
يتزايد خطر اندلاع حرب بين جمهورية الكونجو الديمقراطية ورواندا، بعد تصاعد توترات مستمرة منذ عقود.
وثمة حدود مشتركة بين رواندا، التي تتمتع بأحد أكثر الجيوش فاعلية في إفريقيا، والكونجو، أحد أكبر البلدان وأكثرها اضطراباً في القارة، وبلغ التوتر حداً دفع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا إلى المطالبة بنشر فوري لقوة إقليمية شُكّلت حديثاً، في شرق الكونجو لحفظ السلام.
وتبادل الجانبان اتهامات بتنفيذ توغلات، وتسعى الكونجو إلى تجميد كل الاتفاقات المُبرمة مع رواندا. وقال ناطق باسم الحاكم العسكري لإقليم شمال كيفو في الكونجو، أمام آلاف من المحتجين الأربعاء: "رواندا لا تحبّنا. نحن لا نخافها وسنقاتلها. إذا أرادت حرباً، فستحصل عليها. لن يحتلّ أحد سنتيمتراً واحداً من أراضينا".
وكالة "أسوشيتد برس" عرضت أبرز تطوّرات الوضع بين البلدين.
ماذا حدث؟
يعاني شرق الكونجو من تهديد يومي تسبّبه عشرات الجماعات المسلحة، الساعية إلى نيل جزء من الثروة المعدنية في المنطقة، المُستخدمة في السيارات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر المحمول والهواتف الخليوية.
في وقت سابق من هذا العام، برزت مجدداً حركة "إم 23"، وهي إحدى أكثر التنظيمات المتمردة شهرة، إذ شنّت هجوماً على جيش الكونجو، بعدما اتهمت الحكومة بنقض وعود قطعتها طيلة عقد بموجب اتفاق سلام، من أجل دمج مسلحيها في الجيش.
واستولت الحركة هذا الأسبوع على مدينة بوناجانا التجارية الأساسية، ممّا أدى إلى فرار آلاف الأشخاص إلى أوغندا المجاورة وأماكن أخرى.
واتهم جيش الكونجو القوات الرواندية بتنفيذ "ما لا يقلّ عن غزو"، زاعماً أن كيجالي دعمت المتمردين في استيلائهم على بوناجانا.
ولطالما اتهمت حكومة الكونجو رواندا بدعم حركة "إم 23"، وهذا ما تنفيه الأخيرة، متهمة القوات الكونجولية بجرح مدنيين نتيجة قصف عبر الحدود.
وتصاعدت الاتهامات مجدداً في الأسابيع الأخيرة، علماً أن كثيرين من مسلحي "إم 23" هم من عرقية التوتسي، مثل الرئيس الرواندي بول كاجامي.
تاريخ التوترات
العلاقات مشحونة منذ عقود، بين رواندا والكونجو. وتزعم رواندا أن الكونجو منحت ملاذاً لأفراد من عرقية الهوتو نفذوا إبادة جماعية في رواندا عام 1994، أسفرت عن مصرع ما لا يقلّ عن 800 ألف شخص من عرقية التوتسي والهوتو خلال أعمال العنف.
في أواخر تسعينات القرن العشرين، أرسلت رواندا مرتين جنوداً إلى عمق الكونجو، وانضمّت إلى زعيم المتمردين الكونجوليين لوران كابيلا لإطاحة الحاكم موبوتو سيسي سيكو. واتُهمت القوات الرواندية في الكونجو على نطاق واسع، بملاحقة أفراد عرقية الهوتو وقتلهم، حتى المدنيين منهم، بحسب "أسوشيتد برس".
تفيد منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان بمصرع الملايين من سكان الكونجو، خلال نزاع لا تزال آثاره عميقة حتى الآن، إذ تعاني نسوة من صدمة الاغتصاب.
وثمة انقسام مستمرّ في شرق الكونجو، بعضه على أسس عرقية. وأدى تاريخ من عدم الاستقرار في المنطقة، وبعدها عن عاصمة الكونجو، كينشاسا، إلى إضعاف الاستثمار والمسّ بالبنية التحتية الأساسية، مثل الطرق.
لطالما اتهمت الكونجو ورواندا بعضهما بعضاً بدعم جماعات مسلحة متنافسة في شرق الكونجو. وتتمركز في جوما، عاصمة إقليم شمال كيفو في شرق الكونجو، قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، تضمّ أكثر من 17 ألف عنصر، لكن مسؤولاً بارزاً ذكر أن التوترات مع رواندا وأوغندا ليست جزءاً من دورها.
وقال العقيد فريدريك هارفي، مسؤول الاتصال في قوة الأمم المتحدة مع الجيش الكونجولي: "هذا ليس سبب وجودنا هنا. نحن هنا لإنجاز مهمتنا، وتتمثل في حماية السكان المدنيين والحفاظ على الوحدة الوطنية".
استولى مسلحو حركة "إم 23" لفترة وجيزة قبل عقد، على جوما التي يقطنها أكثر من مليون شخص. ويطالب كثيرون من سكان المدينة الآن، المجتمع الدولي بالتدخل للمساعدة في إرساء السلام والاستقرار.
وكان البابا فرنسيس يعتزم زيارة جوما الشهر المقبل، في إطار جولة تشمل الكونجو وجنوب السودان، لكنه ألغاها الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أوامر من طبيبه بسبب مشكلات في الركبة.
كيف سيتطوّر الوضع؟
مع التركيز على التوترات المتزايدة، شكّلت "مجموعة شرق إفريقيا"، التي تضمّ 7 دول في منطقة البحيرات الكبرى، هي بوروندي والكونجو وكينيا ورواندا وجنوب السودان وتنزانيا وأوغندا، في وقت سابق من هذا العام قوة إقليمية تستهدف التعامل مع المشكلات في المنطقة.
ويريد الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الآن، وهو الرئيس الحالي للتكتل، تفعيل هذه القوة فوراً ونشرها في شرق الكونجو، مشيراً إلى أنها تشهد "أعمالاً عدائية مفتوحة".
كذلك دعا كينياتا إلى إعلان مقاطعات شمال كيفو وجنوبها وإيتوري، شرق الكونجو، "منطقة خالية من السلاح"، حيث يمكن نزع سلاح أيّ شخص لا ينتمي إلى القوات المأذون بها. ولقيت دعوته ترحيباً "حاراً" من رئيس بوروندي، المتاخمة لرواندا والكونجو، علماً أن قادة قوات دول المجموعة سيجتمعون الأحد في العاصمة الكينية، نيروبي.
تُعتبر رواندا أبرز مساهم إفريقي في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العالم. لكنها كانت العضو الوحيد في "مجموعة شرق إفريقيا" الذي تغيّب عن اجتماع عقده قادة القوات المسلحة في الدول الأعضاء، في جوما هذا الشهر.
لم تعلّق رواندا والكونجو على دعوة كينياتا لنشر أفراد تلك القوة في شرق الكونجو، لكن ناطقاً باسم الحكومة في كينشاسا رحّب بطلب الرئيس الكيني وقف الأعمال العدائية وإنشاء مناطق خالية من السلاح، بحسب "أسوشيتد برس".
اقرأ أيضاً: