فلسطينيو الداخل في اختبار الانتخابات الإسرائيلية.. غياب أم حضور مفاجئ؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
لافتة انتخابية لحزب الليكود على حافلة في القدس تهاجم رئيس الحكومة يائير لبيد ووزير دفاعه بيني جانتس لتحالفهما مع فلسطينيي الداخل، 31 أكتوبر 2022. - AFP
لافتة انتخابية لحزب الليكود على حافلة في القدس تهاجم رئيس الحكومة يائير لبيد ووزير دفاعه بيني جانتس لتحالفهما مع فلسطينيي الداخل، 31 أكتوبر 2022. - AFP
القدس/ الناصرة- قاسم الخطيب

كثّفت أحزاب ومؤسسات ومجالس محليّة حملاتها الرامية إلى تشجيع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة، التي ستجري الثلاثاء، وذلك على ضوء تدّني نسبة الراغبين بالتصويت منهم، وفق ما بينته استطلاعات الرأي العام المختلفة.

ويشكّل الفلسطينيون في إسرائيل حوالي 15% من أصحاب حق الاقتراع. وبيّنت استطلاعات رأي أخيرة أن نسبة الراغبين في الإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات تقل عن النصف. 

وتخوض 3 كتل فلسطينية الانتخابات في إسرائيل، وتخشى جميعها من عدم اجتياز نسبة الحسم اللازمة لدخول البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في حال تدني نسبة التصويت. 

ووجهت الكتل الثلاث، ومعها جمعيات ومؤسسات إعلامية ونقابية ومجالس محلية، دعوات للفلسطينيين من مواطني إسرائيل للتصويت، والدفع بممثليهم إلى البرلمان الإسرائيلي للدفاع عن حقوقهم ومواجهة الأحزاب اليمينية المتطرفة المتنامية القوة.

ونشرت وسائل الإعلام إعلانات ممولة لتشجيع الفلسطينيين على التصويت، بينها إعلانات في وسائل إعلام حكومية إسرائيلية مثل تليفزيون هيئة البث الإسرائيلية "مكان". 

وأظهر أحد الإعلانات في تليفزيون "مكان"، عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير وهو يحتفل بغياب الصوت والتمثيل الفلسطيني، ويتوعد بطرد الفلسطينيين الذين يصفهم بـ"غير الموالين للدولة"، وفرض عقوبة الإعدام على منفذي الهجمات وغيرها من الشعارات العنصرية التي يتضمنها برنامج كتلته الانتخابية.  

وتظهر الأرقام الرسمية أن الفلسطينيين في إسرائيل يمكنهم تمكين حوالي 20 نائباً من دخول الكنيست الذي يبلغ عدد أعضاءه 120 عضواً.

توقعات بالمشاركة

وكان استطلاع أجراه صندوق كونراد أديناور للتعاون العربي اليهودي، بالشراكة مع معهد موشيه ديان في جامعة تل أبيب، ونشرت نتائجه الثلاثاء الماضي، أظهر نتائج أثارت دهشة الكثيرين حول النتائج المتوقعة لتصويت العرب في الانتخابات المنتظرة.

وعلى خلاف كافة الاستطلاعات المنشورة في الفترة الأخيرة، جاءت نتائج استطلاع كونراد أديناور لتتنبأ بتصويت 49% من فلسطينيي الداخل، وضمان قائمة واحدة هي تحالف الجبهة والتغيير، عبور نسبة الحسم والحصول على 4.1 مقعد، فيما لن تتمكن القائمة العربية الموحدة والتجمع الوطني الديمقراطي من دخول الكنيست. 

وكانت كافة استطلاعات الرأي خلال الأسابيع الأخيرة توقعت أن تقترب نسبة التصويت بين الفلسطينيين داخل إسرائيل من 40%، أي أن أقل من نصف العرب من حملة الجنسية الإسرائيلية ينوون التوجه إلى صناديق الاقتراع، مقارنة بـ 70% متوقعة بين اليهود في إسرائيل. 

في المحصلة، أبقى استطلاع كونراد- أديناور على الصورة القاتمة من وجهة نظر القيادات العربية داخل إسرائيل وفي الكتلة المعارضة لنتنياهو، وأبقى على حالة التفاؤل في معسكر اليمين اليهودي. 

وإذا تحققت توقعات مقاطعة 60% من الفلسطينيين داخل إسرائيل لانتخابات الأول من نوفمبر، فإنها تهدد وجود جميع القوائم العربية في الكنيست وتزيد من فرص رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو المتحالف مع حزب الصهيونية الدينية المعادي للمشاركة السياسية للعرب في إسرائيل، من العودة بقوة لرئاسة الحكومة.

ويحتاج أي حزب لدخول الكنيست اجتياز نسبة الحسم، وهي الحصول على الأقل على 3.25 % من مجمل عدد المصوتين في الانتخابات. وكل حزب يحصل على هذه النسبة كحد أدنى يتم تمثيله بـ4 مقاعد داخل الكنيست، ولا يمكن الحصول على اقل من ذلك.

وتحسب القائمتان العربيتان، القائمة العربية الموحدة والتجمع الوطني الديمقراطي، حالياً ضمن المعسكر المناهض لنتنياهو، وفي حال عدم تمكن أي منهما من دخول الكنيست، فإن ذلك يعني منح معسكر اليمين اليهودي عدداً أكبر من المقاعد، ما يجلب الانتصار لمعسكر اليمين بزعامة نتنياهو، لا سيما مع احتدام المعركة الانتخابية وحسمها قائماً على مقعد إضافي واحد لمعسكر نتنياهو كي يتمكن من تشكيل حكومة يمينية والعودة إلى سدة الحكم في إسرائيل.

غياب الحملات الانتخابية 

الأجواء داخل التجمعات العربية داخل إسرائيل لا توحي بوجود معركة انتخابية، ففي الكثير منها من الصعب العثور على لافتات أو رؤية مظاهر للدعاية الانتخابية، مقارنة مع معارك انتخابية سابقة.

وأجرت "الشرق" عدة مقابلات في عدد من التجمعات العربية داخل إسرائيل أظهرت عدم وجود رغبة قوية للمشاركة في الانتخابات.

مجدي إبراهيم، شاب في الثلاثين من العمر، يملك مقهى افتتحه منذ فترة قصيرة في قرية أبو غوش، التي تغص بالزوار الإسرائيليين في نهاية الأسبوع، قال لـ"الشرق" إنه شارك بالتصويت في الانتخابات السابقة، لكنه مصمم هذه المرة على عدم التصويت، حتى مع إدراكه أن عدم تصويته يخدم مباشرة الأحزاب اليمينية اليهودية.

وأضاف: "لم تعد النتيجة تعنيني، أعيش حالة من اليأس في كل ما يتعلق بموضوع الانتخابات والقدرة على التغيير وأشكك بفائدة المشاركة ".

جاره المتقاعد محمود إبراهيم الجميل وافقه الرأي، وقال لـ"الشرق" إن "هذه الانتخابات تفتقد للطعم والرائحة لأن وحدة القوائم العربية تفككت تقريباً بشكل نهائي".

وأضاف محمود: "في الماضي شكلت هذه الأحزاب كتلة واحدة مشتركة، وكانت قادرة على التأثير، واليوم بات كل حزب بمفرده بسبب الخلاف على ترتيب المقاعد، وعندما دخلت القائمة الموحدة للحكومة وكانت قادرة على استخدام وزنها النوعي داخلها والتهديد بإسقاطها لإجبارها على تحقيق إنجازات للمجتمع العربي داخل إسرائيل، لم تقم الموحدة بذلك، ومن أجل الحفاظ على استقرار الحكومة لم تقم بإنجاز أي شيء".

أما صلاح عبد الرحمن، صديق محمود، فأرجع جزءاً من خيبة أمل فلسطينيي الداخل واتخاذهم موقفاً لا يبالي بالانتخابات ونتائجها إلى غياب أحزاب إسرائيلية جدية، لها مواقف ومبادئ مقنعة لشارعها وواضحة مع الناخب العربي.

ويرى عبدالرحمن أن الأحزاب العربية في إسرائيل "باتت متشابهة وجميعها تبني مواقفها بما يتلاءم مع ميول الشارع الإسرائيلي في كل لحظة، ولم نعد نسمع بأحزاب تنادي بالسلام، جميعها تبدو أحزاباً استهلاكية تلائم ذوق الجمهور، ولا تطرح حلولاً أو رؤى أو توجهات".

ويتهم عبدالرحمن الأحزاب العربية بأنها "تحولت إلى أحزاب تحمل مصالح شخصية بالدرجة الأولى، ولا تهتم بالمواطن الفلسطيني وهمومه داخل إسرائيل" . 

أسباب المقاطعة

هناك عدد من الفلسطينيين من حاملي الجنسية الإسرائيلية يقاطعون انتخابات الكنيست بشكل دائم لمنطلقات عقائدية ترفض أن ترى في الكنيست الإسرائيلي بيتاً للسجال السياسي الوطني للفلسطينيين في إسرائيل، ويرون أن المشاركة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل تخدم الرواية الصهيونية بأن "إسرائيل دولة ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط، وإنها تحافظ على الحقوق الدينية والسياسية لجميع من يحمل جنسيتها". 

ويتحدث الجزء الأكبر من المقاطعين عن خيبة أملهم من عمل النواب الفلسطينيين في الكنيست من جهة، وعن فشل تجربة المشاركة السياسية الكاملة والتأثير من داخل الحكومة، خصوصاً أن الحلفاء الطبيعيين في معسكر الوسط واليسار، رئيس الحكومة الحالي يائير لبيد وحزبه "يش عتيد" (هناك مستقبل) ووزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس، الطامح للمشاركة في المنافسة على منصب المكلف بتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات، كلاهما يصرحان بأنهما لا ينويان الاعتماد على القوائم العربية فيما إذا اجتازت نسبة الحسم.

إضافة إلى أن كليهما يرفضان بشكل قاطع ضم تحالف الجبهة والعربية للتغيير لأي حكومة سيقومان بتشكيلها بعد الانتخابات ما يعني بالنسبة للمصوت العربي أن قيادات الوسط واليسار تريد من القوائم العربية الوصول إلى الكنيست لمنع نتنياهو من الحصول على أغلبية لتشكيل حكومة وليس ليصبحوا شركاء متساوين في دائرة اتخاذ القرار بإسرائيل. 

فداء شحادة عضوة عربية في المجلس البلدي في مدينة اللد، التي شهدت أكثر المواجهات حدة بين سكانها العرب وقوات الشرطة الإسرائيلية ومتطرفين يمينيين يقطن بعضهم المدينة والبعض الاخر قدم خصيصاً من مستوطنات الضفة الغربية، فيما عرف بأحداث أيار عام 2021.

فداء هي إحدى الناشطات السياسيات الفاعلات في المدينة وواحدة من القيادات السياسية المحلية وتنوي المشاركة في الانتخابات والإدلاء بصوتها يوم الانتخابات.

وفي حديث مع "الشرق"، قالت إنها تفهم وتتفهم دوافع من يريدون المقاطعة، وتضيف: "حتى لو نجح الفلسطيني في حياته المهنية وتخرج من الجامعات في أكثر المواضيع أهمية، وعمل في فروع أهم شركات التكنولوجيا المتطورة العالمية الموجودة في إسرائيل فإنه يعود بعد انتهاء ساعات عمله إلى نفس الواقع، إلى الشوارع غير المهيئة للسير والبيئة الصعبة والحارات المفتقدة لأي تطوير أو بنى أساسية طبيعية."

من وجهة نظر فداء، "لا يمكن تحييد أو فصل أو تجريد الفلسطينيين داخل إسرائيل من هويتهم الوطنية، فهم في النهاية جزء أساسي من الشعب الفلسطيني، ولا أحد يمكن أن يتوقع ألّا يتأثروا بالأخبار، التي تصل يومياً من جنين ونابلس عن شهداء جدد وعن المزيد من الشبان الذين قتلوا من قبل إسرائيل هناك". 

المعطيات الإحصائية المتراكمة خلال السنوات الأخيرة، وعلى الأدق منذ الانتخابات الإسرائيلية عام 2015 وحتى اليوم، تظهر أن كل ما ذكر سابقاً هو تعبير حقيقي عما يدور في خُلد الفلسطينيين داخل إسرائيل، لكن السبب الرئيسي وراء العزوف عن التصويت يكمن في رغبة الفلسطينيين في الداخل في وحدة أحزابهم في قائمة جامعة .

وسجّلت أعلى نسب مشاركة في الانتخابات في انتخابات عام 2020 حينها خاضت القوائم العربية الانتخابات في قائمة مشتركة فوصلت نسبة التصويت بين العرب في إسرائيل إلى 65% وحصلت القائمة التي عرفت حينها بالقائمة المشتركة على 15 صوتاً.

في هذه الانتخابات هناك 3 قوائم، ووفق الاستطلاعات قد تسجل نسب التصويت أدنى مستوى لها في تاريخ المشاركة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل، في ظل مخاوف من أن يؤدي غياب نواب فلسطينيين بالكامل عن الكنيست، إلى واقع جديد للسياسة الفلسطينية داخل إسرائيل.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات