واجهت بعض أعمال الدراما التونسية انتقادات عدة في الحلقات الأولى من شهر رمضان، وتمحورت انتقادات متابعي الدراما من مختصين وجمهور حول المغالطات التاريخية، والأخطاء التقنية، والتنمر على بعض فئات المجتمع.
في هذا السياق، شهدت السلسلة الكوميدية "دنيا أخرى" أكبر قدر من الهجوم، لضعف مستواها الفني والتقني بحسب نقاد الدراما، ولمضامينها المهينة لبعض فئات المجتمع بحسب المنظمات الحقوقية.
تنمر وتنديد
تسبب تقليد بطلي سلسلة "دنيا أخرى"، بسام الحمراوي وكريم الغربي الأشخاص الذين يعانون إعاقة ذهنية، واعتبار هذه الإعاقة لعنة إلهية، استياء شديداً بين الناشطين في المجتمع المدني.
وفي هذا الإطار، نددت المنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بمحتوى سلسلة "دنيا أخرى"، موضحة أن مثل هذه المضامين تكرس لمفهوم خاطئ للإعاقة الذهنية، وتنشر صورة هزلية وساخرة من الاشخاص ذوي الإعاقة، ما يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان وإساءة إلى الكرامة الإنسانية.
وطالب رئيس جمعية "إبصار" المدافعة عن حقوق ذوي الإعاقة البصرية محمد المنصوري، بمقاطعة قناة "الحوار" التي تعرض سلسلة "دنيا أخرى" تنديداً بإهانتها ذوي الاحتياجات الخاصة.
الحلقة الثالثة من "دنيا أخرى" كانت أيضا موضع جدل، إذ اتهم صناع العمل بالتنمر على أًصحاب البشرة السوداء. وفي هذا السياق، نشرت الناشطة خولة كسيكسي تدوينة أدانت خلالها الصورة المهينة، التي ظهر بها الأشخاص ذوي البشرة السمراء، معتبرة أن المشهد يشكّلُ انعكاساً للعنصرية والنظرة الدونية لهم.
مغالطات تاريخية
رغم أن مسلسل "قلب الذيب" قد تمكن من تجاوز النزاع القضائي بين قناتي "الحوار" والتلفزيون الرسمي التونسي، والذي ربح هذه القضية إلا أن عرض حلقاته كشف عن إشكاليات كبيرة على مستوى المعالجة التاريخية.
واتهم عدد من متابعي "قلب الذيب" هذا العمل بتشويه التاريخ بعد أن صور أحداث في نهاية الأربعينات تهم نضال التونسيين ضد المستعمر الفرنسي، وفي الحقيقة تعود هذه الوقائع التاريخية لبداية الخمسينات، هذا إلى جانب عدة أخطاء على مستوى الديكور والإكسسورات وملابس الخاصة بالفترة الزمنية المطروحة في المسلسل.
المؤرخ التونسي والأكاديمي خالد عبيد اعتبر في تصريحه لـ"الشرق" أن بث معلومات تاريخية خاطئة، ومعطيات غير دقيقة في عمل فني هو تشويه لتاريخ البلاد.
وأضاف عبيد وهو مختص في التاريخ السياسي المعاصر، "الأعمال التاريخية أو التي تضم أحداثها حضور شخصيات تاريخية عليها الاستعانة بمؤرخين، واستشارتهم في المعطيات والوقائع التاريخية المذكورة في السيناريو، حتى يكون للعمل فني مصداقية ولا يسقط في الأخطاء والمغالطات".
المعالجة التاريخية لمسلسل "قلب الذيب" أثارت الجدل، بعد أن انتقد عدد كبير من المختصين في التاريخ المعاصر والحركة الوطنية التونسية ما جاء به، وقد وصف الدكتور عميرة علية الصغير في هذا السياق صناع مسلسل "قلب الذيب" بالجاهلين في التاريخ.
الكم الكبير من النقد فرض على صناع "قلب الذيب" بداية من الحلقة الرابعة إضافة عبارة "هذا العمل درامي ولا يمت للواقع بصلة" وتجاوز إشكالية تحريف المعطيات التاريخية غير أن هذه الخطوة لم تقلل من حدة النقد.
بين "27" و"الاختيار"
مسلسل "27" من الانتاجات الدرامية التونسية، التي طالتها كذلك سهام النقد ووصف جانب من متابعيه العمل بالمتواضع، ولا يليق بمكانة الجيش في تونس، فيما سخر آخرون من ظهور كاتب العمل ومخرجه يسري بوعصيدة، في أحد أدوار المسلسل واعتبروا اختياره للممثلين من نقاط ضعف العمل إلى جانب رؤيته الاخراجية.
المنتج المنفذ لمسلسل "27" ومخرجه يسري بوعصيدة أوضح لــ"الشرق" أن انتشار فيروس كورونا أثر على تصوير العمل واستكمال مشاهده وأن ما يعرض حاليا في رمضان هو ثلث ما كان يسعى لانجازه.
وأضاف بوعصيدة: "الانتقادات التي يواجهها تندرج في إطار حملة ممنهجة ضد العمل، باعتباره أول مسلسل درامي يتحدث عن الجيش وينتقد الحكومة ورجال الأعمال ويكشف عن الفساد".
وأكد مخرج "27" لــ"الشرق" أنه رغب في تكريم الجيش التونسي، الذي يواجه جرائم التهريب والإرهاب وهذه الصورة لم تعجب روؤس الفساد في البلاد فأطلقوا حملة لمهاجمة العمل عبر السويشال ميديا.
على صعيد متصل، أٌقر يسري بوعصيدة بأن رؤيته الاخراجية متأثرة بالأسلوب الأميركي، وهذا مغاير للدراما التونسية، التي اعتاد عليها الجمهور، لذلك سخر البعض من مشاهد العمل، فيما نفى رغبته في التمثيل وأن أدائه لأحد الأدوار فرض عليه بعد غياب ممثل عن التصوير.
وعبّر مخرج "27" عن استيائه من مقارنة عمله بمسلسل "الاختيار" موضحا أن الدراما في مصر صناعة، ولا يجوز مقارنتها بالإنتاج التونسي الموسمي والمرتبط برمضان، مشيراً إلى أن حلقة واحدة من مسلسل "الاختيار" توازي ميزانية مسلسل تونسي.
ابتذال وكوميديا فقيرة
انتقدت المخرجة التونسية جيهان إسماعيل الأعمال الدرامية لرمضان 2020، خاصة على مستوى المعالجة التاريخية بالنسبة لمسلسل "قلب الذيب"، وضعف السيناريو الخاص بمسلسل "أولاد مفيدة" والذي وصفته بالمبتذل.
وأكدت جيهان إسماعيل لـ"الشرق" أن مضامين الكوميديا فقيرة، وكأنها مشاهد مسقطة من مسرحيات
تجارية على غرار سلسلة "دنيا أخرى" مشيرة إلى اقصاء الممثلين المحترفين وتعويضهم بوجوه من "انستغرام" أساء للأعمال الفنية وتسبب في تراجع مستواها.
وأٌقرت جيهان إسماعيل في سياق تقييمها للأعمال الدرامية التونسية، بدور انتشار فيروس كورونا في تراجع المستوى التقني، وتضاعف الأخطاء في عدد من الأعمال، فمحاولات استكمال التصوير قبل الحجر الصحي تسبب في تقديم الكثير من المشاهد الداخلية في غير محلها مع أخطاء في الديكور، والاكسسورات والمكياج.