FBI يحقق في أنشطة "مراكز شرطية" صينية على الأراضي الأميركية

time reading iconدقائق القراءة - 13
عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية في أحد شوارع نيويورك. 18 أبريل 2014 - REUTERS
عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية في أحد شوارع نيويورك. 18 أبريل 2014 - REUTERS
دبي - الشرق

أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن مكتب التحقيقات الأميركي FBI "يكثّف  جهوده لمواجهة مراكز للشرطة الصينية في الخارج تراقب أنشطة الجالية الصينية"، فيما تؤكد بكين هذه المراكز "لا تمارس أنشطة شرطية".

في مدخل بناية من 6 طوابق في china town (الحي الصيني) بمدينة نيويورك، يوجد دليل يكشف أسماء الشركات التي توجد مقراتها في البناية، بما في ذلك شركة هندسية، ومركز متخصص في العلاج بالأبر، ومكتب محاسبة.  

ولكن هناك مكتب في الطابق الثالث من المبنى لم يُدرج اسمه في الدليل، وهو "مخفر صيني" يشتبه في أنه يقوم بعمليات شرطية من دون تصريح قضائي أو موافقة دبلوماسية، وهو "واحد من أكثر من 100 من هذه المخافر المنتشرة في جميع أنحاء العالم التي تثير قلق الدبلوماسيين ووكلاء أجهزة الاستخبارات، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".

والخريف الماضي، قام وكلاء مكافحة التجسس في مكتب التحقيقات الفيدرالي بتفتيش المبنى كجزء من "تحقيق جنائي يتم إجراؤه بالتعاون مع مكتب المدعي العام الأميركي في بروكلين"، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن مصادر مطلعة.

ووصفت الصحيفة عملية التفتيش بأنها تمثل "تصعيداً في الصراع العالمي الذي تخوضه الولايات المتحدة ضد جهود الصين لمراقبة جالياتها في البقاع الواقعة خارج حدودها".  

ودعا مسؤولون إيرلنديون وكنديون وهولنديون الصين إلى "التوقف عن ممارسة أنشطتها الشرطية داخل حدود بلادهم" وفقاً للصحيفة، التي أضافت أن تلك المداهمة التي قام بها مكتب التحقيقات الفيدرالي تعد أول عملية مصادرة معروفة لمحجوزات من أحد هذه المخافر.  

توضيح صيني 

والأربعاء، قللت السفارة الصينية في واشنطن من الدور الذي تضطلع به هذه المراكز، مؤكدة أن العاملين بها "مجرد متطوعين يساعدون المواطنين الصينيين على إنجاز مهام روتينية" مثل تجديد رخص القيادة الصينية الخاصة بهم.

ولكن تقارير صادرة عن وسائل إعلام حكومية صينية، قامت "نيويورك تايمز" بمراجعتها، تذكر أسماء مسؤولين شرطيين ومحليين صينيين يصفون هذه العمليات على نحو مختلف تماماً، إذ يروجون للأنشطة التي تقوم بها هذه المكاتب، والتي يُطلق عليها في كثير من الأحيان "مراكز خدمة شرطية في الخارج".

وتصف بعض التقارير هذه البؤر بأنها "تقوم بجمع معلومات استخباراتية وتباشر الجرائم في الخارج من دون التنسيق مع المسؤولين المحليين". ولا تتطرق التقارير الحكومية إلى هوية المسؤولين عن إدارة هذه المكاتب على وجه التحديد، إذ يُشار إليهم في بعض الأحيان على أنهم "متطوعين"، وفي أحيان أخرى على أنهم "موظفون"، وفي حالة واحدة على الأقل على أنه "المدير".  

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن بعض هذه التقارير الإعلامية "حُذفت أخيراً" بعد أن لفت المسؤولون الغربيون وجماعات حقوق الإنسان الانتباه إلى هذه المكاتب الشرطية.  

"بؤر صيد الثعالب"

وينظر مسؤولون غربيون إلى هذه البؤر باعتبارها "جزءاً من حملة بكين الأوسع نطاقاً لمراقبة الرعايا الصينيين في الخارج"، بما في ذلك المعارضين.  

ويُعرف هذا النشاط سيء السمعة باسم "عملية صيد الثعالب"، حيث يقوم المسؤولون الصينيون بملاحقة الهاربين خارج البلاد، والضغط عليهم للعودة إلى الوطن.

وبحسب روايات وسائل الإعلام الحكومية الصينية والتصريحات العلنية المنشورة في الصين، أنشأت 4 مديريات للشرطة الصينية على الأقل (شرطة مدينة فوتشو ومدينة كينجتيان ومدينة نانتونج ومدينة وينزهو)، أنشأت عشرات مراكز الشرطة في مختلف أنحاء العالم. وتحدد هذه الروايات وتلك التصريحات مواقع هذه المراكز في اليابان وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والمجر وجمهورية التشيك ودول أخرى.

ووصف إيجور ميرهيم إير، مستشار العضو السلوفاكي في البرلمان الأوروبي لـ "نيويورك تايمز"، هذا الأمر بأنه "مثير للقلق للغاية من منظور حقوق الإنسان"، معقباً: "إننا بذلك نسمح بشكل أساسي بأن تتحكم جمهورية الصين الشعبية في الجاليات الصينية بدلاً من أن تخضع هذه الجاليات لقوانيننا المحلية".  

وأضاف أن "هذا يؤثر بقوة ليس فقط على علاقاتنا بالجاليات الصينية في جميع أنحاء أوروبا، وإنماً أيضاً وبقوة على سيادتنا الوطنية".  

"FBI على دراية"

ويقع مقر مركز نيويورك الذي أنشأته شرطة مدينة فوتشو الصينية وسط مكاتب إحدى منظمات المجتمع الصيني، وهي "جمعية أميركا تشانجل في نيويورك"، وفقاً لصحيفة "يوث ديلي" الحكومية الصينية، التي نشرت العام الماضي وثيقة تتضمن مواقع العديد من المخافر الشرطية.

وتشانجل هي إحدى ضواحي مدينة فوتشو. وقد تم حذف المقال بعد نشره. وتتطابق عناوين مخافر شرطية صينية أخرى مع مواقع شركات خاصة، مثل مطاعم وجمعيات تجارية صينية. ووصفت السفارة الصينية في واشنطن هذه الأماكن بأنها "ممنوحة من قبل الجاليات الصينية في الخارج التي ترغب في أن تكون متعاونة".

ويرأس "جمعية أميركا تشانجل" لو جيان شون، المعروف باسم جيمي لو، وهو مانح لعمدة نيويورك إريك آدامز. ولم يتضح بعد ما إذا كان لو جيان شون، يخضع للتحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي. وأكد متحدث باسم عمدة نيويورك لـ "نيويورك تايمز" أن "السيد آدامز لا يعرف أحداً بهذا الاسم".  

وقال لو، رداً على سؤال "نيويورك تايمز"، في ثنايا محادثة هاتفية قصيرة بشأن عملية المداهمة التي قام بها مكتب التحقيقات الفيدرالي، إنه سيتصل بالصحيفة مرة ثانية، إلا أنه "لم يتصل"، وفقاً للصحيفة، التي أضافت أنه "لم يرد على الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية" التي أُرسلت إليه لطلب التعليق.  

وأشارت "نيويورك تايمز" أيضاً إلى أن المتحدثين باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي ومكتب المدعي العام الأميركي في بروكلين، رفضا طلبها للتعليق، ولكن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، أخبر المشرعين، في نوفمبر، بأنه "على دراية بهذه البؤر"، التي أطلق عليها "مراكز شرطية"، وأنه "مهتم بالأمر"، وفقاً لما أوردته الصحيفة الأميركية.

سفارة الصين تنفي

على الجانب الآخر، أكدت السفارة الصينية في واشنطن أن هذه الأماكن "ليست أقساماً شرطية". ووصف المتحدث باسم السفارة، ليو بينجين، العاملين بهذه البؤر بأنهم "ليسوا شرطيين من الصين"، مضيفاً: "لا داعي لإثارة قلق الناس بهذا الشأن".

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن عمل ضباط الشرطة خارج حدود البلاد "ليس أمراً مستهجناً في ذاته"، مضيفة أن مكتب التحقيقات الفيدرالي، على سبيل المثال، يرسل عملاءه إلى الخارج "ولكنهم يعلنون أنفسهم للحكومات الأجنبية، ويعملون خارج السفارات الأميركية".

وزادت: "في حال قام عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في الخارج بمهام تتعلق بإنفاذ القانون، فإن ذلك يكون بتصريح من السلطات المحلية".

وتابعت: "وتلتزم الصين بالقواعد نفسها مع الدوريات المشتركة في أماكن مثل إيطاليا، والتي تمثل وجهة معروفة للسائحين الصينيين "ما يجعل العمليات التي تتم ممارستها خارج نطاق المتعارف عليه أكثر إثارة للفضول".  

ولم تذكر وزارة الخارجية الصينية الكثير رداً على هذه الانتقادات، ولكن في الصين روجت أقسام الشرطة لنفوذها وسلطاتها في جمع المعلومات، سواء من خلال البيانات الرسمية أو عبر وسائل الإعلام الحكومية، وفقاً للصحيفة.

وتصف أحد المقالات الصحافية المرتبطة بإدارة الدعاية في مقاطعة تشينجتيان الصينية امرأة صينية قالت أن أموالها سُرقت في بودابست. وبدلاً من الاتصال بالسلطات المحلية، طلبت المرأة المساعدة من "مخفر الشرطة الصيني الموجود هناك".

وذكر المقال أن المسؤولين عن مركز الشرطة استعانوا بلقطات كاميرا المراقبة الخاصة بمتجر صغير لمعرفة هوية السارق، الذي اتضح أنه روماني، واستعادوا أموال المرأة من خلال "التفاوض والتوعية"، حسبما أوردت "نيويورك تايمز".  

جمع المعلومات 

وقالت وكالة الأنباء الصينية الرسمية إن مراكز الشرطة التابعة لتشينجتيان في الخارج قامت بجمع معلومات تتعلق بالرأي العام ومشاعر الصينيين الذين يعيشون في الخارج.  

وذكر مقال آخر نشرته هيئة تابعة للحزب الشيوعي في مقاطعة جيانجسو أن مراكز خدمة روابط الشرطة في الخارج، التابعة لمدينة نانتونج، ساعدت في إلقاء القبض على أكثر من 80 مشتبه جنائي وإقناعهم بالعودة إلى الصين، منذ فبراير 2016.  

وقالت جماعة Safeguard Defenders الحقوقية في تقرير صدر في أواخر العام الماضي إن مراكز الشرطة نفذت عمليات مماثلة في صربيا وإسبانيا وفرنسا، حسبما أوردت "نيويورك تايمز".  

وأضافت الصحيفة أن محاور التحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي أثناء عملية المداهمة "لم تتضح بعد"، ولكنه "يأتي ضمن جهود موسعة تبذلها وزارة العدل الأميركية لكبح جماح عملية صيد الثعالب".

وفي أكتوبر الماضي، اتهم المدعون العامون في بروكلين، وهو نفس المكتب الذي قام بتفتيش مخفر نيويورك، 7 مواطنين صينيين بمضايقة مواطن أميركي وولده، من أجل الضغط على الرجل للعودة إلى الصين لمواجهة اتهامات جنائية.  

وقال كريستوفر راي مدير FBI في 2020، بعد أن وجهت السلطات الأميركية اتهامات لـ8 آخرين بالمشاركة في عمليات "صيد الثعالب": "إنه لأمر مشين أن تعتقد الصين أن بإمكانها القدوم إلى شواطئنا، والقيام بعمليات غير قانونية على أرضنا، وإجبار الناس هنا في الولايات المتحدة على الخضوع لإرادتها".

مراقبة الأقليات

وقامت الحكومة الصينية أيضاً بمراقبة الأقليات الإثنية في الخارج، ومارست ضغوطاً عليها، بما في ذلك الأويجور والتبتيون وأسرهم. وتخشى جماعات حقوق الإنسان والمسؤولون الحكوميون الغربيون من أن تشكل هذه البؤر قواعد لهذا النوع من العمليات.  

وقال مسؤولون حاليون وسابقون في وكالة إنفاذ القانون في نيويورك لـ "نيويورك تايمز"، إن تاريخ المخفر الموجود في الحي الصيني في نيويورك، كغيره من البؤر المنتشرة في أماكن أخرى من الولايات المتحدة، يرجع إلى "منتصف العقد الماضي".  

وأضافوا أن المسؤولين الشرطيين في مقاطعة صينية واحدة على الأقل حاولوا إلحاق ضباطهم بالتدريب مع قسم شرطة نيويورك وأقسام أخرى في المدن التي تقيم فيها جاليات صينية كبيرة.  

وسعى المسؤولون الصينيون إلى الحصول على توقيع قسم شرطة نيويورك على مذكرة تفاهم لتحديد البرنامج التدريبي وإضفاء الصفة الرسمية عليه. ولكن ذلك أثار مخاوف كبار القادة ومسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي في نيويورك، إذ خشوا من أن تقنن البرامج التدريبية وجود الضباط الصينيين، وربما يجعل قسم شرطة نيويورك شريكاً عن غير قصد في حملة مراقبة وتضييق، وفقاً لما قاله المسؤولون.

"سلطة الذراع الطويلة"

وقال تشين ين تينج، الباحث المقيم في تايوان، والذي شارك في كتابة تقرير جماعة Safeguard Defenders الحقوقية، إن "الحكومة الصينية تريد أن يكون لها نفوذ أكبر، وأن توسع نطاق منظومتها الشرطية العابرة للحدود".

وأضاف أن هذه المنظومة تمارس "سلطة الذراع الطويلة لتُري مواطنيها داخل الصين أن حكومتهم شديدة البأس.. لدينا قوة التمدد عالمياً، وحتى إذا غادرت الصين، فإنك لا تزال في قبضتنا".

وبحسب "نيويورك تايمز"، يبدو أن المدن الصينية "تتخذ خطوات جادة لإخفاء جهودها بهذا الشأن".  

في هذا السياق قال المشرع المجري، مارتون تومبوس، في مقابلة أجرتها معه "نيويورك تايمز" إنه زار أحد مراكز الشرطة الصينية في بودابست، العام الماضي، حيث "كانت هناك 3 لافتات مكتوب عليها "مركز خدمة شرطة تشينجتيان في الخارج". وأضاف أنه بعد حديثه عن الزيارة "تمت إزالة اللافتات".  

ولكن يبدو أنه "ليس الجميع على قناعة بأن هذه البؤر الشرطية تشكل تهديداً كبيراً". في هذا السياق قال جيريمي دوم، الباحث في مركز بول تساي تشينا، التابع لكلية الحقوق بجامعة ييل، للصحيفة الأميركية إنه برغم أن مضايقة الحكومة للمواطنين الصينيين تمثل "مشكلة خطيرة"، إلا أن هؤلاء الأفراد ينصب تركيزهم بدرجة كبيرة على القيام بـ"مهام إدارية" عن طريق توفير روابط فيديو بين الصينيين الموجودين في الخارج وأقسام الشرطة داخل الصين.

وأضاف أنه "من الناحية النظرية يمكن لأي شخص القيام بعملية الدردشة عبر الفيديو هذه باستخدام الهواتف الذكية".

وبالإشارة إلى نماذج واردة في تقرير Safeguard Defenders، أكد دوم أنه "يبدو أن هذه العملية تحدث في الصين".  

ولكن يبدو أن المعارضين الصينيين في أوروبا "ينظرون إلى الأمر من زاوية مختلفة". في هذا السياق قال لين شينجليانج، المعارض الصيني الذي يعيش في هولندا إن "هذه الأمور يمكن أن تتم داخل السفارة"، مضيفاً أن "الناس تخشى من أن تكون تحت المراقبة الشرطية".

وأعرب لـ "نيويورك تايمز" عبر الهاتف عن "قلقه البالغ من هذه البؤر الشرطية"، مضيفاً أنه "ليس هناك قنوات للإبلاغ عن هذه الأنشطة، وليس بأيدينا ما نفعله حيالها".  

اقرأ أيضاً:

تصنيفات