أعلن الحزب الوطني في اسكتلندا، الاثنين، اختيار حمزة يوسف لخلافة نيكولا ستورجن في زعامة الحزب وبالتالي رئاسة الوزراء، في خطوة قابلها أول مسلّم في تاريخ البلاد يتولى هذا المنصب، بإطلاق وعد بقيادة اسكتلندا لتحقيق الاستقلال عن المملكة المتحدة "في هذا الجيل".
وحمزة البالغ من العمر 37 عاماً والمقرب من ستورجن، يرث المهمة الحساسة المتمثّلة في إعادة إطلاق حركة الاستقلال عن بريطانيا التي تفقد زخمها، وتصطدم برفض لندن السماح بإجراء استفتاء جديد.
وكان حمزة وزيراً للصحة وأصبح أول مسلم يرأس حزباً سياسياً كبيراً في بريطانيا. ويفترض أن ينتخب رئيساً للوزراء، الثلاثاء، أمام البرلمان المحلّي في إدنبره.
وفي حالة عدم تمكن البرلمان الاسكتلندي من انتخاب وزير أول في غضون 28 يوماً، وهو أمر غير محتمل، سيتم إجراء انتخابات عامة.
وقال يوسف في خطاب النصر "سنكون الجيل الذي سيحقق استقلال اسكتلندا"، مؤكّداً أن "الشعب" الاسكتلندي "بحاجة للاستقلال اعتباراً من الآن، أكثر من أي وقت مضى".
لكنّ ناطقاً باسم رئيس الوزراء البريطاني قال إن ريشي سوناك "يتطلّع للعمل" مع زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي الجديد، لكنّه يرفض الدعوة التي أطلقها الأخير لإجراء استفتاء جديد على الاستقلال.
وقال الناطق للصحافيين إنّ الإسكتلنديين، وكلّ البريطانيين، يريدون من السياسيين أن "يركّزوا على القضايا التي تهمّهم أكثر من أيّ شي آخر: خفض التضخّم ومعالجة ارتفاع مستوى المعيشة وتراكم عمل (المستشفيات)".
نتيجة التصويت
وفي ختام اقتراع داخلي نظّم بعد الاستقالة المفاجئة لستورجن الشهر الماضي في أعقاب 8 أعوام قضتها في السلطة، تقدّم يوسف على كل من وزيرة المالية كيت فوربس، التي تعتمد مواقف محافظة مثيرة للجدل، وآش ريجان وهي عضو سابق في الحكومة المحلية.
ولم ينل أيّ من المرشّحين أكثر من 50% من الأصوات في هذا الاقتراع، حيث يصنّف الناخبون المرشّحين حسب ترتيب الأفضلية، وفاز بالفرز الثاني بحصد 52.1% من الأصوات، متفوقاً على فوربس التي حصلت على أصوات أقل من 24 ألف شخص.
وشارك أكثر من 50 ألف عضو في الحزب الوطني الاسكتلندي في التصويت، من أصل هيئة ناخبة تضم أكثر من 72 ألف عضو.
وقالت لورنا فين، السكرتيرة الوطنية للحزب الوطني الاسكتلندي، إن إجمالي نسبة المشاركة في انتخابات القيادة بلغت 70% بواقع 50 ألفاً و490 عضواً بالحزب، البالغ عددهم 72 ألفاً و169 عضواً، وفقاً لشبكة "سكاي نيوز".
وبحسب معهد إيبسوس، فإن كيت فوربس كانت المرشحة المفضلة للاسكتلنديين، إذ حصلت على 27% من التأييد، مقابل 22% لحمزة يوسف، و14% نالتها آش ريجان.
إلا أن داخل الحزب الحاكم حلّ يوسف أولاً مع 38%، وتلته كيت فوربس بـ37%، وريجان بـ 22%، بحسب نوايا التصويت التي أعلنها المعهد.و
وكانت بداية حملة فوربس صعبة بسبب آرائها المحافظة. فهي عضو في الكنيسة الحرة في اسكتلندا، والتي تعارض زواج المثليين والإجهاض.
"أسرة واحدة"
وقال يوسف بعد فوزه، إن "انتخابات القيادة، بطبيعتها، يمكن أن تكون مؤلمة. ومع ذلك، فإننا في الحزب الوطني الاسكتلندي أسرة واحدة".
وأضاف: "على مدى الأسابيع الخمسة الماضية ربما كنا منافسين أو مؤيدين لمرشحين مختلفين. لكننا لم نعد فريق حمزة أو فريق آش أو فريق كيت، نحن فريق واحد. سنكون فريقاً وسنكون الجيل الذي يحقق الاستقلال لاسكتلندا".
ويجسّد حمزة يوسف الاستمرارية في المواقف التقدمية في القضايا الاجتماعية، وتوجه الاقتصاد نحو اليسار، إذ يرغب على سبيل المثال في زيادة الضرائب على الأكثر ثراءً. وواجه انتقادات بسبب أدائه في مناصبه المختلفة في الحكومة الاسكتلندية.
كما يواجه عدداً من التحديات الصعبة لدى توليه منصبه. وستشمل الأولويات الرئيسية تحديد خطة واضحة للاستقلال، وكيفية التقدم في إصلاحات الاعتراف بالنوع الاجتماعي المثيرة للجدل، ومعالجة مسألة الوفيات الناجمة عن المخدرات في البلاد، وتخفيف أزمة تكاليف المعيشة، وتغيير هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
وقال يوسف: "أشعر بأنني الرجل الأكثر حظاً في العالم لوقوفي هنا كزعيم للحزب الوطني الاسكتلندي. الحزب الذي انضممت إليه منذ ما يقرب من 20 عاماً وأحبه كثيراً".
واستعاد يوسف ذكريات انتقال أجداده من إقليم البنجاب الباكستاني إلى اسكتلندا منذ أكثر من 6 عقود.
وقال إن أجداده كمهاجرين إلى هذا البلد "كانوا يعرفون بالكاد كلمة واحدة من اللغة الإنجليزية، ولم يكن بإمكانهم أن يتخيلوا في أحلامهم أن حفيدهم سيكون يوما ما على أعتاب أن يكون رئيس الوزراء القادم لاسكتلندا".
وقبل التصويت على القيادة، قال يوسف إنه إذا انتخب رئيساً للوزراء، فسيكون زعيماً "لكل اسكتلندا".
وأضاف: "سأعمل كل دقيقة من كل يوم لكسب وإعادة كسب احترامكم وثقتكم. لن تكون هناك وعود فارغة أو تطمينات سهلة عندما تكون القضايا المطروحة أمامنا صعبة ومعقدة. لأن (ترأس) الحكومة ليس أمراً سهلاً ولن أدعي ذلك".
هدف الاستقلال
وهنأت فوربس منافسها بعد فوزه قائلة: "لقد كنت فخورة بمشاركة المنصة معه، ومع آش خلال الأسابيع الخمسة الماضية، وأعلم أننا سنواصل العمل معاً، لجعل حياة جميع سكان اسكتلندا أفضل في المرحلة التالية من رحلتنا إلى الاستقلال".
وأضافت: "مهما كانت الخلافات القوية أو المناقشات الصريحة في الأسابيع القليلة الماضية، فأنا واثقة من أننا سنتحد خلف حمزة كزعيم جديد لحزبنا في الهدف المشترك المتمثل في الاستقلال".
وتابعت: "يمكننا أن نتناقش ونختلف جيداً، ثم نعمل معاً من أجل القضاء على الفقر والتحدث نيابة عن المهمشين ولتوفير وظائف أفضل ولخدمة شعبنا. أتمنى لحمزة التوفيق في ذلك".
وأشادت ستورجن بالمرشحين الثلاثة، قائلة: "الأهم من ذلك كله، أهنئ حمزة يوسف وأتمنى له كل التوفيق والنجاح". وأضافت: "سيكون قائداً بارزاً.. وسأكون فخورة بخلافته لي".
كما أرسل كير ستارمر، زعيم حزب العمال، تهنئته إلى يوسف، قائلاً عبر تويتر: "مبروك لحمزة يوسف. أول رئيس للحكومة من خلفية أقلية عرقية. لحظة مهمة بالنسبة لاسكتلندا".
لكن زعيم حزب العمال أضاف: "الحزب الوطني الاسكتلندي ليس لديه إجابات عن هيئة الخدمات الصحية أو أزمة تكلفة المعيشة. فقط حزب العمال يستطيع توفير التغيير الذي تحتاجه اسكتلندا".
كما هنأ زعيم حزب المحافظين الاسكتلندي دوجلاس روس، يوسف. وأضاف: "بصفتنا حزب المعارضة الرئيسي، سنحاسب حمزة يوسف عندما يخذل الشعب الاسكتلندي".
وتابع: "لسوء الحظ، لدينا مخاوف جدية بشأن قدرته. ولصالح اسكتلندا، نأمل ألا يترنح من فشل إلى فشل كما فعل عندما كان وزيراً للصحة، ووزيراً العدل، ووزيراً النقل في حكومة نيكولا ستورجن".
وأضاف: "يظهر انتخاب حمزة يوسف كزعيم أن حكومة الحزب الوطني الاسكتلندي تتحرك أكثر فأكثر بعيداً عن الأولويات الحقيقية للشعب الاسكتلندي لتحقيق الاستقلال".
وقال: "المحافظون الاسكتلنديون سيواصلون التركيز على القضايا التي تهم الناس في جميع أنحاء البلاد مثل تعزيز اقتصادنا ودعم هيئة الخدمات الصحية المتعثرة ومساعدة العائلات في مواجهة أزمة تكلفة المعيشة العالية".
والحكومة المحلية في اسكتلندا، المقاطعة التي تضم 5.5 مليون شخص، يمكنها البتّ في مواضيع عدّة بينها التعليم والصحة والقضاء.
تراجع الاستقلاليين
وقد يترك هذا الاقتراع تداعيات كبرى على مستقبل المملكة المتّحدة، حيث تزايدت الانقسامات في المناطق الأربع المكونة للبلاد (إنجلترا واسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية).
لكنّ الدعم للاستقلال وهو في صلب برنامج الحزب الوطني الاسكتلندي، يراوح مكانه. وبحسب استطلاع للرأي أجراه معهد "يوجوف" في 13 مارس، فإنّ 46% من الذين استطلعت آراؤهم، أبدوا تأييدهم للاستقلال (مقابل 50% الشهر الماضي).
وخلال الاستفتاء الذي نظم في 2014، صوت 45% من الاسكتلنديين لصالح الاستقلال. وقضية الاستقلال أعيد إطلاقها بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" بشكل خاص، لأن 62% من الاسكتلنديين عارضوه، ورأى الحزب الوطني الاسكتلندي في القطيعة مع لندن، وسيلة للعودة إلى الاتحاد الأوروبي.
وبحسب حمزة يوسف، فقد تمّ تكريس الكثير من الوقت للتأكيد على فشل الحكومة البريطانية في لندن، وليس ما يكفي لخلق رؤية لاسكتلندا مستقلة.
وكانت ستورجن (52 عاماً) أعلنت استقالتها بشكل مفاجئ في 15 فبراير الماضي، قائلة إنها لم تعد تملك الطاقة اللازمة بعد ثماني سنوات في السلطة.
كما وجدت ستورجن نفسها أمام صعوبات، بعدما جمدت لندن قانوناً مثيراً للجدل يسهّل تغيير الجنس.
وكان يفترض أن يتيح هذا القانون الاعتراف بتغيير الجنس بدون رأي طبي واعتباراً من سن 16 عاماً.
كما أنّ المحكمة العليا البريطانية، حكمت السنة الماضية بأنّ الحكومة الاسكتلندية لا يمكنها تنظيم استفتاء جديد بدون موافقة لندن.
لكنّ ستورجن قالت إن لديها "كل الثقة" بأنّ من سيخلفها سيتمكن من إيصال اسكتلندا الى الاستقلال.
اقرأ أيضاً: