ارتفاع تكاليف الغذاء في العالم.. تحدّ ضخم يثقل كاهل الحكومات

time reading iconدقائق القراءة - 9
جندي جنوب إفريقي يعاين أضراراً في مركز تجاري بسويتو نهبه محتجون على سجن الرئيس السابق جاكوب زوما - 13 يوليو 2021 - REUTERS
جندي جنوب إفريقي يعاين أضراراً في مركز تجاري بسويتو نهبه محتجون على سجن الرئيس السابق جاكوب زوما - 13 يوليو 2021 - REUTERS
دبي- الشرق

تدرك الحكومات في كل أنحاء العالم، أن لارتفاع تكاليف الغذاء ثمناً سياسياً محتملاً، لكن المعضلة تكمن فيما إذا كانت تلك الحكومات قادرة على تحمل تلك الكلفة.

وأظهرت بيانات "منظمة الأغذية والزراعة" (فاو) التابعة للأمم المتحدة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية بنسبة 33% في أغسطس الماضي، مقارنة بالعام الماضي، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".

وأشارت المنظمة إلى ارتفاع أسعار الزيوت النباتية والحبوب واللحوم، مستبعدة تحسّن الوضع، نتيجة تفاقم المشكلة، بفعل تقلّبات الطقس، وارتفاع تكاليف الشحن والأسمدة، وعراقيل تواجه قطاع الشحن، ونقص العمالة.

إضافة إلى نقص في احتياطات العملات الأجنبية، يعرقل قدرة دول على استيراد الغذاء. وتابعت أن ساسة، من أوروبا إلى تركيا والهند، يقدّمون الآن مزيداً من المساعدات، ويأمرون البائعين بخفض الأسعار، ويُعدّلون قوانين التجارة لتخفيف التأثير على المستهلكين.

وأوضحت الوكالة أن حدة المشكلة تزداد في الأسواق الناشئة، إذ تمثّل تكلفة الغذاء الجزء الأكبر من إنفاق الأسر، وفي دول تُعاني من أزمات. ففي لبنان، أحكم "حزب الله" قبضته على البلاد، من خلال توزيع الأغذية.

وقال كولن هندريكس، وهو باحث في "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي" (مقره واشنطن)، إن "الحكومات يُمكن أن تتدخل وتلتزم بدعم خفض أسعار السلع الاستهلاكية لبعض الوقت، لكنها لا تستطيع فعل ذلك إلى موعد غير محدد".

وذكرت "بلومبرغ" أن التضخم في أسعار الغذاء أثار شغباً في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، كما ساهم في اندلاع احتجاجات "الربيع العربي" قبل عقد.

وأضافت أن السخط يزداد مرة أخرى، مشيرة إلى عمليات نهب لمتاجر ومطاعم شهدتها جنوب إفريقيا، بعد اضطرابات تلت اعتقال الرئيس السابق جاكوب زوما، في يوليو الماضي. وفي كوبا، أدى نقص الغذاء إلى اندلاع احتجاجات هي الأضخم منذ عقود.

وأفادت "فاو" بأن التكاليف باتت الآن أعلى ممّا كانت عليه في أيّ وقت تقريباً، خلال العقود الستة الماضية.

وقال أليستر سميث، وهو باحث في التنمية المستدامة العالمية بجامعة وارويك البريطانية، إن شراء الطعام بات أكثر صعوبة ممّا كان عليه أثناء احتجاجات "الربيع العربي"، التي أطاحت بقادة تونس وليبيا ومصر.

"ذكريات قاسية" في تونس

ولفتت "بلومبرغ" إلى أن لدى تونس "ذكريات قاسية" عندما يتعلّق الأمر بالغذاء والسياسة، وأشارت إلى مطالبة الرئيس التونسي، قيس سعيّد، تجّار التجزئة والمنتجين بخفض أسعار المنتجات، بعد أيام على إقالته الحكومة وتجميده عمل البرلمان، في يوليو الماضي.

وأضافت الوكالة أن أسعار اللحوم الحمراء في تونس انخفضت فوراً بنسبة 10%، فيما أعلن "الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية" عن تخفيضات غير محددة في أسعار السلع الغذائية الأساسية، مثل دقيق القمح، واللحوم، والألبان، والقهوة، والمشروبات الغازية.

كذلك انخفضت أسعار الفاكهة بنسبة تصل إلى 20%، وفقاً لوسائل إعلام تونسية. وعلى رغم ذلك، ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية على أساس سنوي بنسبة 6.2%، في أغسطس الماضي.

وأشارت الوكالة إلى جدل بشأن تحوّل مخطّط له منذ فترة طويلة، لتركيز الإنفاق على المواطنين الأكثر احتياجاً، إذ تحاول تونس تأمين برنامج تمويل جديد من "صندوق النقد الدولي". وسيؤدي ذلك على الأرجح إلى خفض الدعم على سلع، مثل الدقيق والسكر، إضافة إلى الكهرباء.

وتعمل دول شمال إفريقيا أيضاً لخفض الدعم، من أجل المساهمة في إصلاح الإنفاق العام. ففي مصر، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى زيادة أسعار الخبز.

وفي الجزائر، رفعت الأفران أسعار الخبز المدعوم، فيما أعلنت السلطات في المغرب، خلال يوليو الماضي، خطة لخفض الدعم على السكر والدقيق، بدءاً من العام المقبل، تنتظر إقرارها في البرلمان.

الخبز في رومانيا

تُعتبر رومانيا المُصدّر الأول للقمح في أوروبا هذا الموسم، لكنها شهدت ارتفاعاً في الأسعار، ويُرجّح أن تسجّل أسرع تضخم منذ 8 سنوات، في عام 2021.

ولدى رومانيا تاريخ قاتم، عندما يتعلّق الأمر بإطعام سكانها، إذ شهدت نقصاً شديداً في السلع الغذائية، خلال عهد الديكتاتور الشيوعي نيكولاي تشاوشيسكو، قبل الإطاحة به وإعدامه في عام 1989.

وترغب حكومة فلورين سيتو في تقليص الاعتماد على المنتجات الغذائية المصنّعة المستوردة، كوسيلة لخفض التكاليف والعجز التجاري.

ويواجه سيتو ضغوطاً، بعد انهيار حكومته، وإثر إجابته على سؤال بشأن أسعار الخبز، قائلاً: "أنا لا آكل الخبز".

الولايات المتحدة والهند

في الولايات المتحدة قال 8.6% من المواطنين إنه لم يكن لديهم، أحياناً أو في أحيان كثيرة، طعاماً كافياً في الأسبوع السابق، وفقاً لاستطلاع للرأي أُنجز في 30 أغسطس الماضي.

وعكس إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، تعمل إدارة الرئيس جو بايدن لزيادة المساعدات الحكومية للأميركيين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط.

وأبدت الإدارة الأميركية قلقاً إزاء ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، فيما يتعافى الاقتصاد من فيروس كورونا المستجد.

كذلك تعمل الهند التي تضمّ أكبر عدد من السكان الذين يعانون من سوء تغذية، لزيادة المساعدات، إذ توزع حكومة ناريندرا مودي 20.4 مليون طن من الأرز والقمح مجاناً، وأنفقت 672.7 مليار روبية (9.1 مليار دولار) إضافية على دعم الحبوب، لتصل إلى أكثر من 800 مليون شخص.

واتخذت الدولة أيضاً تدابير تجارية لحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار العالمية، مثل خفض الرسوم الجمركية على زيوت النخيل، وفول الصويا، وعباد الشمس، والعدس.

تركيا وروسيا

وتراجعت شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نتيجة الوضع الاقتصادي وارتفاع تكلفة المعيشة، إذ تسارعت وتيرة التضخم في أسعار السلع الغذائية للشهر الرابع، إلى 29% في أغسطس.

وتحاول الحكومة التركية مجدداً السيطرة على الأسعار، من خلال التهديد بفرض غرامات على الشركات التي تبيع بأسعار مرتفعة.

وتلقّى مسؤولو وزارة التجارة أوامر بالتحقق من مزاعم بزيادات مفرطة في أسعار المنتجات الغذائية في أسواق الجملة بالمدن الكبرى، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة وإزمير.

وتسعى حكومة أردوغان أيضاً إلى تمرير تعديلات تشريعية، للحدّ من تضخّم أسعار الغذاء.

وفرضت روسيا، وهي أكبر مصدّر للحبوب في العالم، ضريبة على تصدير القمح، في فبراير الماضي، لكن ذلك أدى إلى تراجع حصتها السوقية.

كما تراجعت القدرة التنافسية للقمح الروسي، ما أدى إلى انخفاض الصادرات إلى مصر، أحد أبرز مستوردي القمح من موسكو.

ولم تساعد الإجراءات الداخلية في كبح تضخم أسعار الأغذية، إذ بلغ أعلى مستوى له منذ 5 سنوات، بحسب "بلومبرغ".

اقرأ أيضاً: