"الهمّ الاقتصادي" يقلق الأفغان أكثر من طالبان

time reading iconدقائق القراءة - 11
امرأة تمر أمام قوات طالبان في أحد شوارع كابول 27 أغسطس 2021 - REUTERS
امرأة تمر أمام قوات طالبان في أحد شوارع كابول 27 أغسطس 2021 - REUTERS
دبي-الشرق

يخشى الكثير من الأفغان من انهيار الاقتصاد، أكثر من خوفهم من سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان، إذ تعتمد بلادهم بشكل كبير على التمويل الأجنبي، لا سيما مع توقف المساعدات الخارجية، والتهافت على سحب الودائع من البنوك، وارتفاع أسعار السلع الرئيسية.

وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، الثلاثاء، أنه منذ سيطرة طالبان على السلطة في وقت سابق من هذا الشهر، عانى الأفغان من انهيار اقتصادي، يقول محللون وجماعات إغاثة، إنه ربما يتحول إلى "انهيار مالي وانتشار للجوع على نطاق واسع".

وأشارت الصحيفة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مثل الدقيق وزيت الطهي والوقود، وتوقف دفع الرواتب، ما دفع السكان الذين يسعون للحصول على النقود، إلى الوقوف في طوابير خارج البنوك، وأمام ماكينات الصرف الآلي، لا سيما مع بقاء الدولة غير الساحلية، التي تعتمد على الاستيراد، معزولة عن العالم مع إغلاق معظم حدودها.

وأوقفت الدول المانحة، بما في ذلك الولايات المتحدة، والمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تمويل أفغانستان، إذ تمثل المساعدات الخارجية أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي.

وانخفضت قيمة العملة الأفغانية، بنحو 10%، مع توقف عمليات تحويل الدولار الأميركي، التذ دعم قيمتها.

"اقتصاد حرب"

في هذا الإطار، قال غرايم سميث، كبير الاستشاريين في مجموعة الأزمات الدولية (آي سي جي)، إن أفغانستان تعاني من "نهاية مفاجئة لاقتصاد حرب بمليارات الدولارات. وثمة فجوة تزداد اتساعاً وهذا يسبب بعض الذعر".

بينما حذرت أنويتا باسو، مديرة إدارة مخاطر الدول الآسيوية لدى مؤسسة "فيتش سوليوشن"، من أن الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان قد ينكمش بين 10% و 20% في العامين المقبلين.

وقالت إن هذا "هو حجم الانكماش الذي شهدته الاقتصادات التي واجهت انهياراً سياسياً مشابهاً، مثل سوريا ولبنان وميانمار"، مضيفة أن التضخم المفرط "لا يمكن استبعاده"، إذا استمرت العملة في التراجع.

ويعاني الأفغان بالفعل زيادات مقلقة في الأسعار، مع احتمال حدوث نقص في الأشهر المقبلة. ويزيد من الضغط موجة جفاف شديدة، من المتوقع أن تحد من المعروض من المحاصيل الحيوية مثل القمح.

وقال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إن 14 مليون أفغاني، أو ثلث السكان، يعانون بالفعل من الجوع، وإنه "من الصعب الآن رؤية مستقبل هؤلاء السكان.. من دون أطفال يعانون من سوء التغذية".

توقف المساعدات الخارجية

وحذر تقرير آخر لمجلة "بارونز" الأميركية، من انهيار النظام المالي في أفغانستان، الذي يعتمد بشكل كبير على التمويل الأجنبي، مع توقف المساعدات الخارجية، وتهافت الأفغان على سحب أموالهم والفرار من البلاد.

وقالت المجلة المعنية بتطورات الأسواق والإحصاءات المرتبطة بها، إن ما يقارب 75٪ من الموازنة المدنية، وموازنة الدفاع البالغة 4 مليارات دولار، كانت تدفعها الولايات المتحدة، وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وآخرون.

ومع دخول طالبان إلى كابول، جمّدت وزارة الخزانة الأميركية، الجزء الأكبر من 9.5 مليار دولار من الأصول الاحتياطية الدولية، التي تحتفظ بها أفغانستان لدى المؤسسات المالية الأميركية.

وربما يحذو حذو واشنطن حلفاء أوروبيون، مثل ألمانيا وسويسرا والمملكة المتحدة، حيث تُستثمر احتياطيات كبيرة للبنك المركزي الأفغاني، لمنع حصول طالبان على هذه الأموال.

وفي 16 أغسطس، علّق صندوق النقد الدولي صرف نحو 370 مليون دولار لأفغانستان، مشيراً إلى "عدم الوضوح داخل المجتمع الدولي" بشأن الاعتراف بحكومة في أفغانستان. 

وعلى نحو مماثل، علّق البنك الدولي، الذي دفع أكثر من 5.3 مليار دولار منذ عام 2002، ويدير الصندوق الائتماني لإعادة إعمار أفغانستان، كل التمويل للبلاد اعتباراً من 25 أغسطس 2021.

في المقابل، لا يزال بنك التنمية الآسيوي ملتزماً بدعم أفغانستان في الوقت الراهن، وهو ثاني أكبر مانح دولي متعدد الأطراف لأفغانستان؛ لكن استمرار مثل هذا الالتزام، ربما يكون موضع تساؤل، لأن الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان من بين أكبر المساهمين في البنك.

وأعلن الاتحاد الأوروبي وألمانيا عزمهما قطع كل تمويل الإنمائي لطالبان، بعد سيطرة الحركة على البلاد. وهذا ما أكده جوزيب بوريل، كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي بعد اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية الأوروبيين.

وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 1.4 مليار دولار في شكل مساعدات طارئة وتنموية لأفغانستان بين عامي 2021 و2025، في حين يتوقف الإفراج عن هذه المساعدات الآن على عدة شروط؛ تشمل استخدام الأموال لتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لا سيما للنساء والأطفال.

وفي إطار العلاقات الثنائية، تشهد العلاقة مع الهند تدهوراً، رغم أنها واحدة من أكبر المانحين والشركاء التجاريين لأفغانستان، إذ استثمرت أكثر من 3 مليارات دولار في مشاريع الري والزراعة والطاقة الكهرومائية وبناء الطرق والمشاريع الصحية. وفي أعقاب سيطرة طالبان على أفغانستان، تدهورت العلاقات التجارية مع البلاد.

تجميد تحويل الأموال

وفي تطور آخر، علقت "ويسترن يونيون"، التي كانت تشكل قناة مهمة لتحويل الأموال إلى أفغانستان، عملياتها في البلاد، ما يحرمها من تدفق العملات الأجنبية.

وتفاقم تأثير توقف المساعدات الخارجية مع انخفاض تدفق التحويلات من الأفغان في الخارج، ما قد يؤدي إلى تدهور كبير في أسعار صرف العملة المحلية. 

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى انخفاض سعر صرف العملة الأفغانية "أفغاني" بالفعل بمقدار 10 "أفغاني" مقابل الدولار، أو ما يعادل 12٪، منذ 15 أغسطس، وهو انخفاض غير مسبوق في العقدين الماضيين.

مع تجميد الأصول الاحتياطية الدولية لأفغانستان، ونضوب مساعدات التنمية الدولية، ربما لا يصمد النظام المصرفي المتعثر في البلاد لفترة طويلة. 

وفقاً للأرقام الأخيرة، فإن ما بين 69٪ و75٪ من جميع الودائع محتفظ بها في صورة نقد أجنبي، والبنك المركزي الأفغاني لديه القليل من النقد في خزائنه، وربما لا يتمكن من الوصول إلى أكثر من 2٪ من إجمالي احتياطياته، لأن معظمها محتجز في الخارج. 

والبنك المركزي لديه فقط احتياطيات نقدية بالعملة المحلية بقيمة 55 مليار أفغاني، ربما تكون كافية فقط لتوفير النقد للبنوك التجارية لمدة تقل عن ثلاثة أسابيع، إذا حدث تهافت على البنوك لسحب الودائع المصرفية.

ويبلغ إجمالي الودائع في جميع البنوك التجارية الثلاثة عشر 255 مليار أفغاني، أي ما يقرب من خمسة أضعاف حجم الاحتياطيات.

والسبت، أصدر القائم بأعمال محافظ البنك المركزي التابع لطالبان، تعميماً نصح فيه البنوك بالسماح بسحب ما يصل إلى 200 دولار لكل حساب أسبوعياً، ويبدو أن تقييد السحب النقدي مؤشر على أن طالبان تواجه قيوداً مالية هائلة، ربما تتفاقم في الأيام والأسابيع المقبلة، عندما تفتح البنوك أبوابها أمام عملائها.

سحب الودائع

واصطف عشرات الآلاف من المودعين لسحب أموالهم، والفرار من البلاد لأنهم لا يرون مستقبلاً لأنفسهم وعائلاتهم في ظل نظام طالبان. ومع استمرار هذا التدافع الهائل على البنوك، أصبح انهيار النظام المصرفي وشيكاً للغاية.

ولفتت "فايننشال تايمز"، إلى أن الاقتصاد الأفغاني في عام 2021، أكبر بكثير وأكثر تطوراً مقارنة بعام 2001، عندما حكمت طالبان البلاد، لأن الحركة لا تملك القدرة ولا الموهبة لإدارة مثل هذا الاقتصاد، إذ غادر معظم الموظفين الحكوميين المتعلمين البلاد، أو هم في طريقهم لمغادرة البلاد. 

وأشارت الصحيفة إلى أنه بالنظر إلى الاتجاه الذي تتحرك فيه البلاد، ستدرك طالبان قريباً أن القتال والدمار، أسهل كثيراً من البناء وإدارة اقتصاد ناجح.

ظروف صعبة

وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية من جهتها، نقلت عن بعض الأفغان في مطعم وسط العاصمة كابول، قولهم إنهم أكثر قلقاً بشأن الانهيار الاقتصادي، وعدم القدرة على إطعام أسرهم، من التقيد بالتعليمات التي تفرضها طالبان.

في المقابل، يخشى آخرون على مستقبل أطفالهم، أو شعروا بالفزع وسط مشاهد الذعر التي تزامنت مع فرار عشرات الآلاف من الأجانب والأفغان، في إطار عمليات نقل جوي ضخمة خلال الأسبوعين الماضيين.

وقال مصطفى الذي يعمل نادلاً في مطعم آخر قريب للوجبات السريعة، جاء للقاء بعض الأصدقاء: "يجب أن أهرب حتى أتمكن من إطعام أسرتي".

وأضاف أن لديه عائلة مكونة من 11 شخصاً، وتدور في رأسهم فكرة البحث عن عمل في إيران المجاورة، لافتاً إلى أن راتبه انخفض بنسبة 75٪ إلى أقل من 50 دولاراً شهرياً، منذ اجتياح طالبان لكابول وركود الأعمال.

بينما قال محمد ياسين، وهو صاحب مطعم بيتزا، إن المبيعات اليومية تراجعت، وبهذه الوتيرة، لن يتمكن من تغطية الإيجار.

وبينما كان ياسين يُدقق في رسائل بريد إلكتروني قديمة، بحثاً عن أحد معارفه الأجانب الذين ربما يساعدونه في إعادة التوطين في الخارج، قال: "لا أريد المغادرة، ولكن هذا من أجل أطفالي".

عودة النشاط

مع ذلك، يوجد شعور بعودة الأعمال التجارية كالمعتاد في معظم أنحاء العاصمة الأفغانية، التي تضم أكثر من 5 ملايين شخص، في تناقض حاد مع المشاهد المروعة في مطار كابول حيث توافد الآلاف على البوابات طيلة أيام، على أمل الحصول على فرصة للمغادرة، حسب الوكالة.

وأشارت "أسوشيتد برس"، إلى أنه في معظم أنحاء كابول، عادت حركة المرور الفوضوية المعتادة وفُتحت الأسواق.

وعند إشارات المرور والتقاطعات الدائرية، لا يزال نفس أفراد الشرطة الذين خدموا في عهد حكومة الرئيس السابق، أشرف غني، المتحالفة مع واشنطن، يلوحون بأيديهم في محاولة غير مجدية في كثير من الأحيان لكبح جماح الفوضى.

في المقابل، اتخذ مقاتلو طالبان مواقعهم أمام معظم الوزارات الحكومية، يرتدي البعض زياً مموهاً، بينما يرتدي البعض الآخر الزي الأفغاني التقليدي.

يأس وحاجة للأموال

ورغم ذلك يخيم اليأس والحاجة إلى المال على المدينة، في ظل عدم تسديد الرواتب.

والوزارات الحكومية التي توظف مئات الآلاف من الناس، بالكاد تعمل، حتى مع حض حركة طالبان البعض على العودة إلى العمل.

وخارج البنك الوطني الأفغاني، اصطف الآلاف، خمسة وستة جنباً إلى جنب، في محاولة لسحب الأموال، بعد أن حددت طالبان سحوبات أسبوعية محدودة بمبلغ 200 دولار.

من جانبه، قال نور الله، الذي يدير متجراً للخردوات منذ 11 عاماً، إنه لم يكن لديه عميل واحد منذ وصول طالبان في 15 أغسطس، لافتاً إلى أنه لا يستطيع دفع إيجار متجره.

وأضاف: "البنوك مغلقة. كل الناس الذين يملكون المال يهربون من هذا البلد. لا أحد يجلب المال هنا".

وأشار إلى أنه ليس لديه فرصة للمغادرة، وغير متأكد من أنه سيفعل ذلك حتى لو استطاع، وإذا انتعش الاقتصاد، فسيبقى، حتى مع وجود طالبان في السلطة، مضيفاً: "لقد ولدت هنا. عشت هنا طوال حياتي. سأموت هنا".

اقرأ أيضاً: