية، أو تدفعها إلى تقييد وتقليص المواد الموجهة للأطفال، خشية تسرب ما يمكن أن يضع المؤسسة وصاحبها أمام المساءلة القانونية والمحاكمة.

"ماسونس"، وفي مقالة متخصصة نشرتها على موقعها الالكتروني، رأت أن تطبيق القانون الجديد بصيغته الراهنة "صعب جداً". وهذا ما يناقشه مجلس اللوردات. ولعل الغرفة الثانية للبرلمان البريطاني تخرج بجملة من المقترحات التي يمكن أن تجعل القانون الجديدة أكثر مرونة، خاصة في ما يتعلق بتجريم مدراء المواقع والمنصات إذا تسرب "محتوى ضار" إلى الأطفال بشكل غير مقصود.

التحقق من العمر

النائبة المحافظة أندريا ليدسوم، قالت أمام البرلمان إن الشرطة تُسجل شهرياً أكثر من 3500 اعتداء جنسي إلكتروني على الأطفال. كما أن أكثر من مليون طفل في المملكة المتحدة يستطيعون الوصول إلى مواد إباحية عبر الإنترنت. وكذلك من السهل جداً على الأطفال الحصول على معلومات من صفحات التواصل الاجتماعي تساعدهم على الانتحار.

ويتفق مع ليدسوم، عضو مجلس اللوردات ووزير التكنولوجيا السابق اللورد بيثيل، الذي يقود حملة مدعومة من 14 عضواً في المجلس، لتشديد بنود مشروع القانون، كي يلزم المواقع والمنصات بإجراء كثير من التدقيق في التأكد من هوية وعمر المستخدم، وبالتالي التأكد من حقه القانوني في الوصول إلى المحتوى.

ويسّمى المصطلح الفني المستخدم للتحقق من سن مستخدمي الإنترنت بـ"ضمان العمر"، والذي يجب أن يكون 13 عاماً على الأغلب.

ويقول محرر الشؤون التقنية في صحيفة "الجارديان" دان ميلمو، إن الآليات المتبعة حالياً للتحقق من العمر تُشكل تحدياً كبيراً للمنصات والمواقع لأن التدقيق الصارم، سواء كان عن طريق طلب الهوية أو استخدام مسح الوجه، وقد يؤدي إلى إبعاد المستخدمين، وبالتالي ضرب إيرادات الإعلانات.

ويوضح ميلمو أن لدى "أوفكوم" سلطة جعل شركات "الإعلام الإلكتروني" تنشر إنذارات الالتزام التي تتلقاها بشأن انتهاكات سلامة الأطفال.

وبموجب مشروع القانون تتمتع "أوفكوم" بصلاحية حظر المواقع والمنصات، أو فرض غرامة مالية تصل إلى 18 مليون جنيه إسترليني، أو 10% من حجم أعمال الشركة في أنحاء العالم، وهو ما يعادل أكثر من 10 مليارات دولار بالنسبة لشركة مثل "فيسبوك".

تصنيفات المحتوى الضار

المحتوى الضار بالأطفال ليس فقط ما يتوجب على المنصات ومواقع الإنترنت إزالته من صفحاتها، وإنما كل ما يتعلق بـ"الإرهاب، والاستغلال الجنسي، والاتجار بالبشر، والتنمر، والعنصرية، والتحرش"، وغيرها الكثير من المصطلحات التي بات يُحاسب عليها القانون، ويراها جريمة تستوجب العقاب، بالسجن أو الغرامة المالية.

ومن الأشياء التي تستوجب الإزالة والحظر إلكترونياً وفقاً للقانون، "كراهية المرأة". لكن مجموعة من اللوردات تطالب بتشديد العقوبة على ناشري ومتداولي أي محتوى يصنف تحت هذا المسمى، فيفرض على الشركات المخالفة في هذا الشأن، غرامات تصل قيمتها إلى ما يعادل 10% من عائداتها السنوية حول العالم.

أما التعديل المقترح في القانون فتقوده مجموعة من لوردات حزب المحافظين، من بينهم نيكي مورجان، وجابرييل بيرتين، وهيلين نيولوف. وبينما يُتوقع أن يدعم حزب العمال المعارض مطلب تعديل القانون، يقول بيرتين لصحيفة "الجارديان" إن المرأة في المملكة المتحدة معرضة للاعتداء إلكترونياً أكثر من الرجل بنحو 27 مرة.

ويلفت اللورد بيرتين إلى أن تشديد العقوبات في مشروع القانون هو السبيل الوحيد لحماية المرأة من الاعتداء الجنسي إلكترونياً، فيما توضح وزيرة الثقافة في حكومة الظل العمالية، لوسي بويل، أنه يجب على الأقل، منح هيئة الرقابة على الإعلام، صلاحيات واسعة لوضع قيود صارمة على نشر المحتوى المحرض على كراهية النساء.

وقالت بويل في حديث مع الصحيفة ذاتها، إن منظمات المرأة وحقوق الإنسان في المملكة المتحدة تؤيد مسعى تعديل القانون الجديد في هذا الشأن، وبالتالي يجب أن تأخذه حكومة حزب المحافظين بعين الاعتبار، شأنه في هذا شأن جميع الجرائم الإلكترونية التي يُطالب ريشي سوناك وفريقه بتشديد العقوبات على مرتكبيها.

محاربة الاحتيال الإلكتروني

"حزب العمال" يُريد أيضاً من مشروع القانون مُحاربة عمليات الاحتيال الإلكتروني. وانتقد زعيم الحزب كير ستارمر، تأخر الحكومة في تمرير القانون إلى البرلمان لأشهر طويلة، ما جعل آلاف البريطانيين يقعون ضحية لعمليات نصب، بينما كانوا يحاولون شراء الهدايا أو الاحتفال بعيد الميلاد وفعاليات شهر ديسمبر الماضي.

وتُعوّل الحكومة كثيراً على "سلامة الإنترنت" في محاربة عمليات الاحتيال عبر الشبكة العنكبوتية، ولكنها لن تكتفي به، إذ قررت وفق متحدث باسمها، إنفاق 400 مليون جنيه على مدى 3 سنوات، لتعزيز الاستجابة السريعة لوكالات إنفاذ القانون، مشيراً إلى اكتشاف أكثر من 2.7 مليون عملية احتيال إلكتروني العام الماضي.

وتُشير الأرقام الرسمية إلى أن الاحتيال الإلكتروني يُمثل 40% من الجرائم المرتكبة في المملكة المتحدة، وأن عمليات الاحتيال تزايدت كثيراً خلال فترة جائحة كورونا بسبب حاجة الناس إلى الشراء الإلكتروني من جهة، وحاجة الشركات إلى التمويل والدعم من جهة أخرى.

وبعدها نشط المحتالون مجدداً خلال النصف الثاني من 2022، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وحاجة الناس إلى المساعدة في تكلفة المعيشة.

مسؤولية التحكم بالمحتوى

في ظل مشروع القانون المذكور، يستطيع البالغون اتخاذ قراراتهم بشأن الخدمات التي يستخدمونها عبر الشبكة العنكبوتية، وهم واثقون بأن المنصات والمواقع الإلكترونية ستفي بوعودها في عدم إغراقهم بطوفان من المحتوى الذي لا يثير اهتمامهم، أو يغزونهم بجيش من الإعلانات التسويقية والاستهلاكية التي لا تخصهم.

ويبدو الأمر في ظاهره إيجابياً تماماً، ولكن برأي مهندسة المعلومات والباحثة في المحتوى الإلكتروني، إيلين راندل، سيتحمل المستخدمون في مقابل اختيار ما يهتمون به من بيانات ومعلومات، مسؤولية تجنب المحتوى الضار الذي يظهر على صفحات المواقع ومنصات التواصل، وبالتالي حماية أنفسهم من ضرر هذا المحتوى.

راندل قالت لـ"الشرق"، أن الأطفال هم المستفيدون من قيود القانون الجديد إلى حد ما، لكن بالنسبة إلى البالغين للسن القانوني في ما يتعلق بالاستخدام الحر للإنترنت، فلن يكون بإمكانهم إدانة المواقع والمنصات على المحتوى الضار الذي يظهر أمامهم، لأنه يصعب على الناشرين أصلاً حجب هذا المحتوى من دون المساس بحرية التعبير.

ولفتت راندل إلى أن التحدي الأكبر أمام المواقع والمنصات، لا يتمثل في إزالة المحتوى الضار بشكل مجرد، وإنما بإزالته من دون التعرض لحرية التعبير المصانة بالقانون.

وتابعت راندل: "المهمة في غاية التعقيد، ولن يكون من السهل على (أوفكوم)، وضع لائحة واضحة من التعليمات لهذا الهدف، من دون ثغرات يهرب منها صانع المحتوى والناشر".

اقرأ أيضاً:

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.