جاء رحيل كاتب السيناريو المصري وحيد حامد، السبت، (1944 – 2021) صدمة للوسط الفني والثقافي بالوطن العربي، فعلى الرغم من المتاعب الصحية التي عانى منها الكاتب الكبير في الفترة الأخيرة، فإن الصورة الذهنية التي تكونت لدى أصدقائه وجمهوره ومحبيه عبر أفلامه ولقاءاته كانت تعكس ملامح من القوة والصلابة تجعل فكرة الرحيل، برغم توقعها، عصية على التصديق.
لم يكن وحيد حامد مجرد كاتباً للسيناريو، بل كان حالة فنية وثقافية كاملة تأثرت بها الدراما والسينما المصرية والعربية خلال مسيرة تقترب من نصف قرن، قدم فيها ما يقرب من 80 عملاً بين السينما والدراما التليفزيونية والإذاعية والمسرحيات.
اختار وحيد حامد أن ينحاز في كتاباته للبسطاء، وأن يكون صوت المواطن العادي، أن يعكس همومه وآلامه وطموحه وأحلامه على شاشة السينما والتليفزيون.
صنع نجوميته ككاتب من اشتباكه مع قضايا المجتمع، وتعامله مع المفردات والمواقف والملامح المكونة للحياة اليومية لملايين المصريين، ليقدم عبر أعماله بانوراما واسعة للشخصية المصرية بكل تناقضاتها ونقاط قوها وضعفها.
رفع وحيد حامد من خلال كتاباته سقف الحرية واصطدم بالرقابة في أعماله التي حملت أفكاراً جريئة وغير معتادة وقت طرحها، حطم من خلالها الخطوط الحمراء، لتبقى أغلبها في ذاكرة السينما والدراما، أيقونات شاهدة على كاتب لم يركن إلى الحلول الوسطى وعمل بإخلاص لمهنته وقلمه وقبلهما أبناء وطنه.
حمل قلمه في مواجهة فكر التيارات المتطرفة، وكان أول من هاجمها وسعى للتحذير من خطرها في أعمال مثل "العائلة" أو "طيور الظلام"، و"دم الغزال" وحتى مسلسل "الجماعة" بجزئيه، الذي لم يمهله القدر لاستكمال كتابة الجزء الثالث منه.
فتى "بني قريش"
ولد وحيد حامد في الأول من يوليو عام 1944، بقرية "بني قريش" التابعة لمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية في دلتا مصر، لأسرة بسيطة تعمل أغلبها في الزراعة، لكنها حرصت على إلحاق أبنائها بالتعليم.
تفتح وعيه مع قيام ثورة 23 يوليو عام 1952، وبدأ اهتمامه بالقراءة مبكراً عن طريق القصص وروايات الجيب، اهتم بقراءة المسرح والقصة وتعلق بكتابات الأديب الإنجليزي وليام شكسبير، والفرنسي إدغار آلان بو.
كانت مجلات الحائط في المدرسة هي النافذة الأولى لكتابات الفتى الصغير الذي عشق الأدب، وبات يحلم بأن يكون أديباً ذات يوم، وصار يتردد على نادي الأدب في مدينة الزقازيق متابعاً وكاتباً للقصص القصيرة، ساعياً لشرها في الدوريات الثقافية المنشرة في ذاك الوقت.
انتقل إلى القاهرة في عمر التاسعة عشر عام 1963، ودرس الاجتماع في كلية الآداب، وارتبط منذ وطأت قدماه شوارع القاهرة بالحركة الثقافية والأدبية، وصار يلتهم الكتب قراءة ويحضر الندوات، ويشارك في النقاشات، ويشاهد العروض المسرحية والسينمائية، باحثاً عن مكان له وسط صفوف كتاب الأدب.
القمر يقتل عاشقه
أصدر مجموعته القصصية الأولى بعنوان "القمر يقتل عاشقه" عام 1971، وذهب بها مع بعض كتاباته الأخرى للأديب يوسف إدريس، لينصحه الأخير عقب القراءة بأن يتجه للكتابة الدرامية، وأشار له تجاه مبنى ماسبيرو، القابع أمام مكان جلوسهما على ضفاف النيل.
وجد وحيد حامد طريقه في نصيحة إدريس، وعمل بالإذاعة في بداية السبعينات ككاتب للمسلسلات الإذاعية، وبرز اسمه منذ ذلك الحين وتعددت أعماله أبرزها "الفتى الذي عاد"، و"بلد المحبوب"، و"ولادك يا مصر"، و"عبده كاراتيه"، "قانون ساكسونيا"، و"طائر الليل الحزين"، وغيرها.
طائر الليل الحزين
جاء أول أعماله السينمائية "طائر الليل الحزين" 1977، ليستثمر نجاح مسلسل إذاعي بنفس الاسم، وليكتب شهادة ميلاد كاتب، سيصبح فيما بعد من أهم صناع السينما وأكثرهم تأثيراً في العقود التالية.
حقق العمل نجاحاً كبيراً لفت الأنظار لجرأة كاتبه في التعرض لقضية مثل فساد القضاء، لتتوالى بعد ذلك أعماله السينمائية مثل "فتوات بولاق" و"العربجي" و"الإنسان يعيش مرة واحدة"، و"انتخبوا الدكتور سليمان عبدالباسط".
في الوقت نفسه قدم للدراما التليفزيونية مسلسل "أحلام الفتى الطائر" لعادل إمام من إخراج محمد فاضل، ليحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، تلاه مسلسل "أوراق الورد" للمطربة الجزائرية وردة.
سنوات التوهج
في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، قدم "حامد" للسينما أعمالاً رسخت مكانته كاتباً من طراز رفيع، حيث شكل ثنائياً مع المخرج عاطف الطيب في أفلام "البريء" و"ملف في الآداب" و"التخشيبة" و"الدنيا على جناح يمامة"، ثم فيلم "كشف المستور" في عام 1994.
وبأعمال فنية خالدة، كانت ثمرة التعاون مع المخرج سمير سيف في أفلام "الغول"، "الهلفوت"، "غريب في بيتي"، "مسجل خطر"، "الراقصة والسياسي"، "آخر الرجال المحترمين"، ثم تواصل التعاون في الألفية الجديدة بأفلام "سوق المتعة" و"ديل السمكة" و"معالي الوزير".
وللكاتب الراحل تجربة لافتة أيضاً مع المخرج حسين كمال، في أفلام "كل هذا الحب" و"نور العيون" و"المساطيل".
أما تجربته مع المخرج شريف عرفة في التسعينيات فكانت ذات ملامح خاصة، إذ جمعتهما 6 أفلام خمسة منها مع الزعيم عادل إمام، وهي "اللعب مع الكبار"، "الإرهاب والكباب"، "المنسي"، "طيور الظلام"، "النوم في العسل"، في حين كانت التجربة السادسة مع الراحل أحمد زكي في فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة".
الجيل الجديد
الكاتب الراحل وحيد حامد، استطاع التواصل مع أجيال مختلفة من الممثلين والمخرجين، وتمكن من ضبط موجة إبداعه مع كل المتغيرات الجارية في صناعة السينما التي شهدت تحولات كبيرة في خريطة نجومها مع بداية الألفية الجديدة.
فقدم مع الجيل الجديد، "محامي خلع" بطولة هاني رمزي، و"الأولة في الغرام" بطولة منة شلبي وهاني سلامة، وفيلم "ديل السمكة"، بطولة حنان ترك وعمرو واكد، و"دم الغزال"، بطولة منى زكي، التي قدم لها أيضاً فيلم "احكي يا شهرزاد".
ومثّل تعاون وحيد حامد مع نجله "مروان" الذي أخرج فيلم "عمارة يعقوبيان"، مرحلة جديدة من التواصل بين أجيال سينمائية مختلفة مثل عادل إمام ونور الشريف ويسرا وحتى خالد صالح وسمية الخشاب ثم محمد إمام.
أعمال مؤجلة
4 أفلام كتبها الكاتب الراحل، ولم ترَ النور، وهي: "العبّارة"، "الملك فاروق"، "دهموش" و"34 يوم" عن موقعة كبريت في حرب السادس من أكتوبر، والتي أعلنت المخرجة ساندرا نشأت استعدادها لتقديمها، بجانب فيلم آخر هو "الصحبة الحلوة" المرشح لبطولته يحيى الفخراني ومحمد سعد.
إضافة إلى ما سبق، هناك الجزء الثالث من مسلسل "الجماعة" الذي لم ينتهِ من كتابته، ومشروع فيلم "بيكو" عن رواية "قيس ونيللي" للكاتب الراحل محمد ناجي.