جبريسوس.. أول إفريقي يرأس "الصحة العالمية" وبلاده تعارض إعادة ترشحه

time reading iconدقائق القراءة - 10
المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جبريسوس - 18 أكتوبر 2021 - AFP
المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جبريسوس - 18 أكتوبر 2021 - AFP
دبي -الشرقوكالات

قبل 4 سنوات، أصبح الأكاديمي الإثيوبي تيدروس أدهانوم جبريسوس، أول إفريقي يتبوأ منصب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، مدفوعاً بترشيح حكومة بلاده ودعم القارة السمراء، وخلال هذه الفترة واجه الرجل انتقادات وتحديات عديدة، أبرزها إدارة أزمة كورونا، والتعامل مع فضيحة الانتهاكات التي تورط بها موظفوه في الكونغو.

من المقرر بحسب قوانين المنظمة، أن تنتهي ولاية جبريسوس في أغسطس 2022، لكن من الواضح أن مسألة بقائه أو رحيله أثارت الاهتمام في الآونة الأخيرة، في حين حسمت وكالة "فرانس برس"، الأمر تقريباً، عبر مصدر دبلوماسي، أكد، الجمعة، أن جبريسوس، هو المرشح الوحيد لرئاسة المنظمة، في حين تنص قوانين منظمة الصحة العالمية على أنه لا يجوز ترشيح أي شخص لشغل المنصب سوى لدورتين فقط، مدة كل منهما 5 سنوات. 

وإذا ما صحت هذه الأنباء، فلن يكون هناك منافسون للمسؤول الأممي البالغ من العمر 56 عاماً، وذلك رغم انتشار تصريحات عن اعتراض أديس أبابا على ترشحه لأسباب تتعلق باختلاف وجهات النظر بشأن ما يجري في إقليم تيجراي.

أول إفريقي يقود المنظمة

في عام 2017، أصبح تيدروس أدهانوم جبريسوس، أول إفريقي يتولى أعلى منصب في منظمة الصحة العالمية، وبحسب موقع statnews الطبي، يُعتبر أيضاً أول مدير عام تختاره الدول الأعضاء في المنظمة البالغ عددها 194 دولة، حيث كان يتم الاختيار سابقاً من قبل المجلس التنفيذي للمنظمة.

واستطاع المرشح الإثيوبي آنذاك بسهولة التفوق على 5 آخرين، مدعوماً من الاتحاد الإفريقي المكون من 55 دولة.

وتعهد جبريسوس عندما ترشح لمنصب المدير العام لمنظمة الصحة عام 2017 بالتركيز على 5 أولويات، تتلخص في جعل المنظمة أكثر فاعلية وشفافية، وضمان حصول الناس على الخدمات الطبية الأساسية، وتعزيز الأمن الصحي للدول، وجعل النساء والأطفال في صميم أولويات المنظمة، ودعم جهود مواجهة تغير المناخ.

وتشير سيرة تيدروس أدهانوم جبريسوس الذاتية، إلى أنه درس علم الأحياء في جامعة أسمرة في إريتريا، حيث يحمل شهادة البكالوريوس في العلوم منذ 1986، ثم عمل لفترة وجيزة خبيراً مبتدئاً بوزارة الصحة الإثيوبية، قبل الالتحاق بجامعة لندن، والحصول على الماجستير في الأمراض المعدية عام 1992، ثم حاز عام 2002 درجة الدكتوراه في الفلسفة، اختصاص الصحة المجتمعية، من جامعة نوتنجهام.

بحلول الوقت الذي أنهى فيه تيدروس الدكتوراه، كان قد تم تعيينه بالفعل رئيساً لمكتب الصحة الإقليمي في تيجراي. وفي عام 2005 تمت ترقيته إلى منصب وزير الصحة في إثيوبيا. وأثناء تلك الفترة نفّذ خطوات ساعدت في تحسين البنية التحتية الطبية، وتوسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية للإثيوبيين.

وفي عام 2012 تم تعيينه وزيراً للخارجية في إثيوبيا.

الخلاف مع أديس أبابا

نشأ جبريسوس في تيجراي أقصى شمال إثيوبيا، وخلال فترة شبابه تأثرت المنطقة بالحرب الأهلية، وانتشرت فيها عدد من الأوبئة مثل الملاريا والحصبة.

ولأصول جبريسوس، فيما يبدو، تأثير في موقفه من الصراع الدموي الذي شهده إقليم تيجراي في نوفمبر 2020 وتواصل حتى يونيو 2021، حيث كان قد وصف الوضع بأنه "مروع"، وتناولت العديد من تغريداته على تويتر التطورات في الإقليم، لكنه دائماً ما كان ينفي الانحياز لأي طرف في الصراع.

وفي سبتمبر الماضي، نقلت وكالة رويترز عن مصادر وصفتها بالمطلعة، افتقار جبريسوس لدعم أديس أبابا بسبب خلافات بشأن الصراع في  تيجراي، حيث تعود أصوله إلى الإقليم الذي شهد خلال الأشهر الماضية اضطرابات دموية بين الجيش الإثيوبي وفصائل محلية مسلحة، ما أسفر عن وقوع مئات الضحايا وآلاف النازحين، وفقاً لتقارير أممية.

وقال اثنان من كبار المسؤولين الإثيوبيين للوكالة، إن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الذي وصفه جنرال إثيوبي علناً ​​بأنه "مجرم" واتهمه بمحاولة شراء أسلحة لقوات تيجراي، "من غير المتوقع أن ترشحه حكومته كما هي العادة الدبلوماسية".

تحدي وباء كورونا

شهدت سنوات جبريسوس على رأس منظمة الصحة العالمية، العديد من الأحداث العاصفة على المستوى الطبي، فبعد عام واحد من توليه منصبه، تفشّى فيروس إيبولا في إحدى مناطق النزاع المسلح شمال شرق الكونغو الديمقراطية، فيما عُرف بثاني أكبر انتشار للوباء على الإطلاق، حيث استغرق عامين لاحتوائه قبل القضاء عليه بشكل كامل.

إلا أن الفترة الأكثر حساسية بالنسبة للمنظمة تحت قيادة الخبير الطبي الإثيوبي كانت نهاية عام 2019، عندما بدأ فيروس كورونا بالتفشي في مدينة ووهان الصينية قبل أن يتحول إلى وباء عالمي ويغزو كافة أرجاء المعمورة تقريباً.

وطالت استجابة منظمة الصحة العالمية لكورونا انتقادات شديدة من إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، والذي اتهم جبريسوس وفريقه بالتراخي في التعامل مع الصين، ولا سيما في الأيام الأولى لانتشار الفيروس.

وسرعان ما شكّل بعض الجمهوريين في الكونجرس تكتلاً خلف ترمب في موقفه من المنظمة والصين على السواء، ليعلن لاحقاً إنهاء علاقة الولايات المتحدة بمنظمة الصحة العالمية احتجاجاً على تواطئها مع بكين، لكن قرار ترمب لم يلبث أن أُلغي بعد هزيمته في الانتخابات، حيث كانت العودة للمنظمة من بين أولى قرارات الرئيس الديمقراطي جو بايدن.

وقبل أشهر من الآن، أثار جبريسوس غضب الصين من خلال الإصرار على إجراء تحقيق شامل في منشأ فيروس كورونا، ومن بين المآخذ التي يحملها البعض تجاه بكين، وحاول مدير منظمة الصحة العالمية التعامل معها بدبلوماسية، التأخر لأسابيع بالإبلاغ الدقيق عن تفشي الفيروس، وكذلك منع المنظمة من التحقيق بشكل مستقل، إضافة إلى عرقلة جهود اكتشاف أصل الفيروس".

وفي أوج أزمة التطعيم على المستوى العالمي، انتقد جبريسوس بشدة وفي أكثر من مناسبة، البلدان الغنية، وذلك على ما وصفه بتكديسها للقاحات كورونا في ظل الحاجة القصوى لها في الكثير من البلدان الفقيرة.

أكثر الشخصيات تأثيراً

لم يقتصر الدور الذي لعبه جبريسوس في السنوات الماضية على إدارته لمنظمة الصحة الصحة العالمية فحسب، إذ أدرجته مجلة "تايم" الأميركية ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة لعام 2020.

وفي وصفها لتأثيره، قالت المجلة إن "الأزمات كثيراً ما تخبرنا عن هويتنا ومم صُنعنا، وبالنسبة للدكتور جبريسوس، فإن وباء كورونا هو مجرد لحظة حاسمة". وتابعت "طوال حياته المهنية، وبصفته المدير العام لمنظمة الصحة، دافع بحزم عن المساواة والوصول إلى فكرة أن جميع الناس، أينما كانوا ومهما كانت ظروفهم، لهم الحق في رعاية صحية جيدة".

هذه المبادئ اكتسبها جبريسوس، كما تقول "تايم"، عندما كان طفلاً في إثيوبيا، حيث رأى بأم عينيه كيف أودت الأمراض التي يمكن الوقاية منها بحياة الأطفال من حوله، بما في ذلك شقيقه الصغير، وقد شكّلت هذه الأحداث الأليمة دافعاً كبيراً له للعب دور شخصي في الاستجابة لتفشي فيروس إيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وخلال جائحة كورونا وفي ظل رئاسته لمنظمة الصحة العالمية ورغم الانتقادات العديدة التي طالته، إلا أن جيبريسوس بقي وفق وصف المجلة الأميركية "في قلب العاصفة"، مؤكداً في كثير من المناسبات أن حماية الفئات الأكثر ضعفاً شرطٌ لحماية الأصحاء.

وفي عام 2011 حصل على جائزة "جيمي وروزالين كارتر" للشؤون الإنسانية، تقديراً لإسهاماته في مجال الصحة العامة.

انتقادات بشأن "فضيحة" الكونغو

وعلى الرغم من الجهود التي بُذلت في إدارة أزمة إيبولا في الكونغو بين عامي 2018 و2020، إلا أن الانتهاكات الجنسية التي ارتكبها موظفون في المنظمة خلال مواجهة الوباء أثارت زلزالاً إعلامياً، حيث تعرض جبريسوس آنذاك لانتقادات علنية من جانب عشرات الدول الأعضاء، بما في ذلك بلدان دعمت ترشيحه، وذلك بسبب طريقة إدارته فضيحة الانتهاكات.

وكان تقرير مستقل أشار إلى وجود "إهمال فردي" داخل المنظمة أدى إلى حدوث تلك الانتهاكات، وقد اعتذر جبريسوس للضحايا الذين يعدون بالعشرات، مقراً أنه كان يفترض به أن يكون أكثر فضولاً خلال زياراته الـ14 إلى هذا البلد.