المعارضة التركية أمام اختبار تقديم مرشّح قادر على مواجهة أردوغان

time reading iconدقائق القراءة - 8
رئيس "حزب الشعب الجمهوري" المعارض كمال كيليجدار أوغلو متوسّطاً منصور يافاش (يمين) وأكرم إمام أوغلو (يسار) بعد فوزهما في انتخابات رئاسة البلدية بأنقرة وإسطنبول - 2 أبريل 2019 - AFP
رئيس "حزب الشعب الجمهوري" المعارض كمال كيليجدار أوغلو متوسّطاً منصور يافاش (يمين) وأكرم إمام أوغلو (يسار) بعد فوزهما في انتخابات رئاسة البلدية بأنقرة وإسطنبول - 2 أبريل 2019 - AFP
دبي- الشرق

تبحث المعارضة في تركيا عن مرشح قادر على هزيمة الرئيس رجب طيب أردوغان، في انتخابات الرئاسة المرتقبة العام المقبل، في ظلّ مخاوف من تبديد فرصة تاريخية، كما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

وأشارت إلى أن زعيم "حزب الشعب الجمهوري"، كمال كيليجدار أوغلو، أعلن في البرلمان الأسبوع الماضي رغبته في مواجهة أردوغان، وخوض "معركة كبرى" ضد الفقر والتضخم وعدم المساواة في البلاد. وخاطب خصوماً لم يسمّهم داخل تحالفه المعارض، قائلاً: "إما أن تقفوا معي، وإما أن تبتعدوا عن طريقي".

بعدما سخر منه أردوغان لفترة طويلة، بوصفه "خاسراً متسلسلاً" في الانتخابات، أشرف كيليجدار أوغلو على نصر حققته المعارضة في الانتخابات البلدية عام 2019، عندما سيطرت على إسطنبول، أكبر مدينة تركية، والعاصمة أنقرة.

والأهم من ذلك، بحسب الصحيفة، أنه شكّل تحالفاً من أحزاب معارِضة، تجتمع على هدف واحد هو إلحاق الهزيمة بأردوغان الذي يحكم تركيا منذ نحو عقدين، أولاً كرئيس للوزراء ثم كرئيس للجمهورية.

ونقلت "فايننشال تايمز" عن بيرك إيسن، وهو باحث في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية" في برلين، إن الأوضاع مؤاتية لحدوث تغيير تاريخي في تركيا، مضيفاً: "الحزب الحاكم منقسم على نفسه، فيما توحّد المعارضة صفوفها. الأوضاع الاقتصادية متردية فعلياً، ولا أرى كيف يستطيع أردوغان قلب الطاولة".

سابقة المجر

لكن ثمة مخاوف متفاقمة من أن يجازف التحالف بتبديد الفرصة المتاحة أمامه، علماً أن شعبية أردوغان سجّلت ارتفاعاً طفيفاً في استطلاعات الرأي، التي أُعدّت في مارس الماضي، إذ إن أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا أبرزته بوصفه لاعباً دولياً مهماً.

وشكّلت نتائج الانتخابات النيابية التي نظمتها المجر الشهر الماضي، تحذيراً إضافياً بعدما فشل تحالف ضمّ 6 أحزاب معارضة، في هزيمة رئيس الوزراء فيكتور أوربان. وقال مسؤول في المعارضة: "لو سألتني العام الماضي، لقلت إن الانتخابات محسومة، وإن أردوغان سيخسر. أما الآن، فأنا أقلّ يقيناً".

أكبر خشية تساور بعضهم في المعارضة، تكمن في أن يصرّ كيليجدار أوغلو على الترشح ضد أردوغان، وأن يهزمه الأخير. وقال قيادي في أحد الأحزاب المعارضة الخمسة التي تعمل مع "حزب الشعب الجمهوري"، إن كيليجدار أوغلو "يستميت" لخوض السباق، مضيفاً: "ليس لديّ شكّ في أنه سيكون أفضل رئيس مقارنة بجميع المرشحين المحتملين. لكن فرصته بالفوز هي الأضعف".

في السياق ذاته، يرى بيرك إيسن في كيليجدار أوغلو "صانع رؤساء عظيماً"، مستدركاً أنه "ليس رئيساً".

منصور يافاش

أياً يكن المرشح لمواجهة الرئيس التركي، فسيواجه سياسياً محنكاً، وأحد الرموز السياسية الأكثر شعبية في تركيا، رغم أن التضخم بلغ 61% في مارس الماضي، بحسب "فايننشال تايمز".

وأضافت أن أردوغان اكتسب في السنوات الأخيرة، سيطرة تُعتبر سابقة على كل المؤسسات التركية، بما في ذلك القضاء والمصرف المركزي، واستخدم مرات هذه السلطات لقولبة النظام الانتخابي لمصلحته. وفي مارس، بدّل القوانين الانتخابية بشكل يمكن أن يسيّس الإشراف على فرز الأصوات.

وفي المرة الأخيرة التي قدّمت فيها المعارضة مرشحاً مشتركاً للرئاسة، في عام 2014، فاز أردوغان بفارق 13 نقطة.

رغم ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن هناك مرشحَين محتمَلين يمكنهما تحقيق فوز ضخم ضد الرئيس، هما منصور يافاش وأكرم إمام أوغلو، رئيسا بلديتَي أنقرة وإسطنبول.

وحقق يافاش (66 عاماً) معدلات تأييد مرتفعة جداً، من خلال تركيزه على تحسين الخدمات العامة في العاصمة، علماً أنه محافظ وقومي. ويرى مؤيّدوه أنه في وضع مؤاتٍ لكسب أصوات ناخبي أردوغان، كما يمكنه الإشراف على خطة أعدّتها المعارضة، لإلغاء النظام الرئاسي الذي أعدّه أردوغان في عام 2018، واستعادة دور البرلمان.

أكرم إمام أوغلو

لكن معظم المحللين السياسيين يعتبرون إمام أوغلو (51 عاماً) المرشح الأقوى، إذ يصف نفسه بأنه ديمقراطي اجتماعي، ويحظى بقبول لدى قطاع أعرض من الناخبين، وفق "فايننشال تايمز".

ونقلت الصحيفة عن علي جارك أوغلو، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوج بإسطنبول، قوله في إشارة إلى إمام أوغلو: "إنه شاب ونشط ويحظى بشعبية.. وسيبدو أردوغان عجوزاً في مواجهته. إنه يفقد أعصابه بين حين وآخر، إلا أن هذه صفة حميدة ومؤهلة في السياسة التركية". 

اكتسب إمام أوغلو أيضاً خبرة التنافس المحموم في الانتخابات، في ما يُعدّ أمراً مهماً، إذ يخشى كثيرون في المعارضة أن يلجأ أردوغان إلى تكتيكات هدفها التشبّث بالسلطة، بحسب الصحيفة.

عندما انتُخب إمام أوغلو، بهامش ضئيل، رئيساً لبلدية إسطنبول في عام 2019، ألغى أردوغان نتائج الانتخابات، بدعوى تزويرها. لكن إمام أوغلو حقق فوزاً ساحقاً في جولة الإعادة.

رغم ذلك، يزعم معارضو إمام أوغلو أن "طموحه الشديد" يثير شكوكاً بتولّيه مهمة تفكيك النظام الرئاسي الذي أعدّه أردوغان لنفسه. ووصف قيادي في حزب معارض صغير، إمام أوغلو بأنه "يمكن أن يكون أردوغان آخر"، مضيفاً أن "لا أحد يريد ذلك".

لكن شخصاً مقرباً من رئيس بلدية إسطنبول، اعتبر أن القواسم المشتركة الوحيدة بينه وبين أردوغان، تكمن في أنهما ينحدران من منطقة تطلّ على البحر الأسود، و"ممارسة كرة القدم خلال شبابهما"، وتابع: "بخلاف هاتين الصفتين، فإن الرجلين لا يتشابهان في شيء".

ميرال أكشنار والأكراد

وسيؤول القرار النهائي في نهاية المطاف، إلى مفاوضات ستجري وراء الكواليس، بين مجموعة قادة المعارضة، المعروفة باسم "طاولة الستة". وباعتبارها ثاني أقوى زعيم على الطاولة، ستضطلع ميرال أكشنار، رئيسة حزب "الخير" اليميني، بدور حاسم في اتخاذ هذا القرار، بعدما استبعدت ترشحها للرئاسة. 

ونقلت "فايننشال تايمز" عن قيادي في حزب "الخير"، قوله إن أكشنار تدفع في اتجاه تقديم مرشح يمكنه الفوز بسهولة على أردوغان في الدورة الأولى من الانتخابات، بدلاً من المجازفة بخوض جولة إعادة. وثمة مؤشرات إلى أنها تفضّل إمام أوغلو، إذ قارنته العام الماضي بمحمد الفاتح، السلطان العثماني الذي سيطر على مدينة القسطنطينية، في عام 1453.

وبعيداً من هذه المساومات، ثمة اعتبار بالغ الأهمية، يتمثل في استمالة الأقلية الكردية الضخمة في تركيا، علماً أن "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي قد ينال 12% من الأصوات في تركيا، لكنه ليس جزءاً من تحالف المعارضة. ويسعى أردوغان إلى زرع شقاق بين هذا الحزب وسائر أحزاب المعارضة.

وأشار صلاح الدين دميرطاش، الرئيس السابق لـ"حزب الشعوب الديمقراطي"، من سجنه إلى أن خياره الأول سيكون إمام أوغلو "الممثل للجميع"، علماً أن يافاش كان عضواً في حزب قومي متشدد.

لعبة الانتظار

سعت المعارضة إلى تأخير عملية الاختيار، ويبدي أوزير سينكار، رئيس مؤسسة "ميتروبول" لاستطلاعات الرأي، قلقاً من تبديد المعارضة وقتاً ثميناً، مشيراً إلى أن أردوغان قد يدعو إلى انتخابات مبكرة في الخريف المقبل. واعتبر أن كيليجدار أوغلو "يستحق الترشح" للرئاسة، مستدركاً: "هل الأهم هو أن تكون مرشحاً أو أن تفوز" في الانتخابات؟

ويتهم بعضهم كيليجدار أوغلو بأنه يحيط نفسه بموالين يفتقرون إلى شجاعة مواجهته بحقيقة أن ترشحه يشكّل مجازفة كبرى، معربين عن خشيتهم من أن يرتكب كيليجدار أوغلو وحلفاؤه خطأ تاريخياً في الحسابات.

لكن فتحي أشيكيل، عضو اللجنة التنفيذية في "حزب الشعب الجمهوري"، ذكّر بأن كيليجدار أوغلو سمح في الانتخابات الأخيرة "لآخرين بخوض السباق الانتخابي بدلاً منه"، مضيفاً أنه "يدرك أننا بحاجة إلى الفوز".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات